الديمقراطية فى الإسلام..«4» الشورى سلوك حضارى

بهاءالدين أبوشقة

مازال الحديث مستمراً عن مبدأ الشورى، والإسلام حين قرر هذ المبدأ، إنما يعنى القضاء على الاستبداد بالحكم والرأى واحتكار الإدارة، وبذلك يحقق للفرد كرامته الفكرية وللجماعة حقها فى تدبير شئونها، وهى صفة من الصفات المميزة للأمة الإسلامية ولذلك قال «والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم، ومما رزقناهم ينفقون».

وعلى ذلك تكون الشورى فريضة إسلامية على الحاكمين والمحكومين، وكانت الشورى سلوكاً واضحاً من النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

وليس معنى ذلك أن يتم الأخذ برأى أهل المشورة، ويروى لنا التاريخ أن أبابكر الصديق رضى الله عنه لم يأخذ برأى الجماعة فى أمرين.

الأول: ما يتعلق بحرب المرتدين، فقد طلب أصحاب أبوبكر، عدم قتال أهل الردة، وأصر الصديق على حربهم، ونفذ ما صمم عليه، ولم يحتج عليه أحد رغم مخالفة رأيهم.

والثاني: ويتعلق بشأن قيادة أسامة بن زيد للجيش رغم صغر سنه، وكان الرسول «صلى الله عليه وسلم» قد أعد جيشاً بقيادة أسامة، ولما توفى، رفض الصحابة أن يستمر أسامة فى قيادة الجيش، لكن أبابكر أصر على استمرار قيادة أسامة، والسر فى ذلك أن أبابكر فى المسألة الأولى استند إلى أصل شرعى، لأنها ليست اجتهاداً حتى يغلب رأى الجماعة، فهو القائل «والله لو منعوني عقال بعير

كانوا يعطونه لرسول الله صلى الله وعليه وسلم لحاربتهم عليه». وهؤلاء كانوا يرفضون أداء الزكاة، وهى ركن من أركان الإسلام. أما المسألة الثانية: فقد كانت تنفيذاً لوصية الرسول «صلى الله عليه وسلم» باختيار أسامة لقيادة الجيش وكان يقول وهو على فراش الموت «أنفذوا بعث أسامة».

والأهداف التى ترمى لها الشورى هى توطيد دعائم الإيمان، وتبادل الرأى فى غير إلزام، ويدخل فى المشورة النصيحة والاستشارة العلمية، وهى نظرية عامة يقوم عليها النظام، وتدرب الأفراد والجماعات على تبادل الرأى بحرية كاملة واحترام متبادل، وكما قلنا من قبل هى مبدأ إنسانى واجتماعى وأخلاقى، وهى بمثابة قاعدة دستورية لنظام الحكم، ونطاق تطبيقها واسع وشامل، كما أن ارتباط الشورى بالشريعة يجعلها خاضعة لمبادئها الأخلاقية.. والمتتبع للحضارة الإسلامية يجد أن الشورى كانت السبب فى قوة هذه الحضارة وتماسكها.

«وللحديث بقية»