عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أسرار صراع الإسلاميين والشيوعيين علي جامعات مصر


هكذا غني الشيخ امام  من كلمات الفاجومي معبرا عن نضال الطلبة في السبعينيات ففي البدء كان الطلبة جموح البراءة . شعلة التغيير ... وجذوة التحرر ووقود الثورات لا يمكن استثناؤهم من اي اصلاح سياسي، او تحديث مجتمعي .. ولا يمكن اختزالهم في مجموعات من المصفقين و»الهتيفة«.

في الصين ناضلوا من أجل التغيير، وفي ايران أشعلوا الثورة ، وفي صربيا أسقطوا الحكم المستبد ، وفي افغانستان استولوا علي السطة، لذا  فإن أي وثائق تؤرخ لنضال وكفاح الطلبة في مواجهة السلطة تكتسب أهمية كبيرة، خاصة في ظل ندرة الدراسات المعنية بالحركة الطلابية في مصر.

ومن هنا فإن كتاب وائل عثمان أحد مؤسسي جماعة "شباب الاسلام " في كلية الهندسة جامعة القاهرة عن "أسرار الحركة الطلابية (1968-1975) لا يمكن أن يمر مرور الكرام.

لقد انجبت لنا جامعات مصر خلال السبعينيات من القرن الفائت أسماء لامعة في مختلف التيارات مثل عصام العريان ، حمدين صباحي ، احمد عبد الله، عبد المنعم أبو الفتوح ، سامح عاشور ، هشام السلاموني ، سهام ذهني ، كمال خليل وأبو العلا ماضي، ولاشك أن هذه الاسماء لعبت دورا رائعا في تشكيل وتطوير الوعي السياسي خلال عهدي عبد الناصر والسادات، وإذا كانت معظم التيارات السياسية ، وكوادرها قد رسمت تاريخها فإن بعض التيارات انطوت وخفتت واندثرت نتيجة أحداث عديدة، وبفعل خلافات أصحابها ومن بينها جماعة "شباب الاسلام " وهي بالمناسبة أول جماعة اسلامية يتم تأسيسها في جامعة القاهرة خلال السبعينيات.

لقد نشر المهندس وائل عثمان كتابه عن »أسرار الحركة الطلابية« فور تخرجه عام 1976، إلا أن أخطاء كثير من الباحثين والمؤرخين للحركة الطلابية دفعته الي اعادة طبع كتابه مؤخرا مع اضافة بعض التوضيحات والتعليقات في محاولة منه لإزالة الغبش الذي علق بجماعة "شباب الاسلام " والتي اتهمت بالعمالة للعقيد معمر القذافي تارة ، وللسعودية تارة اخري ، ثم للمباحث والجهات الامنية في كثير من المواضع والدراسات.

إن وائل عثمان قضي سبع سنوات داخل الجامعة  وعايش مظاهرات الطلبة المطالبة بمحاكمة قادة الطيران المصري بعد النكسة عام 1968 ثم شارك في مظاهرات المطالبة بتحرير سيناء عام 1972، وزامل قادة الطلبة من الناصريين والشيوعيين والاسلاميين ، وتابع تحولات الدولة من الاشتراكية الي "استخدام الدين لضرب اليسار " والتقي بالساسة ونشطاء الطلبة واتفق واختلف وتحاور وتصارع، ثم خرج من الجامعة الي الحياة العملية معتزلا السياسة ويائسا من التغيير.

إن الشاهد يخبرني في مقدمة كتابه أنه لم يندم علي وقت ضاع حاول فيه إحياء الضمائر الميتة، وأنه لن ينسي هذه الايام "الحلوة " العصيبة، وهو يحاول بما كتب أن يكشف للناس ما خفي عنهم حول الحركة الطلابية وحقيقتها وأسرار كوادرها وأفكارهم.

غضب الطلبة

في يونيه 1967 فاجآتنا الهزيمة كزلزال مفزع لا يتوقعه أحد، فتح الناس أعينهم صباح 6 يونيه علي جيش مقهور وطيران محطم وقادة عابثين غير جديرين بالمسئولية، بكي الناس واسودت السماء وأعاد المثقفون حساباتهم وراجع المتحمسون لعبد الناصر  أفكارهم، وقتها ولدت الحركة الطلابية من جديد ،وساد غضب شديد لدي طلبة الجامعة تجاه السلطة المستبدة ودولة المخابرات كما كانوا يسمونها، في 24 فبراير عام 1968 اندلعت مظاهرات الطلبة بجامعة القاهرة ضد الظلم والجبروت وبدأ التحرك من كلية الحقوق وانضم طلبة الهندسة اليهم ووصلت الجموع حتي مجلس الامة واختاروا من بينهم أحد الطلاب ليتحدث الي أنور السادات  رئيس المجلس عارضاً مطالب الطلبة، وكان أولها عدم القبض عليهم ورد السادات مقسما بشرفه أنه لا المباحث ولا المخابرات ستتعرض لهم ، وفي الليل كانت سيارات المباحث تقود الجميع الي سجن القلعة.

وكرد فعل علي اعتقال الطلبة المتظاهرين نظم باقي الطلبة ومنهم وائل عثمان  اعتصاما مفتوحا للافراج عن زملائهم  وانقلبت الدنيا ولم تعد .. تجمعت قوات الامن ، واستخدمت مياه المطافئ في تفريق المعتصمين ، وخرج الطلاب الي الشارع والتقوا بالمارة ووزعوا منشوراتهم وبياناتهم المطالبة بالحرية وكانت أبرز المطالب التي حواها بيان طلبة هندسة القاهرة في ذلك اليوم : ان يتم الافراج عن المعتقلين ، وفتح حرية الرأي وابعاد المخابرات والمباحث عن الجامعات ويلحظ وائل عثمان أن اعادة محاكمة قادة الطيران كان المطلب السابع وهو ما يعني أن ذلك لم يكن الهدف الرئيسي من تحرك الطلبة كما ادعت وسائل الاعلام في ذلك الوقت، وقد انتهت الاحداث بإغلاق الجامعة وتعطيل الدراسة.

تشويه الحركة

ويتذكر صاحب الشهادة كيف وقف عبد الناصر يخطب في 3 مارس 1968 لتشويه حركة الطلبة مدعياً ان قوي الرجعية حركتها واستغلتها لضرب الثورة، ويذكر "عثمان " أن كثيراً ممن شاركوا في الحركة تمت استمالتهم واحتضانهم بواسطة أجهزة الدولة ليساندوها، وكان من بين هؤلاء رئيس اتحاد طلبة القاهرة الذي يرمز له المؤلف بـ"ع. ح " والذي قام بزيارة الرئيس عبد الناصر وعندما تخرج عُين في مناصب عديدة حتي وصل الي محافظ الجيزة وخرج من المنصب بفضيحة مالية ، والطريف أن عصام الغزالي شريك صاحب الشهادة في جماعة شباب الاسلام كتب قصيدة حول "ع.ح " بعد طرده من محافظة الجيزة قال فيها " مدان ولو برأتك المحاكم / وفي كل عصر رأتك الولائم / فلا تبتهج أنت تدري وأدري / متي بعتنا في زمان الهزائم / وكنا نقول بلادي بلادي / فنلقي عقابا وتلقي الغنائم ."

ضد الشيوعية

ومما لاشك فيه أن التيار السياسي الغالب في الجامعة في ذلك الوقت كان التيار اليساري، وكان الجموح يدفع بعض قادة ذلك التيار الي عمل مجلات حائط يسخرون فيها من ثوابت العقيدة ، وقد دفع ذلك وائل عثمان ذا الميول الاسلامية الي مهاجمتهم بشكل كبير وشكل مع بعض زملائه "شلة " تدعو الي العودة للجذور الاسلامية، وكان أبرز هؤلاء عدلي مصطفي القزاز ، وعصام الغزالي.

كان الشيوعيون يتحركون من خلال عدة أسر وحركات داخل الجامعة ، وكانت أبرز تلك الجماعات " أنصار الثورة الفلسطينية " وجماعة " جواد حسني " وهو بطل مصري استشهد خلال مقاومته للاستعمار البريطاني . ويذكر وائل عثمان أن الشيوعيين كانوا ينظمون المؤتمرات الطلابية ويسيطرون تماما علي توجيهها وطرح ما يريدون خلالها ولم يكن أحد يستطيع أن يصل الي الميكرفون للتحدث مالم يوافقوا عليه . وفي 17 يناير 1972 نظموا مؤتمرا حاشدا للتأكيد علي حتمية المواجهة العسكرية مع إسرائيل ، وضرورة اعداد الجبهة الداخلية لذلك، وحاول وائل عثمان ان يتحدث فلم يستطع ، لكنه استطاع أن يدخل في حوار مع احدهم حول موقف الاتحاد السوفيتي المتخاذل في دعم مصر، وكتب مقالات في اكثر من مجلة يندد بذلك الموقف، وبدأت الحرب تستعر بين الشيوعيين وأصحاب الميول الاسلامية.

وكان من الغريب أن المسئولين استخدموا كثيراً من الاسلاميين لضرب الشيوعيين واقصائهم من قيادة الحركة الطلابية، ومما يذكره المؤلف أن بعض الطلبة الذين شاركوا في الحرب علي الشيوعيين باسم الدين تولوا مناصب قيادية ووصلوا الي مراكز عليا في الحزب الوطني الديمقراطي في الوقت الحالي.

ويسرد وائل عثمان أحداث يناير 1972 عندما بدأ اعتصام الطلبة

لعرض المطالب السياسية حيث انعقد مؤتمر عام في جامعة القاهرة وسيطر الشيوعيون علي المنصة مما دفع الطلبة الاسلاميين والليبراليين الي الاحتجاج وحاول أحدهم مسك الميكرفون ، الا أن ضربات الطلبة اليساريين دفعته الي التراجع وساد الهرج بين الجانبين حتي نجح الطلبة غير الشيوعيين في دفع الطلبة الشيوعيين لإصدار وثيقة للتنديد بموقف الاتحاد السوفيتي في عدم مد مصر بالأسلحة، واستمر اعتصام الطلبة ولم ينفض إلا بعد القبض علي عشرات منهم كما حدث عام 1968 .

ميلاد أول جماعة إسلامية

المهم أن تلك السنوات شهدت ميلاد أول جماعة اسلامية سياسية داخل جامعة القاهرة، لقد كان كثير من الباحثين يعتقد أن الجماعة الاسلامية هي أقدم جماعات الاسلام السياسي داخل الجامعات ، الا ان ما يذكره وائل عثمان يلغي ذلك الاعتقاد تماماً، في 16 نوفمبر عام 1972 أُشهرت جماعة شباب الاسلام واختير عدلي القزاز رئيسا لها بينما ظل وائل عثمان وعصام الغزالي بمثابة لجنة استشارية عليا لإدارة الجماعة، وقتها كانت الجامعة تضم ثلاث فئات من الطلبة أولهم وأكثرهم قوة وتنظيماً هم الطلبة الشيوعيون، وثانيهم الطلبة اليمينيون واصحاب الميول الاسلامية ، والطلبة المباحثيون.

والمدهش أن " عثمان " يعتبر جميع هؤلاء أنقياء وأصحاب مبادئ حتي أولئك الذين دفعتهم ظروفهم للعمل مع المباحث، إنه يذكر أن احد المتعاونين مع المباحث جاء اليه وقال له : أرجوك ، لا تتكلم عن السياسة او الجماعة امامي لأنني يجب ان أنقل للمباحث كل ما اعرفه.

وقتها ولدت الجماعة بعيدا عن الاخوان المسلمين الذين كانوا قابعين في السجون منذ عهد عبد الناصر، وكان هدف الجماعة الرئيسي هو مواجهة الشيوعية ومحاربة الانحلال ودفع الدولة نحو العدالة الاسلامية، لكن الغريب في الامر ان كثيراً ممن انضموا الي الجماعة أو تحدثوا باسمها كانوا تابعين للمباحث، وظهر فرع جديد للجماعة في كلية الحقوق ادعوا انهم "شباب الاسلام " وطبعوا بيانات ووزعوها للتنديد بالشيوعيين  وهو ما يعني أن أهداف الجماعة التقت مع أهداف الدولة في القضاء علي قوي اليسار في الجامعات، ومما  يؤكد ذلك أن أمين التنظيم الاشتراكي محمد عثمان التقي بقادة الجماعة بعد إشهارها وعرض عليهم عشرة آلاف جنيه من ميزانية الاتحاد وكان ذلك المبلغ خياليا في تلك الايام ، إلا انهم رفضوا، وكان الرجل كلما زاروه  يبادر الي الوضوء والصلاة أمامهم ليثبت لهم ان الدولة معهم ضد الشيوعية، كما شهدوا نفس التصرف كلما حلوا ضيوفا علي مباحث أمن الدولة.

ميزانيات حكومية مفتوحة

لقد كانت هناك ميزانيات مفتوحة لمواجهة اليسار داخل الجامعة، وكان هناك أشخاص جاهزون للعب أدوار غريبة لدعم السلطة بشتي الطرق ،ولعبت الاحداث السياسية دورها في تأكيد ذلك، ومما يعجب له صاحب الشهادة ان امين الاتحاد الاشتراكي سمح لشخص من خارج الجامعة  بدخول الجامعة واصدار جريدة تتحدث باسم الطلبة لمواجهة الشيوعيين وقد اشتهر هذا الشاب فيما بعد وأصبح رجل أعمال كبيراً هو توفيق عبد الحي مليونير الدواجن الشهير.

وكان مما أصاب مؤسسي الجماعة بكثير من القلق والاحباط اعتقال الشاعر عصام الغزالي احد قادتها وقد دخلوا في اعتصامات عديدة للافراج عنه ولم يتمكنوا حتي انهم ذهبوا الي محام كبير هو محمد التوني وسألوه عن أتعابه للترافع للافراج عن زميلهم فنهرهم وقرر الدفاع عنه دون اتعاب ونجح في مهمته.

وركزت الجماعة بعد ذلك علي اقامة ندوات دينية شارك فيها علماء كبار مثل الشيخ محمد الغزالي والشيخ البهي الخولي وأصبح للجماعة دور واضح داخل الجامعة، واقتلعت القيادة من الطلبة الشيوعيين حتي ان اذاعة لندن أذاعت وقتها ان »الاخوان المسلمون« عادوا للسيطرة علي الجامعة، ويعلق صاحب المذكرات : كان الاخوان وقتها في السجون.

اندثار شباب الإسلام

وستتراجع الجماعة بعد ذلك بسبب انضمام بعض الطلبة العاملين مع المباحث ، واختلاف قادة الجماعة فيما بينهم في فرعيات لا اهمية لها، منها مثلا أن عدلي القزاز قال لوائل عثمان: إن زعيم الجماعة سيطلق عليه أميراً، إلا أن وائل رأي أن ذلك سيجعل الجماعة محط سخرية من الشيوعيين واقترح أن تتم تسمية زعيم الجماعة بالرئيس ، وطال الخلاف بين الاثنين وقررا في النهاية الاحتكام الي الشيخ سيد سابق عالم الأزهر الشهير وعندما عرضا عليه المشكلة انفجر ضاحكاً وقال لهم: إنكم لم تقيموا بعد دولة اسلامية حتي تختلفوا في تسمية "رئيسها ".

ويوما بعد الآخر ستختفي الجماعة وستسود الجماعة الاكثر حركية والاكثر تنظيما ، وهي الجماعة الاسلامية ، وسيتحول الخلاف بين الحركة الاسلامية وباقي الحركات السياسية الي حرب معلنة ، وستتورط جماعات الاسلام السياسي باسثناء الاخوان المسلمين في جرائم الارهاب ، وسيسود الظلام وتسيل الدماء ويسقط الرجل الذي فتح الباب لتلك الجماعات لتنمو وتنتشر ضحية لهم ...