عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

إنسانية محمد بلال

تأخرت في عودتي إلي منزلي الأحد الماضي وكانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة أمام مستشفي الكهرباء في طريقي إلي التجمع الأول من القاهرة الجديدة وإذ بفردة كاوتش تضرب فوضعت السيارة بجوار الرصيف ونزلت وبيدي مفتاح الشنطة الخلفية لإخراج الكريك والعجلة الاستبن ووقفت أمام السيارة لا أدري ماذا أفعل فتغيير العجلة عملية مجهدة قلبياً، فحاولت أن أتصل بأحد الأصدقاء لمعاونتي في هذا الموقف وإذ بسيارة أمام سيارتي ونزل منها إنسان وتقدم مني بعد أن سلم علي وطلب أن أعطيه المفتاح ولما تباطأت في إعطائه المفتاح أخذه من يدي وذهب وفتح الشنطة وأخرج منها ما يلزم لرفع السيارة واستبدال العجلة وشرع في ذلك وأنا أقف لا أدري ماذا أفعل.. لم يكن لديه قوة الشباب ولكن له قوة المثابرة في استخدام كوريك غير معتاد علي استعماله.. وقفت بجواره فطلب مني أن أستريح بالسيارة فشكرته.. وفضلت أن أقف بجواره وفي نظرة عاجلة إلي سيارته وجدت بها سيدتين إحداهما تجلس علي كرسي القيادة. استطاع أن يغير العجلة في نصف الساعة ووضع الملحقات بالشنطة وقفلها وأعطاني المفتاح فقلت له: أرجو ألا أكون قد أزعجت السيدتين. فرد: ما عليك هما زوجتي التي تقود السيارة وابنتي فطلبت منه الإذن أن أذهب لأشكرهما فقال: تفضل وبالمناسبة يشرفني أن أعرف اسمك، فقال: أنا محمد أبو العينين بلال.. تقدمت إلي السيدة الجالسة علي مقعد القيادة فوجدتها سيدة منتقبة وضاعت الكلمات من ذهني.. يا نهار أبيض!! حقول لها إيه وإزاي وهل ما سأقوله سيكون مناسباً؟ وبعد أن تمالكت شعوري قلت لها: يا أختاة أردت أن أشكرك وزوجك وابنتك بارك الله فيكم فأنت لا تعرفين مقدار الامتنان لما فعله زوجك بي راجياً أن يساعدني الله أن أرد لكم هذا الجميل يوماً ما ثم أعطيته بطاقة تعارف إذا ما احتاج لي يوماً لأرد له هذا الجميل (تمهل القصة لم تنته بعد) وعدت إلي السيارة ولكن بسبب ما لم أستطع أن أدير الموتور ولما شعر بذلك عاد إلي مرة أخري وحاول أن يديره فلم يوفق ولاحظ مرور شابين فطلب منهما زق السيارة وبعد عدة أمتار دار الموتور فنزل الرجل وقال لي: أنت ساكن فين فشرحت له، فرد: أنا رايح مدينة نصر سأسير خلفك حتي أوصلك لدارك فشكرته ولم أرغب أن أحمله المزيد من المتاعب.. وفعلاً وصلت إلي داري سالماً لأجد زوجتي في حالة رعب وهي تحاول أن تتصل بي علي المحمول الذي لم أسمع صوته مما زاد من رعبها.

ولك يا أخي أن تتصور ما سوف تقوله زوجة عاد إليها زوجها سالماً في الظروف الأمنية الحالية (تمهل فالقصة لم تنته

بعد) وبعد أن اطمأنت زوجتي قالت: ربنا بعتلك هذا الرجل وبعدها بلحظات وإذا بجرس المحمول يرن وبصوت الأخ محمد بلال ليطمئن علي وصولي سالماً!!

محمد بلال موظف سابق بوزارة الصناعة ويعمل حالياً بإحدي الشركات وزوجته تعمل مأمورة ضرائب وابنته طالبة بالثانوية العامة ولم تكن منتقبة.. والأخ بلال في منتصف الليل يقدم علي إغاثة إنسان لا يعرف اسمه أو هويته ولا عقيدته، فقلت في نفسي لو كان محمد بلال عرف أني لست مسلماً هل كان سيقبل راضياً علي إغاثتي ونحن في ظروف الفتنة المهببة التي نعيشها؟.. وفي اليوم التالي اتصلت به لأحصل علي إذنه في كتابة هذا الحدث في عمودي فكان رده لا داعي لذلك فقد قمت بما يمليه عليَّ ضميري فكان ردي: دعني أختلف معك فإن هذه الحادثة لها أكثر من دلالة ويحتاج الأمر اليوم بالذات إلي إبرازها.. إن من أهم الدلالات هي ما نال من نفسي من تغير.. فقد وضعت كل المتدينين والمتشددين أقباطاً ومسلمين في سلة واحدة فكل حواراتي مع كل منهما لم أصبه بنجاح كبير فكان علي أن أخاطب المسلم من خلال القرآن الكريم وأجادل القبطي من خلال الكتاب المقدس وكان هذا أمراً أكبر من جهودي المحدودة.. ثم يأتي أخي محمد بلال ليصحح لي ما غلق عليه مفهومي وهو إن الإنسانية الكونية علي أساس أننا جميعاً أولاد الله هو الإطار السامي الإلهي في التعامل مع البشر ليعيشوا في محبة وسلام.. افرح للسعداء وأواسي المتعبين واسأل عن المرضي وأمسح دمعة طفل أي أكون إنساناً قبل أن أكون متديناً متظاهراً فالله يعلم ما في القلوب.

أخي محمد بلال بارك الله فيك وفي عائلتك وكن مثالاً لمصر كلها فما أحوجنا اليوم إلي هذا القدر من الإنسانية.

*عضو الهيئة العليا