رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكايات من تاريخ الظلم.. الشعر طريق للفتك بالخصوم

بوابة الوفد الإلكترونية

 

مصطفى عبيد

كم بيت شعر قتل صاحبه، وكم بيت قتل غيره! وقائع وتراجم الشعراء تحكى لنا الكثير فى هذا الشأن، غير أنه لم يحدث أبداً قبل هذا أن تسبب القليل من الشعر فى ذبح المئات.

يروى لنا أبوالفرج الأصفهانى تلك الواقعة الدالة على غدر خلفاء عظام قدموا أنفسهم للناس باعتبارهم ظل الله على الأرض.

بعد أن تثبتت دعائم دولة بنى عباس وتيقن الخليفة أبوالعباس السفاح من سقوط دولة بنى أمية إلى الأبد قرر أن يعفو عن فلولهم، بل ويدعوهم إلى الجلوس فى مجلسه وتناول الطعام معه. وفى يومٍ ما كان العباس جالساً على سريره، وبنو هاشم على الكراسى، ومعهم بقايا البيت الأموى يجلسون على الوسائد. ودخل الحاجب فقال للخليفة إن هناك رجلاً ملثماً بالباب يستأذن فى الدخول، فأذن له، ودخل شاعرٌ يقال له سديف، وأنشد قصيدة طويلة فى مدح الخليفة.

واقتربت القصيدة من نهايتها، غير أنها حملت تحريضاً عنيفاً ضد الأمويين، حيث قال الشاعر: «لا تقيلن عبدشمس عثارا/ واقطعن كل رقلة وغراسِ/ اقصهم أيها الخليفة واحسم/ عنك بالسيف شأفة الأرجاسِ/ واذكرن مصرع الحسين وزيدا/ وقتيلا بجانب المهراسِ».

وتغيّر وجه أبى العباس، فنظر بعض أولاد سليمان بن عبدالملك إلى بعضهم وقال قائل منهم: قتلنا الشاعر والله. ونادى الخليفة رجاله وأمرهم بقتل جميع الحاضرين من بنى أمية، فقتلوا جميعاً عدا عبدالعزيز بن عمر بن عبدالعزيز، الذى استجار بأحد قادة الخليفة وهو داوود بن على فطلب من الخليفة أن يهبه له، ففعل.

وفى مرة أخرى جلس سليمان بن هشام بن عبدالملك أمام الخليفة، فدخل شاعر فأُنشد الخليفة شعرا يقول فيه:

«لا يغرنك ما ترى من أناس

/ إن تحت الضلوع داء دويا. فضع السيف وارفع السوط حتى. لا ترى فوق ظهرها أموياً».

وانفعل الخليفة مع الشعر وأمر بقطع رقبة الضيف أمامه ثُم استكمل طعامه وهو يقول إن ذلك الطعام هو أشهى ما ذاقه فى حياته.

ويبدو أن الخليفة أبوالعباس كان يُدبر الواقعة لتمضى بذلك السيناريو وأنه كان يضمر الفتك بكل أموى بغض النظر عن تأمينه أو منحه عهداً. ومن المنطقى أن نتصور ونحن نقرأ تلك الوقائع أن دخول الشاعر إلى مجلس الخليفة فى المرتين لم يكن عفوياً وإنما مرتباً، خاصة أن هؤلاء الجبابرة لم يكونوا ليسمحوا لعابر سبيل فى الدخول عليهم. وفى الغالب فإن الخليفة كان يريد تبريراً للفتك ببقايا الأمويين فى مجلسه أمام بعض رجال دولته ممن يحترمون عهود الأمان.

وسيموت أبوالعباس السفاح فى ريعان شبابه قبل أن يتم عامه الثانى والثلاثين بعد أربع سنوات من الحُكم سفح فيها دماء عظيمة، وقدم أمثلة ونماذج فى الغدر وتدنى الأخلاق ظلت لصيقة بالسلطة جيلاً بعد آخر، ووصلت إلى حد التخلص من أبناء الدعوة أنفسهم وقتل المناصرين الأقوياء.

 

 

[email protected]