رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نيللي حنا‮: ‬أوروبا لم تكن مصدر للحداثة

قالت المؤرخة نيللي حنا ان الحداثة اتخذت اشكالا متخلفة،‮ ‬وكان لها تجليات شتي،‮ ‬في مناطق شكلتها الخبرة التاريخية وجهود ابناء البلد وابداعاتهم وجغرافيتهم،‮ ‬ولم تنجم عن مجرد الاتصال بالغرب بل كانت لها آلياتها ومصادرها الداخلية في المجتمع المصري،‮

‬وتشير حنا في كتابها الجديد الذي صدرت ترجمته العربية عن المركز القومي للترجمة بعنوان كتاب‮ "‬حرفيون،‮ ‬مستثمرون‮: ‬بواكير تطور الرأسمالية في مصر‮" ‬الي الكثير من مصادر الحداثة التي عرفتها مصر،‮ ‬وصدر الكتاب بترجمة كمال السيد‮.‬
ونيللي حنا استاذ التاريخ بالجامعة الامريكية بالقاهرة ومن ابرز اعمالها‮ "‬بيوت القاهرة في القرنين السابع عشر والثامن عشر‮: ‬دراسة اجتماعية معمارية‮"‬،‮ ‬ثقافة الطبقة الوسطي في مصر،‮ ‬سيرة أبو طاقية‮"‬
ويدور الكتاب حول الحرفيين في القاهرة خلال الفترة من‮ ‬1800‮- ‬1600‮ ‬ويحاول ادماجهم في تطورها التاريخي،‮ ‬ملقيا نظرة عن كثب علي بعض منهم وخصوصا من كانوا ينخرطون في صناعة منتجات مهمة للسوق المحلية والتصدير،‮ ‬لبيان كيف تطوروا وطوروا ادواتهم الرأسمالية في فترة مفصلية من تاريخ مصر‮.‬
وتكشف مقدمة الكتاب الذي اهدته مؤلفته للمؤرخ الراحل رؤوف عباس،‮ ‬عن الاسس المنهجية لكتابات نيللي حنا كمؤرخة ابدت عناية واضحة بالمصادر‮ ‬غير التقليدية في كتابة تاريخ مصر،‮ ‬ممثلة في وثائق المحاكم الشرعية وغيرها،‮ ‬كما تركز في دراساتها العثمانية والمملوكية وحتي في عصر محمد علي،‮ ‬علي أمور‮ ‬غير مطروقة في الكتابة التاريخية التقليدية،‮ ‬فدراساتها السابقة انصبت علي نطاق محدد في دراسة بعض طوائف الحرف وفنون العمارة ومصادر الابداع الادبي والثقافي،‮ ‬وقد وصفها المؤرخ الراحل رؤوف عباس بأنها رغم ثقافتها الغربية تتمتع برؤية ناقدة ثاقبة للمفاهيم التي تروج في كتابات المدرسة الاستشراقية حول الثقافة الاسلامية وتحرص علي دحضها استنادا علي ما توصلت اليه من نتائج خلال دراساتها المعتمدة علي الوثائق‮".‬
والفكرة المحورية في الكتاب تشير الي ان تاريخ مصر لم يصنعه حكامها بل اختطه زراعها وتجارها وصناعها والعاملون في كل مجالات الحياة‮.‬
وتطرح الدراسة بحسب المقدمة افكاراً‮ ‬مهمة،‮ ‬منها ان الرأسمالية في مصر لم تنشأ من اعلي فحسب،‮ ‬بل كانت هناك رأسمالية من اسفل لعبت دورها في المسيرة الاقتصادية للبلاد،‮ ‬ويكشف الكتاب ان اوروبا لم تكن مركز الكون في نشأة الرأسمالية اذ نشأ انتاج صناعي ورأسمالي في الهند وبعض ارجاء آسيا وبعض ولايات الامبراطورية العثماينة في حين كان الابتكار والتقدم التكنولوجي حاسمين في ازدهار الصناعة والرأسمالية في الغرب،‮ ‬فإن تنظيم المشروعات وعلاقات العمل عوض ذلك في نشأة الصناعة والرأسمالية في الهند ومصر وغيرهما‮.‬
ويشدد الكتاب علي أن دخول مصر للاقتصاد الحديث لم يبدأ من الاتصال بالغرب،‮ ‬وانما نبعت جذوره من آليات العمل الداخلية للاقتصاد والمجتمع المصري،‮ ‬وانه انطوي علي عوامل شتي من اهمها‮ - ‬اضافة لنمو التجارة الداخلية‮ - ‬اشتداد ساعد هياكل السلطة في مصر وانخراطها في الاقتصاد من ناحية ومقاومة الصناع والتجار لافتئات العسكر ومزاحمة الاجانب من ناحية اخري‮.‬
وفي السياق ذاته يؤكد الكتاب ان النماذج الاوروبية لم
تكن مصدر النمو والعصرنة في مناطق مثل الهند وجنوب شرق آسيا واجزاء من الامبراطورية العثمانية التي تطورت مستقلة عن هذه القوالب الاوروبية‮.‬
وتركز نيللي حنا علي فكرة ان هناك اكثر من مصدر للرأسمالية في مصر،‮ ‬واضافة للتأثير الاوروبي ورأسمالية الدولة التي اقامها محمد علي،‮ ‬او ما نشأ عن حيازة الارض هناك الدور البارز الذي لعبته الممارسات الرأسمالية التي اضطلع بها الصناع في مشروعاتهم الصغيرة،‮ ‬طبعا بالاضافة لرأسمالية التجار وقد تعايشت هذه المصادر وتفاعلت وفي فترة لاحقة خضعت اشكال منها لغيرها‮.‬
وتقول نيللي حنا ان عمليات التنمية والتحديث التي قام بها محمد علي لم تكن مجرد اعمال لرجل عظيم،‮ ‬بل سياسات لها سياق سابق اثر في مسارها وان سعيه لإحكام قبضته علي الاقتصاد سبقه سعي المماليك للسيطرة علي طوائف الحرف كوسيلة للتوغل في الحياة الاقتصادية‮.‬
ويشير الكتاب الي أن اندماج مصر في النظام الرأسمالي العالمي انطوي علي تأثير طبقة بازغة من اشخاص استفادوا من التجارة الخارجية ونضال واستراتيجيات التجار والصناع للحفاظ علي مصالحهم كما انطوي ايضا علي تحقيق مصالح دول المركز الاوروبي وشبكة تحالفاتها في المنطقة‮.‬
ويكشف الكتاب عن دور الصناع والحرفيين المصريين في تحقيق رأسمالية الدولة بالوثائق والأسانيد مؤكداً‮ ‬انه لم يكن دوراً‮ ‬فريداً‮ ‬فالسوق الدولية لم تكن هي المصدر الوحيد،‮ ‬بل كانت الاسواق المحلية وليست الخارجية هي مصدر تطور الرأسمالية المصرية في كثير من الاحيان فهي‮ "‬جيوب رأسمالية في مناخ‮ ‬غير رأسمالي‮" ‬وتؤكد نيللي حنا ان العسكر لعبوا دوراً‮ ‬في نهب مصر،‮ ‬فبدون اي مؤهلات اقتصادية او تجارية او مالية فرضوا سطوتهم علي المال والتجارة الداخلية والخارجية وانتزعوا الفائض من منتجيه الاصليين وفي هذا لم تكن السيطرة لمن يملكون وسائل الانتاج بل كان القسر وسيلتها وبهذا نشأت ما تسميه‮ "‬نخبة السلطة والمال العسكرية‮" ‬التي التحق بركابها بعض التجار والصناع وفي مواجهة تعسف العسكر جري‮ "‬تزييف الصناعة‮" ‬بنقلها الي الاقاليم والبلدات الريفية‮.‬