رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

زيارة بيت المقدس حتمية دينية وضرورة سياسية

بوابة الوفد الإلكترونية

د. ولاء شعبان

 

فتوى «القرضاوى» بالتحريم مخالفة لصريح الأدلة الشرعية

 

بعد حديث طيب عن فضائل المسجد الأقصى كانت أحاديث للرسول عليه الصلاة والسلام صفة الشهود على هذه الفضائل من بينها «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدى هذا»، وقوله عليه الصلاة والسلام «إنكم تحشرون إلى بيت المقدس ثم تجتمعون يوم القيامة. وحديث أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث حيث قالت للرسول عليه الصلاة والسلام «أفتنا فى بيت المقدس؟ فقال: ائتوه فصلوا فيه، وكانت البلاد إذ ذاك حربًا، فإن لم تأتوه وتصلوا فيه فابعث بزيت يسرج فى قناديله. وقوله «صلاة فى مسجدى هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الأقصى».

وقوله: «من أهل بعمرة من بيت المقدس غفر له». وقوله: «لنعم المصلى فى أرض المحشر والمنشر، وليأتين على الناس زمان ولقيد سوط، أو قال: «قوس الرجل حيث يرى منه بيت المقدس خير له أو أحب إليه من الدنيا جميعا».

وفى تاريخ فلسطين المعاصر، شهدت القدس حدثًا تاريخيًا بارزًا يؤكد ارتباط المسلمين بها، وحرصهم على شد الرحال إليها مهما كانت الظروف، ومهما عظمت الأهوال والصعاب، فكان انعقاد المؤتمر الإسلامى العام فى مدينة القدس فى السابع والعشرين من شهر رجب عام 1350هـ، الأول من ديسمبر عام 1931م، وكانت القدس وفلسطين ترزح حينها تحت وطأة الاحتلال البريطانى الذى بدأ منذ عام 1917م، حيث عقد هذا المؤتمر الإسلامى الجامع فى المسجد الأقصى المبارك، تحت مراقبة متحفزة مغتاظة من سلطات الاحتلال البريطانى، التى كان مندوبها السامى يتخذ من أعلى جبل المكبر مقرًا له، وكان ذلك المقر يشرف على ساحات المسجد الأقصى المبارك مباشرة، حيث تواجد العلماء والمشاركين فى المؤتمر طوال أيام انعقاده.

وقد حمل هذا المؤتمر اسم «مؤتمر العالم الإسلامى الثانى، حيث كان المؤتمر الأول قد عقد بمكة المكرمة عام 1926م بدعوة من الملك عبد العزيز. وقد كان عقد هذا المؤتمر بدعوة من مفتى القدس وفلسطين الحاج أمين الحسينى رحمه الله، وبمشاركة أكثر من مائة وخمسين من أعلام الأمة وعلمائها، جاءوا من أكثر من عشرين دولة عربية وإسلامية، بهدف توثيق صلة المسلمين بالقدس، وتنبيههم إلى المخاطر التى تهدد القدس والمسجد الأقصى المبارك وفلسطين، واستغرقت جلساته عشرة أيام كاملة، رغم وجود الاحتلال البريطانى فى المدينة المقدسة.

 

فتوى التحريم.. لا دين ولا سياسة!!

رغم وضوح مسألة زيارة القدس من الناحية الفقهية كما تقدم معنا، ورغم أن الأدلة الشرعية الثابتة قد حسمت أمر هذه الزيارة باعتبارها فضيلة دينية لا مراء فيها، وسُنة نبوية ثابتة لا جدال فيها إلا من جاهل أو منافق أو مكابر، ورغم أننا لا نجد فى تراثنا التاريخى والفقهى المستمد من القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة، ولو مجرد إشارة تناقض مفهومنا الإسلامى الثابت تجاه شد الرحال إلى بيت المقدس، وإلى المسجد الأقصى المبارك، فضلا عن المصالح الضرورية المحققة لأهل فلسطين ولقضيتهم من تواصل إخوانهم العرب والمسلمين معهم، إلا أن الشيخ يوسف القرضاوى جاءنا بفتواه العجيبة الغريبة فى هذه المسألة، فحرم على غير الفلسطينيين، من العرب والمسلمين، زيارة القدس أو الصلاة فى المسجد الأقصى المبارك، بذريعة أنهما تحت الاحتلال الإسرائيلى، وأن فى هذه الزيارة تطبيعا مع ذلك الاحتلال واعترافا به.

إن هذه الفتوى الغريبة المريبة مردودة فقها وسياسة على السواء، فهى فتوى محدثة تخالف صريح الأدلة الشرعية، ولم يقل بمثلها، أو حتى قريبا منها، أحد من فقهاء الأمة من قبل، فوق أنها تتوافق بشكل مريب مع سياسات الاحتلال الإسرائيلى الرامية إلى عزل القدس وإفراغها من أى حضور عربى أو إسلامى، وتضر ضررا بليغا بمصالح الشعب الفلسطينى المرابط فى بيت المقدس وفى أكناف بيت المقدس.

فتوى مخالفة للدين

تقدم معنا قول الإمام مالك رحمه الله أن كل أحد يؤخذ من كلامه ويرد إلا النبى صلى الله عليه وسلم، وكذلك قول أبى حنيفة وأحمد بن حنبل رحمهما الله أنه إذا خالف قولهما قول النبى صلى الله عليه وسلم ضربنا بقولهما عرض الحائط.

واستنادا إلى هذا الفهم الصريح الصحيح لمقتضيات التشريع الإسلامى، ولطبيعة المرجعية الشرعية العليا المتمثلة فى كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فإننا سنذهب فى موقفنا من هذه «الفتوى القرضاوية» مذهب هؤلاء الأئمة الأعلام، فنردها ولا نقبلها، بل ونضرب بها عرض الحائط، وذلك من الوجوه التالية:

1-إن هذه «الفتوى القرضاوية» تخالف صريح السنة النبوية المشرفة، فالسُنة المشرفة كما تقدم معنا قد شرعت للمسلمين أن يشدوا الرحال إلى بيت المقدس، وجعلت ذلك من أفضل الفضائل الدينية، وأزكى الأعمال الشرعية، دون أن تقيدها بوقت أو ظرف أو مكان، ما دام المسلم قادرا على هذه الزيارة، وقد تبين ذلك من خلال جملة الأحاديث النبوية الشريفة التى سقناها آنفًا.

ولما كانت مرجعية التشريع مقصورة على القرآن العظيم والسنة النبوية المشرفة، وعلى إجماع علماء الأمة وفقهائها فيما لا يخالف النصوص القرآنية أو النبوية، وعلى قياس ما لا نص فيه على ما فيه نص إذا اشتركا فى العلة، كما يقرر الفقهاء والأصوليون، وحيث أن هذه «الفتوى القرضاوية» لا ترجع فى تأصيلها إلى أى من هذه الأدلة الأربعة الثابتة: القرآن والسُنة والإجماع والقياس، بل إنها فوق ذلك تخالف نصوص السُنة النبوية وإجماع الأمة، فإنها تسقط فى الاعتبار الشرعى بسبب هذه المخالفة، ولا يلزم مسلم أن يأخذ بها، بل إن الأخذ بها يعنى تقديم كلام القرضاوى على كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا ما لا يمكن أن يسقط فيه مسلم أو مسلمة أبدا، إذ إنه يناقض صريح الإيمان كما ثبت من قوله تعالى: «فلا وربك لا يؤمنون حتى يُحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما»، (سورة النساء، الآية 65).

قد يقول البعض إنه قد اجتهد، فنقول لهم: فهل يجوز الاجتهاد فى مخالفة النص؟ إن مما اتفق عليه علماء الفقه والأصول أن الاجتهاد لمعرفة الحكم أو الإتيان بالحكم لا يجوز مادام النص موجودا، كما أن الإتيان بحكم يخالف حكما منصوصا عليه بقرآن أو سُنة أو إجماع، مرفوض ومردود على صاحبه وغير جائز، أما الاجتهاد فى فهم النص فهما دقيقا فهو جائز وفق القواعد التى قررها العلماء المحققون.

إننا لا يمكن أن نقدم كلام أحد من الناس على كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله تبارك وتعالى قد ضمن لنا العصمة فى حديثه، ولم يضمن لنا ذلك فى حديث سواه، كما أن الله سبحانه يحذر من مخالفة أمره صلى الله عليه وسلم إلى أمر غيره من الناس مهما كانوا، وفى هذا يقول سبحانه: «فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم»، (سورة النور، الآية 63).

2-إن قول الشيخ القرضاوى فى فتواه «العجيبة» إن زيارة القدس مباحة للفلسطينيين حرام على غيرهم من المسلمين، هو تجديف فى دين الله بلا دليل، بل وبما يناقض الدليل، فمن أين جاء بهذا «الاجتهاد» الغريب؟ هل قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهل

ما هو حلال للفلسطينيين حرام على غيرهم؟ ثم من أين جاء القرضاوى بهذه التقسيمات؟ أليس الاستعمار هو الذى ابتدع هذه الحدود المصطنعة بين البلاد الإسلامية ليمزقها ويضعفها؟ أم أن «الشيخ» يتساوق مع هذه التقسيمات الاستعمارية ويتخذ منها أساسا لفتوى دينية خالصة؟

ثم من قال إن الواجب تجاه القدس مقصورا على الفلسطينيين فقط؟ أليست القدس هى أمانة الدين والتاريخ فى أعناق المسلمين جميعا؟ وهل كان النبى صلى الله عليه وسلم وهو يأمر بشد الرحال إلى القدس يخاطب الفلسطينيين فقط؟

إن الواجبات الدينية تجاه القدس لا تعترف بالجغرافيا المصطنعة، بل هى لازمة فى أعناق المسلمين جميعا، عربا وعجما، رجالا ونساء، حكاما وشعوبا على السواء، فالجميع أمام شريعة الله سواء، والجميع مخاطبون بالأحكام الشرعية المستمدة من الخطاب الدينى المتعلق بأفعالهم باعتبارهم مكلفين شرعا.

إن الدليل الشرعى المعتمد فى هذه المسألة، وهو هنا أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم لم يكن يخاطب شعبا مسلما دون آخر، ولم يكن يخاطب أهل بلد دون غيرهم، بل هو خطاب عام لكل المسلمين، لا يسقط عن أحد منهم إلا بعذر شرعى، فأين هو العذر الشرعى الذى جعل القرضاوى يسقط التكليف عن غير الفلسطينيين؟ بل ويحرم عليهم أن يطيعوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى شد الرحال إلى بيت المقدس والصلاة فيه؟ تعالى الله علوا كبيرا!!

3-يدعى الشيخ القرضاوى أن زيارة القدس وهى تحت الاحتلال هى تطبيع مع الاحتلال واعتراف به، ولذلك فهو يحرم هذه الزيارة على غير الفلسطينيين، وهذه دعوة ساقطة مردودة من وجوه:

الوجه الأول: أن زيارة مدينة القدس وهى تحت الاحتلال ليست بالضرورة تطبيعا مع ذلك الاحتلال أو اعترافا بشرعيته، إذ إن ذلك مرتبط أولا بنية الزائر وقصده، ثم بالنتيجة المترتبة على هذه الزيارة.

أما نية الزائر فهى من الأمور الخفية التى لا يعلم حقيقتها إلا الله سبحانه وتعالى، ولا يمكن أن يطلع عليها أحد من الناس، وهى متروكة لصاحبها أن يقرر فيها: هل ينوى بزيارته التطبيع مع المحتلين والتسليم بشرعية الاحتلال، فتحرم زيارته لا لذاتها بل للنية المتعلقة بها، أم أنه ينوى بزيارته العمل بالسنة النبوية ونصرة بيت المقدس وأهلها، فتكون زيارته بذلك من أفضل القربات والطاعات؟

وأما النتيجة المترتبة على الزيارة فمرتبطة بتقدير المصلحة من قبل جهتين: الأولى: هى الزائر الذى يأتى إلى القدس بنية الطاعة والعبادة، والثانية: هى أهل القدس أنفسهم، إذ هم أقدر على تقدير مصالحهم من غيرهم.

فإذا وجد الزائر، أو وجد أهل القدس أن فى الزيارة مصلحة دينية أو دنيوية فإن هذه الزيارة تكون مشروعة مطلوبة، أما إذا وجدوا أن فيها مفسدة دينية أو دنيوية، أو تطبيعا مع الاحتلال، فإنه يمكن تركها والامتناع عنها دفعا لهذه المفسدة.

وإذا وجد الزائر أو المقدسيون أن فى هذه الزيارات منافع ومضارا نظروا، فإن كانت منافعها أكبر من مضارها جازت، وإلا فإن تركها أولى.

فهلا قال الشيخ القرضاوى ذلك فنكون معه فى قوله، وهلا قيد فتواه بهذه القيود الشرعية فنؤيده، أما وإنه لم يفعل فقد أفسد فتواه بنفسه!!

الوجه الثانى: أن دخول أى بلد لا يمتنع بغياب الحكم الإسلامى عن هذا البلد، فكيف إذا كان هذا البلد مقصودا لذاته ولفضله ولبركته الدينية؟ ودخول أى بلد محتل أو له حكم دار الحرب فى الفقه الإسلامى ليس اعترافا بسلطة الاحتلال، ولا تطبيعا مع العدو المحارب، أو تسليما بشرعية حكمه.

ونحن فى هذا إنما نقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد دخل صلى الله عليه وسلم مكة بعد صلح الحديبية وهى تحت حكم المشركين، وكان بالمسجد الحرام والكعبة المشرفة عشرات الأصنام، ولا يمكن لأحد أن يدعى أن فعله صلى الله عليه وسلم ذلك كان اعترافا منه بشرعية الأصنام وحكم أهلها لمكة.

ثم إنه صلى الله عليه وسلم قد دخل مكة إذ دخلها حينئذ لأداء عبادة العمرة، وكان دخوله إياها بموافقة كفار قريش وبشروطهم، حسبما تم فى صلح الحديبية.

وتذكر روايات السيرة النبوية فى قصة صلح الحديبية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة فى شهر ذى القعدة من السنة السادسة للهجرة معتمرا لا يريد حربا، وكان معه مئات من المهاجرين والأنصار، وساق معه الهدى وأحرم بالعمرة، فلما سمعت قريش بمخرجه عقدوا العزم على منعه من دخول مكة المكرمة، وخرجوا بسلاحهم ليحولوا بينه وبين ما يريد من أداء العمرة، فسلك صلى الله عليه وسلم بالمسلمين طريقا يبعدهم عن مكان قريش، حتى يتجنب الحرب والمواجهة العسكرية معهم، وقال يومها فيما رواه المسور بن مخرمة رضى الله عنه: «والذى نفسى بيده، لا يسألونى خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها»، أخرجه البخارى وأبو داود.