الجامع الكبير .. النَّبِيُّ رَحْمَةٌ وَهِدَايَةٌ لِلْعَالَمِينَ
د. محمد سعيد رسلان
أَرْسَلَ اللهُ نَبِيَّهُ لِلنَّاسِ جَمِيعًا، قال الله -جَلَّ وَعَلَا-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (سبأ: 28).
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ إِلَّا فِي حَالِ كَوْنِكَ مُرْسَلًا لِلنَّاسِ جَمِيعًا، حَالَةَ كَوْنِكَ مَعَ تَبْلِيغِكَ رِسَالَةِ رَبِّكَ بَشِيرًا لِمَنْ آمَنَ بِالسَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ الْخَالِدَةِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ يَوْمَ الدِّينِ، مَعَ أَنْوَاعِ ثَوَابٍ مُعَجَّلٍ فِي الدُّنْيَا.
وَنَذِيرًا لِمَنْ كَفَرَ وَأَعْرَضَ عَنْ الِاسْتِجَابَةِ بِالشَّقَاءِ الْأَبَدِيِّ بِعَذَابٍ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الدِّينِ، مَعَ أَنْوَاعِ عِقَابٍ مُعَجَّلٍ فِي الدُّنْيَا، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ صِدْقَكَ وَلَا عُمُومَ رِسَالَتِكَ، وَلَا يَعْلَمُونَ حَقَائِقَ الدِّينِ الَّذِي تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ لِئَلَّا يَصْرِفَهُمْ هَذَا الْعِلْمُ عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ تَحْقِيقِ أَهْوَائِهِمْ وَتَحْصِيلِ شَهَوَاتِهِمْ وَمَطَالِبِهْمِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الْعَاجِلَةِ.
أَرْسَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- نَبِيَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ بِدَعْوَتِهِمْ إِلَى التَّوْحِيدِ، قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: 107).
وَمَا اصْطَفَيْنَاكَ نَبِيًّا يُوحَى إِلَيْهِ، وَمَا اخْتَرْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ رَسُولًا لِلْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَخَاتَمًا لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ؛ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، بِسَبَبِ حِرْصِكَ الشَّدِيدِ عَلَى إِنْقَاذِهِمْ مِنْ شَقَاءِ الدُّنْيَا، وَعَذَابِ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعَلَى أَنْ يَظْفَرُوا بِالنَّعِيمِ الْأَبَدِيِّ الْخَالِدِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ.
وَهُوَ _ رَحْمَةٌ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ يَحْمَلُ لَهُمْ وَيُبَلِّغُهُمْ أَعْظَمَ دِينٍ إِذَا اتَّبَعُوهُ وَعَمِلُوا بِمَا فِيهِ؛ يُنْجِيهِمْ مِنْ شَقَاءِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ، وَيُظْفِرُهُمْ بِالسَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ
وَقَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} (الأنبياء: 108)
قُلْ يَا رَسُولَ اللهِ لِمَنْ تُبَلِّغُهُمْ دِينَ اللهِ: إِنَّ الَّذِي يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي الَّذِي بَعَثَنِي رَسُولًا لِلْعَالَمِينَ هُوَ: مَا إِلَهَكُمُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ، وَأَنْتُمْ جَمِيعًا مَدْعُوُّونَ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْقَادُونَ لِمَا يُوحَى إِلَيَّ بِإِخْلَاصِ التَّوْحِيدِ وَالِاسْتِسْلَامِ للهِ سُبْحَانَهُ، فَتَعْبُدُونَهُ وَحْدَهُ وَلَا تُشْرِكُونَ بِهِ
النَّبِيُّ _ جَاءَ بِالرِّسَالَةِ الْخَاتِمَةِ فِيهَا النُّورُ وَالْهُدَى، وَفِيهَا الْعَفَافُ وَالْعِفَّةُ، وَكَانَ النَّاسُ قَبْلَ ذَلِكَ كَالْحُمُرِ يَتَسَافَدُونَ، تَخْتَلِطُ أَنْسَابُهُمْ، وَلَا يُرَاعُونَ فِي أَحَدٍ عِرْضًا وَلَا حُرْمَةً، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ الضَّعِيفَ، يَأْكُلُونَ الْمَيْتَةَ، وَيَئِدُونَ الْبَنَاتِ، وَيَجُورُونَ وَيَظْلِمُونَ.
وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّهُمْ كَانُوا بِاللهِ يَكْفُرُونَ، وَكَانُوا بِالْإِلَهِ الْحَقِّ يُشْرِكُونَ، فَأَخْرَجَهُمُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنْ هَذِهِ الظُّلُمَاتِ الْمُتَكَاثِفَاتِ كُلِّهَا بِمَقْدَمِ الرَّسُولِ.
نَبيُّنَا مُحَمَّدٌ مِنْ هَاشِمِ
إِلَى الذَّبِيحِ دُونَ شَكٍّ يَنْتَمِي
أَرْسلَهُ اللهُ إِلَيْنَا مُرْشِدَا
وَرَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَهُدَى