رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"أيها الأقباط ..انتبهوا" كتاب عن مخططات الطائفية

لا يمكن اعتبار الفتنة الطائفية وهمًا، ولا يمكن تصورها كذبة إعلامية، ولا يجوز إسنادها دائما لمؤامرات الخارج ومخططات الصهيونية.

فالفتنة الطائفية واقع وحقيقة ومشهد يحتاج تصارح وتكاشف ووضوح، لذا لا يمكن أن يمر كتاب الدكتور محمد مورو الأخير والذى سيصدر خلال أيام عن الأقباط مرور الكرام خاصة فى ظل الاحداث الاخيرة فى "صول " وما تبعها من مظاهرات غضب مسيحية.

الكتاب ينطلق من خطاب آحادى يقرأ الخريطة من زاوية واحدة ويسوق دلائل من الزاوية الاسلامية وحدها، لذا فإن مغالطات عديدة يحملها الكتاب تصب فى خانة توجيه الآخر وممارسة التمييز تجاهه تحت سقف وطن واحد، وهى مغالطات لا يمكن أن تمر دون مراجعة وتعليق ورد .

من عنوان الكتاب يبدأ الخلاف واضحا عندما يوجه "مورو " خطابه الى الاقباط تحت عنوان " أيها الاقباط ..انتبهوا " . إن العنوان بلا شك يحقق عنصر التمييز بين المواطنين المصريين عندما تتم مخاطبة الاقباط وحدهم كى ينتبهوا لمخططات الفتنة، وكأن تصرفات الاغلبية المسلمة دائما سليمة فيما يخص المواطنة، ومواجهة الفتنة .

يخوض الكتاب فى حقول ألغام، ويتناول قضايا شائكة، ويتحدث فى موضوعات شبه محظورة وهو ما يحسب للكاتب رغم كثير من الآراء والتوجيهات التى تحتاج لمراجعة !.

من البداية يضع لنا الكاتب قنبلة فى بداية طريق العلاقة بين المسلمين والاقباط فى مصر عندما يشير الى قضية التعداد الخاص بالمسيحيين فى مصر؛ يسوق المؤلف عدة قياسات ليشير الى أن تعداد المسيحيين فى مصر يتم المبالغة فيه من جانب المسيحيين أنفسهم . ويشير الى ان عام 1897 شهد عمل اول تعداد سكانى فى مصر فى ظل الاحتلال البريطانى وقد بلغ مجموع سكان مصر 9.ملايين و700 الف نسمة منهم 8 ملايين و900 الف نسمة من المسلمين أي بنسبة 92.23 % والباقي من المسيحيين واليهود، والمسيحيون ينقسمون إلى أقباط مصريين وإلى مسيحيين من أصول غير مصريين، وينقسم الأقباط المصريون إلى أقباط أرثوذوكس 592.347 نسمة وأقباط بروتستانت 12.507 نسمة وأقباط كاثوليك 4.620 نسمة، هذه هي سنة الأساس بالنسبة لتطور سكان مصر.

ويستمر المؤلف فى الاستعانة بتعدادات السكان المتتالية حتى عام 1976 عندما بلغ عدد السكان نحو 36 مليون نسمة منهم 2،3 مليون من غير المسلمين بنسبة 6،3 % .

ويرى فى النهاية أن تطبيق تلك النسبة على تعداد السكان يهبط بهم لأقل من 4 ملايين شخص، خاصة أن غير المسلمين يضمون اقباط ارثوذوكس ومسيحيين كاثوليك وبروتستانت وطوائف أخرى.

وهذا الكلام لا يصلح كمدخل لمناقشة المشكلة القبطية لأنه يجنح الى فكرة رصد تعداد فصيل من المصريين لمناقشة حقوق مشروعة لهم كالحق فى تولى مناصب أو ممارسة العبادة أو غيرها من الحقوق؛ فلا علاقة للتعداد فيما يخص مطالب فئة معينة لأن كل المصريين ينبغى ان يتساووا أمام القانون فى الحقوق والواجبات بغض النظر عن تعدادهم .

فضلا عن ذلك فإن القياس المستخدم للقول أن نسبة الاقباط تبلغ 6 % يتنافى مع دراسات عديدة حيادية نقل عنها الدكتور سعد الدين ابراهيم فى بحثه الرائع " تأملات فى مسألة الاقليات تشير الى أن نسبة الاقباط فى مصر تبلغ 8 % .

لكن ما يستحق الاشادة أن ينقل لنا المؤلف تقريرا للسير الدون جورست المعتمد البريطانى فى مصر عام 1910 حول صعوبة استخدام المسيحيين المصريين للسيطرة على مقاليد الحكم فى مصر؛ يقول ذلك التقرير " إن المسلمين يؤلفون 92 % من مجموع السكان ويمثل الأقباط أكثر قليلا من 6 % ( 200 ألف ) وإن هذه الأقلية القبطية موزعة توزيعا غير متساوٍ بين أنحاء البلاد فهم يمثلون أقل من 2 % من السكان في 30 مركز إداري بين 40 مركزا بالوجه البحري بينما ترتفع نسبتهم إلى 20 % في 9 مراكز فقط من 37 في الصعيد..

لهذا فإن فكرة معاملة قطاع من سكان البلاد كطائفة مستقلة في نظري يمثل سياسة خطأ سوف تكون في النهاية مخربة لمصالح الأقباط.. إن شكوى عدم تطبيق العدالة مثلا في التعيين في الوظائف الحكومية تنقصه الإحصاءات التي تبين أن الأقباط يشغلون نسبة من الوظائف العامة تزيد بكثير عن نسبة قوتهم العددية التي تسمح لهم بذلك .

ويكشف الكاتب عن أن اشعال الفتنة فى مصر كان دائما مخططا اجنبيا للمحتلين باختلاف مراحلهم بدءا من الفرنسيين وحتى الانجليز، فضلا عن المخططات الصهيونية المعلنة للتفريق بين عنصرى الامة فى مصر .

ويمضى الكاتب ليؤكد أن الاسلام دين غير طائفى لتأكيد القرآن الكريم على اختلاف الناس، واقرار حق الايمان لمن شاء والكفر لمن أراد . وينقل لنا وثائق مهمة تؤكد على فكرة المواطنة داخل الاسلام مثل عهد الرسول "ص " لنصارى نجران، وعهد عمر بن

الخطاب لأهل ايلياء. ويحكى لنا كيف كان بنيامين بطريرك الاقباط فى مصر مضطهدا من جانب الدولة البيزنطية وعندما دخل عمرو بن العاص مصر كتب له عهد بالامان أينما كان .

واذا كان ما ينقله لنا الكاتب من نصوص ووثائق ووقائع للتأكيد على ان الدين الاسلامى دين غير طائفى، فإن ما ينقله من نصوص ومقولات لقادة ورموز الحركة الاسلامية فى مصر فى نفس الصدد تحتاج مراجعة . إن محمد مورو يريد أن يقول لنا إن الحركة الاسلامية فى مصر حركة غير طائفية ويسوق دلائل لذلك، رغم أن الحديث عن الحركة الاسلامية حديث عن اشخاص لا عن دين ولا يحتاج الامر لنفى الطائفية أو تجميل المواقف .

وينقل المؤلف عن الافغانى و مصطفى كامل ومحمد فريد وحسن البنا عبارات تدخل فى اطار حماية الوحدة الوطنية . ومن ذلك قول حسن البنا " يخطئ من يتصور أن الاخوان المسلمين دعاة تفريق بين عنصرى وطبقات الامة، فنحن نعلم أن الإسلام عني أدق العناية باحترام الرابطة الإنسانية العامة بين بني الإنسان ـ كما أنه جاء لخير الناس جميعاً ورحمة من الله للعالمين."

لكن يؤخذ على المؤلف أنه قصر خطاب الحركة الاسلامية فى مصر على الافغانى ومصطفى كامل والاخوان المسلمين وتناسى الجماعات الجهادية التى مارست عنفا فكريا وماديا تجاه غير المسلمين طوال السبعينات والثمانينات من القرن الماضى مثل جماعة الجهاد، والجماعة الاسلامية وغيرها .

كما يؤخذ عليه استخدام المنهج الانتقائى فى خطاب جماعة الاخوان المسلمين حيث إن مقولات البنا فى حقوق المواطنة والوحدة الوطنية تقابلها مقولات أخرى لقادة تاريخيين فى الجماعة مثل مصطفى مشهور الذي يرى أن على المسيحيين عدم المشاركة فى التجنيد ودفع الجزية! كذلك فإن البرنامج الخاص بالحزب السياسى لجماعة الاخوان الذى طرح منذ سنوات قليلة حظر على الاقباط والنساء الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، وهو ما يمثل تمييزا فى خطاب المواطنة .

ويفجر الدكتور محمد مورو مفاجأة من العيار الثقيل عندما يعرض لدراسة اجتماعية قام بعملها الدكتور احمد المجدوب عام 1985 تشير الى ان 72 % من الاقباط يوافقون على تطبيق الشريعة الاسلامية ويرون فيها ملاذا آمنا لتحقيق العدل وصيانة الحقوق .

وينقل المؤلف العديد من المقولات لسياسيين ومفكرين اقباط يؤكدون انتماءهم للحضارة الاسلامية ويدعون كافة المسيحيين المصريين للاندماج فى هذه الحضارة، وربما من اشهر تلك المقولات قول مكرم عبيد باشا " نحن مسلمون وطنا ونصارى دينا ." ومنها قول الدكتور انور عبد الملك " إن الإسلام في أوطاننا معين عظيم ومنبع أصيل وإطار حضاري لتعبئة الجماهير الشعبية في معركة التحرر والسيادة " .

ومنها عمليا موقف جمال اسعد من جماعة الاخوان المسلمين وترشحه على قوائمها فى انتخابات مجلس الشعب، ثم ترشحه على قوائم حزب العمل ذى التوجهات الاسلامية فيما بعد .

ويستعرض المؤلف عشرات المواقف الوطنية للمسيحيين المصريين فى دعم الحركة الوطنية بدءا من الحملة الفرنسية ومرورا بالثورة العرابية والكفاح ضد الاحتلال البريطانى، ولم يشذ فى الموقف الا عدد محدود عملوا جواسيسا للمحتل مثل المعلم يعقوب خلال الحملة الفرنسية، واخنوخ خلال الاحتلال البريطانى .