رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

النقش على النحاس.. فن أصيل يزين «الجمالية»

بوابة الوفد الإلكترونية

 

 

عبدالحميد الصياد

النقش على النحاس من الحرف اليدوية التى ارتبطت بالفن الإسلامى، الذى يهتم بالزخارف والرسومات الرائعة على جدران وأسقف العديد من المبانى كالمساجد والمدارس والقصور وغيرها من المنشآت التاريخية، وهو أحد الفنون التى ما زالت تحتفظ ببريقها، ولا تزال منتجات النحاس المزخرفة بالنقوش عليها إقبال كبير وخصوصاً من السياح العرب والأجانب، الذين يقبلون على اقتنائها أو إهدائها لأقاربهم ومحبيهم فى بلادهم، بالرغم من وجود المنتجات النحاسية رخيصة الثمن المستوردة من الخارج.

وتتركز هذه المهنة فى منطقة الجمالية ابتداء من الدراسة حتى باب الشعرية، فهى مليئة بورش النحاس ومشهورة بها، ويأتى إليها الزبائن من جميع أنحاء مصر، وكذلك تجار النحاس الذين يبيعون الخام متركزون فى هذه المنطقة.

والنحاس من أوائل المعادن التى اكتشفها الإنسان قبل أكثر من 10 آلاف سنة قبل الميلاد، وهو ليّن فى تكوينه وقابل للتفاعل الفيزيائى والكيميائى ويمكن تشكيله بسهولة، ويدخل النحاس فى صناعة الذهب ليعطيه نوعاً من الصلابة، كذلك يُستخدم فى صنع العملات المعدنية، وعند خلطه مع الزنك ينتج البرونز، وقديماً كانوا يصنعون منه الدروع الحربية والآلات الموسيقية.

 وهناك عدّة أنواع من النحاس الذى يمكن النقش والحفر عليه وهى: النحاس الأصفر، والنحاس الأحمر، والنحاس الأبيض، ولكن فى الوقت الحالى يُستخدم نوعان فقط هما: الأحمر والأصفر، والأصفر منه غالى الثمن لنقائه وخلوّه من الشوائب ويتميّز بطراوته وسهولة النقش عليه.

وعملية الحفر على النحاس تبدأ باختيار القطعة المناسبة ومساواتها بالطَّرق عليها بالمطرقة لتتساوى جميع أجزائها، ومسحها بشكل جيد لتكون ملساء، ثم يتم الرسم على القطعة بواسطة قلم رصاص، وتبدأ عملية تبكير الخانات التى تم رسمها؛ أى تنسيقها لتكون متساوية مع بعضها البعض من خلال استخدام القلم والبرجل، وبعدها تأتى مرحلة النقر والحفر على النحاس بتمرير القلم على الشكل المرسوم والدق عليه، ثم تذهب قطعة النحاس إلى المخرطة للحصول على شكل القطعة الخارجى سواء كان دائرياً أو مستطيلاً أو غير ذلك، ويتم تلميع القطعة بواسطة الفرشاة ثمّ طلاؤها إما بالذهب أو البرونز أو الفضة ويمكن طلاؤها بأكثر من لون.

أمام ورشته فى شارع المعز بالقاهرة، ووسط أعماله الفنية، كان يجلس جمال شوشة، 57 سنة، منهمكاً فى عمله، وبيديه شاكوش وإزميل ينقش بهما على طبق من نحاس ليصنع منه تحفة فنية رائعة، قال: «توارثنا هذه المهنة عن الأجداد والآباء، فقديماً كان النحاس مكوناً أساسياً فى البيت المصرى مثل الأبريق، وآنية الطهى والغسيل، لأنه كان رخيصًا فكان سعر كيلو النحاس 3 جنيهات، أما الآن فأصبح 200 جنيه، وبعد ارتفاع سعره بدأ يقل وجوده فى البيوت باستثناء بيوت معينة».

 وعن بدايات هذا الفن يقول «شوشة»: «بدأ الحفر على الجدران منذ أيام الفراعنة، وكذلك فى العصر الإسلامى كانت هناك زخارف إسلامية على الحوائط وفى المساجد، ثم بدأ ينتقل هذا الفن إلى النحاس على الأطباق والصوانى، فمعظم شغلنا مستوحى من الجدران والأبواب والأسقف وما عليها من زخارف سواء فرعونية أو إسلامية، وهناك 4 أنواع من النقش: العربى الإسلامى، الفرعونى، الروباسيه (البارز)، التكفيف (المطعم نحاس مع فضة ونحاس أحمر)».

أما النحاس المستخدم فى هذا الفن، فيقول «شوشة»: «كان زمان هناك نحاس مصرى، فقد كانت شركة المعادن المصرية تقوم بتسييح النحاس وإعادة تصنيعه مرة أخرى، وبالرغم من أن فيه شوائب ولكن مع النقش تختفى، أما الآن اختفى النحاس المصرى وأصبح الشغل كله بالمستورد».

وتمر عملية النقش بعدة مراحل، كما يوضح «شوشة»، المرحلة الأولى هى التفصيل بالبرجل والمسطرة الحديد والقلم الرصاص، فيتم تفصيل الشكل المطلوب سواء نجمة أو زخارف إسلامية أو فرعونية، ويمكن إدخال اسم معين على الرسمة، حسب طلب الزبون، ثم مرحلة الشق وهى شق الخطوط المرسومة، التى تعطى لمعة للخطوط، ثم استخدام قلم الجوارسة أو قلم المقطع أو قلم التنحيت، وهناك صينية

يستخدم فيها قلمان أو 2 أو 3 أقلام وكلما زادت مجموعة الأقلام فى النقش كان أغلى.

ويستطرد «شوشة»: «ثم تذهب للخراط ليتم قصها على المخرطة حسب الشكل المطلوب سواء طبق أو صينية أو غيرهما، ثم تأتى مرحلة التلميع ويمكن أن تظل صفراء، أو تدخل مرحلة أخيرة وهى التلوين بثلاثة ألوان (أوكسيديه – برونز أبيض – برونز أصفر) حتى تظهر الشغل المطلوب بعكس أن يكون اللون أصفر خالصاً».

ويوضح: «يعتبر الطبق أو الصينية أسهل أنواع الشغل، وهناك أنواع أخرى من النقش أصعب نوعاً ما مثل علبة المناديل أو أطقم الشاى أو علب المصحف، فهذه الأنواع تدخل مراحل أخرى مثل القص واللحام والقطع فتحتاج إلى وقت أكبر».

ويؤكد جمال شوشة أن هناك مجالات وتخصصات كثيرة فى نقش النحاس، وهناك ورش متعددة، كل ورشة متخصصة فى نوع معين من النحاس، فهناك ورش تصنع فوانيس وورش لشغل الفنادق والديكورات والنجف، والمطاعم الكبرى، هذا غير مجالنا المتخصص فى أطقم الشاى، والفازات، والأباريق، كما يوجد تخصصات فى الورشة الواحدة، فهناك من يلوّن، ويطلى، ويلمع، وهناك النقّاش والخرّاط واللحام».

وعن ارتباط المهنة برمضان يقول «شوشة» إنها تستخدم فى صناعة الفوانيس النحاس للمطاعم الكبيرة والفنادق والمحلات.

وتواجه حرفة النقش على النحاس مشكلات عدة، كما يؤكد «شوشة»، أهمها ارتفاع أسعار الخامات، مما يضطر الفنان أن يقلل من جودة المنتج والمصنعية، فيبحث عن خامة أخف حتى يكون السعر معقولاً، ويتمنى أن ترجع صناعة النحاس كما كانت، وأن تعود شركة المعادن المصرية ومصنع العامرية بالإسكندرية لإعادة صناعة ودرفلة النحاس.

وهناك مشكلة أخرى «أننا هنا فى مصر ليس لدينا تطور فى هذه الصناعة، فنحن نعمل كما كان يعمل أجدادنا دون أى تطوير، غير الهند وباكستان فقد استطاعوا تطوير المهنة، وهنا نعتمد على الورش الصغيرة وليس هناك مصانع كبيرة تهتم بهذه الحرفة، فإننا لنا منافسون كثر على مستوى العالم، أولهم إيران ثم تركيا وسوريا والهند وباكستان».

ويشير جمال شوشة إلى أن المهنة كانت على وشك الانقراض بعد ثورة يناير، ولكن بدأت تزدهر مرة أخرى، لكن «ما أحزننى أن الصاج بدأ يُستخدم بدلاً من النحاس بعد ارتفاع سعره، فقد بدأت ورش كثيرة تستخدم الصاج وتركت النحاس وهذا يؤثر على الحرفة، فقِطَع النحاس تعيش وتتوارثها الأجيال ويمكن إصلاحها، عكس الصاج».

ويختتم «شوشة» حديثه: «بدأت المهنة تعود إلى سابق عهدها بعد عودة السياح، وخصوصًا العرب؛ لأن العربى حريص على شراء كميات كبيرة من القطع النحاسية لإهدائها لأقاربه وأصدقائه عندما يعود إلى بلده».