الشيخ حمدى الزامل.. صوت الفلاح المثقف الموهوب
يعد الشيخ حمدى الزامل أحد عباقرة التلاوة فى الزمن الجميل، لما منحه الله عز وجل من صوت اخترق آذان المستمعين بعذوبة واقتدار، لم تخطئه العين، وهو يرتل آيات الذكر الحكيم، صوته شبهه القارئ الشيخ فتحى المليجى بقرص من العسل لحلاوته، كما لقب «بالقارئ المعجزة» و«العملاق» و«القاطرة البشرية» لقوة صوته، وكان الشيخ الزامل يباهى بانتمائه لمدرسة العلم القرآنى الشيخ مصطفى إسماعيل حتى آخر نفس فى حياته، وعندما فاضت روحه إلى بارئها لم يكن من محبيه إلا أن انهالوا على بلده بالدقهلية كأمواج البحر ليودعوه إلى مثواه الأخير، حباً وتقديراً لهذا القارئ المتميز، بعد أن ملأ صوته الدنيا عذوبة بأرقى كلام وهو القرآن الكريم، حتى إنه وإن كان قد بدأ مقلداً للشيخ مصطفى إسماعيل رحمه الله، إلا أنه استطاع أن يجعل لنفسه مدرسة مستقلة فى دولة التلاوة وعالم القراء، فلم يكن «الزامل» مجرد قارئ للقرآن فحسب، بل كان يتخلق بأخلاق القرآن فكان أعظم سفير لحملة كتاب الله العظيم.
ولد الشيخ حمدى محمود الزامل فى يوم 22 ديسمبر عام 1929 بقرية منية محلة دمنة التابعة لمركز المنصورة بمحافظة الدقهلية وحفظ القرآن الكريم فى سن مبكرة فى كتاب القرية على يد الشيخ مصطفى إبراهيم، وبعد أن أتم حفظه جوده وهو فى العاشرة من عمره على يد الشيخ عوف بحبح قبل أن يرسله والده إلى المعهد الدينى الأزهرى بالزقازيق، وهناك فى ذلك المعهد العريق بدأت موهبته تخطو خطواتها الأولى حتى كان حينما يقرأ يبهر الطلاب والمسئولين فى المعهد، ليقفوا يستمعون إليه فى خشوع تام، ولذلك لما رأى شيوخ المعهد هذه الموهبة التى تفجرت لدى «الزامل» بدأوا يتعهدون بالرعاية، خاصة الشيخ «بحبح» الذى تعهده وقدمه إلى إحياء الليالى والمآتم، حتى ذاع صوته وبدأ يشارك كبار القراء ومشاهيرهم فى إحياء الليالى القرآنية، وفى عام 1960 كان الشيخ مصطفى إسماعيل يقرأ فى أحد المآتم لكبار الأعيان بالمنصورة عندما تعرف على الشيخ حمدى الزامل، وأثنى عليه كثيراً باعتباره موهبة قرآنية كبيرة، ولهذا كان طموح الشيخ «الزامل» هو أن يتفوق على أقرانه ومشاهير القراء فى الدقهلية وغيرها من محافظات الوجه البحرى وقتها، وبالرغم أن الشيخ الزامل لم يكن درس الموسيقى ولا المقامات الموسيقية لكنه بقراءته حظى على ثقة وتقدير واحترام كبار السميعة والموسيقيين من خلال روعة صوته والتزامه بأحكام التلاوة وفهمه العميق لآى الذكر الحكيم وقدرته على الانتقال من مقام إلى آخر عن جدارة وتمكن واقتدار.
وعلى الرغم من أن الشيخ حمدى الزامل كان يشارك فى إحياء الليإلى والمناسبات الدينية منذ منتصف الأربعينيات من عمره، إلا أن صوته العذب لم يبدأ يطرق آذان المستمعين عبر أثير الإذاعة إلا فى عام 1976 وعلى ما يقارب الست سنوات فقط، كان يتلو فيها القرآن وكأنه بلبل صداح أو أتى مزماراً من مزامير آل داوود، وقد ارتبط اعتماده برحيل كوكب الشرق أم كلثوم فى 3 فبراير عام 1975 عندما دعاه أحد كبار أعيان الدقهلية للمشاركة فى مأتمها وليلتها تجلى الإعجاز القرآنى من خلال صوته الساحر المهيب وانبهر الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب بشخصيته القرآنية وطالبه بأن يتقدم لاختبارات الإذاعة فوراً، وبالفعل لم يمر عام 1975 حتى تقدم الشيخ حمدى الزامل لاختبارات إذاعة القرآن الكريم، ووقف أمام لجنة القراء بالإذاعة، ليتم اعتماده قارئاً إذاعياً عام 1976 وعقب اعتماده قارئاً بالإذاعة استضافت الإعلامية الكبيرة آمال فهمى الشيخ
رحم الله القارئ الإذاعى الكبير الشيخ حمدى الزامل الذى رحل منذ أكثر من ثلاثين عاماً، إلا أنه ما زال يصدح بصوته العذب الذى ملأ الدنيا من شرقها لغربها ومن شمالها لجنوبها، من خلال تسجيلاته النادرة التى تقدمها شبكة القرآن الكريم ومواقع الانترنت.