أصوات من الجنة.. محمد عبدالعزيز حصان "القارئ الفقيه"
كان صاحب مدرسة قرآنية فريدة أسست قواعدها على الطريقة المصطفاوية نسبة للشيخ مصطفى إسماعيل القارئ الشهير، لكنها كانت مدرسة مؤسسة على تلك القواعد إلا أنها مستقلة بكل ما تحمله من معان.
اجتمع القراء والسميعة على أن مدرسة الشيخ محمد عبدالعزيز حصان لا تتميز بأداء معجز فحسب، بل ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالصوت المبدع والعبقرى الذى جمع بين الجمال والخشوع والالتزام إلى جانب إخلاصه الشديد لكتاب الله وأحكام تلاوته، لكن البعض رأى أن مدرسة الشيخ حصان كانت محدودة الانتشار رغم أنه كان قارئاً بالإذاعة منذ منتصف الستينيات، أى أنه عمل قارئاً لما يقارب من الثلث قرن، أو ما يزيد، والسبب أنه كان يقيم بالغربية ولا يغادرها إلا قليلاً، ولهذا ابتعد عن دائرة الضوء فى القاهرة، الأمر الذى يفسر انتشار صوته وشهرته خلال الأثير خارج حدود مصر، خاصة فى دول الخليج العربى، بينما ظلت شهرته مقصورة فى مصر عند الغربية والوجه البحرى، وقد اشتكى البعض من السميعة من عدم توافر تسجيلات صوتية للشيخ «حصان» وهذا مخالف للحقيقة، لأن تسجيلاته موجودة فعلاً وفى حالة جيدة، يحتفظ بها ابنه الأكبر سواء تلك التسجيلات الإذاعية منها أو التسجيلات الحية.
ولد الشيخ محمد عبدالعزيز حصان فى يوم 28 أغسطس عام 1928 فى قرية «الفرستق» بمركز كفر الزيات بمحافظة الغربية، تلك المحافظة التى خرج منها معظم عباقرة التلاوة وفى رحاب المسجد الأحمدى تلقوا القرآن وساروا فى رحابه، حاملين بين جنبات صدورهم أعظم كلام وهو كلام الله عز وجل، لينشروه عبر أثير موجات الإذاعة إلى شتى بقاع العالم، مستظلين بهديه عارفين لأحكامه، وقد حفظ الشيخ «حصان» القرآن الكريم فى سن السابعة من عمره، وبالرغم من فقدانه البصر، لكن ذهنه كان متفرغاً لشىء واحد وهبه كل حياته وهو حفظ كتاب الله عز وجل ـ وبدأت علامات الزكاة والنبوغ والتفوق تظهر على وجهه، والتحق بكتاب القرية المجاورة «قسطا» على يد الشيخ عرفة الرشيدى الذى حفظه القرآن الكريم، وكان يذهب «حصان» يومياً مع والده للكتاب سيراً على الأقدام، يقول الشيح حصان عن نفسه فى كتاب «أصوات من السماء» لأننى كنت فاقداً البصر لقبنى الناس بالشيخ محمد رغم صغر سنى، فكنت أشعر بالفخر والاعتزاز بالنفس والوقار والرجولة المبكرة، وأنا فى الخامسة من عمرى، وكان الناس يحترموننى وينظرون لى نظرة تقدير وإعزاز، مما دفعنى لحفظ القرآن، وأدركت أننى لا أساوى شيئاً دون حفظى لكتاب الله، وقد ساعدنى كل ذلك وشد من أزرى وقويت عزيمتى وإرادتى على حفظ كتاب الله فى فترة وجيزة، قبل أن أكمل السنة السابعة من عمرى.
ليس ثمة شك أن وجود علمين من أعلام التلاوة مثل «الحصرى» و«الشيخ مصطفى إسماعيل» فى المنطقة التى نشأ فيها الشيخ «حصان» كان له بالغ الأثر فى حياته، فقد بدأ مقلداً للشيخ مصطفى إسماعيل وتعلق به وبطريقة أدائه حتى إنه كان شغوفاً لسماعه.
لم يكن الشيخ «حصان» يتوقف عند حد معين، وطموحه كان كبيراً، وكان متفائلاً لا يعرف اليأس إليه طريقاً، فقد تعلم القراءات السبع وحفظ الشاطبية جنباً إلى جنب مع حرصه على مراجعة القرآن على يد الشيخ عرفة الرشيدى شيخ الكتاب الذى انبهر لصوته وتحمس له إلى آخر حد، فأحبه وقربه إليه وعلم أحكام التلاوة، ليس هذا فحسب، بل حرص على تقديمه فى الاحتفالات الدينية وغيرها حتى ذاع صيته وانتشر ليصبح ثالث أشهر قارئ للقرآن الكريم بمحافظة الغربية بعد الشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ الحصرى لتفرده بعدة مميزات أهلته لأن يكون صاحب مدرسة فى فن تلاوة القرآن وحسن الأداء وجماله وعذوبة صوته، ليلتحق كثير من القراء غير الإذاعيين بمدرسته، وقليل من الإذاعيين حاولوا الاستعانة ببعض وقفه الذى تميز بأدائه.
نافس الشيخ «حصان» عدداً من مشاهير القراء مثل المرحوم الشيخ راغب مصطفى غلوش والشيخ حمدى الزامل والشيخ سعيد عبدالصمد الزناتى، وغيرهم من الكبار وكلهم كانوا أصحاب مدارس لا يستهان بها، ومع هذا انتشر صيت الشيخ عبدالعزيز حصان. واتسعت قاعدته الجماهيرية، بسبب موهبته التى لا تعرف حدوداً ولا مسافات لا تعوقها مثل هذه المنافسات الشريفة بين أعلام التلاوة، وكان طبيعياً أن تتسع دائرة العطاء القرآنى