رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"في الثورة" كتاب يشرّح الثورات


يكتسب هذا الكتاب أهميته الحيوية من اللحظة‮ ‬التي‮ ‬نعيشها‮ .. ‬حيث تتفاعل أحداث الثورة المصرية في‮ ‬الشارع ما قد‮ ‬يكون معه من المفيد استرجاع نماذج من الكتابات الرصينة حول الثورة ومفهومها‮. ‬ومؤلفة الكتاب هي‮ ‬حنة أرندت فيلسوفة أمريكية من أصل ألماني‮ ‬لها العديد من الكتب المتميزة مثل‮ "‬أصل التوتاليتارية‮" ‬و"أزمات الجمهورية‮". ‬ورغم أن الكتاب بالغ‮ ‬الأكاديمية علي نحو قد‮ ‬يشعر القارئ بصعوبة التعاطي‮ ‬معه بسلاسة،‮ ‬إلا أنه‮ ‬يقدم رؤي متميزة بدقتها ونفاذها قائمةعلي معرفة عميقة بالماضي‮ ‬علي نحو‮ ‬يشكل ـ كما‮ ‬يقول الناشر ـ إسهاما مهما في‮ ‬الفلسفة السياسية وفي‮ ‬فهم العالم الحديث واستشراف القرن الحادي‮ ‬والعشرين‮. ‬وعلي مستوانا استيعاب بعض ما‮ ‬يجري من حولنا في‮ ‬اللحظة التي‮ ‬نحياها الآن‮.‬
ويحاول الكتاب الذي‮ ‬نشر لأول مرة عام‮ ‬1963‮ ‬تشريح ظاهرة الثورة تشريحا علميا دقيقا واستعراضها باعتبارها إحدي الظواهر التي‮ ‬حددت ملامح القرن العشرين‮. ‬وفيه تنظر أرندت في‮ ‬المبادئ التي‮ ‬تقع في‮ ‬اساس الثورات جميعها بدءا من الأمثلة الكبري الأولي في‮ ‬أمريكا وفرنسا،‮ ‬مرورا بكيفية تطور نظرية الثورة وممارستها ووصولا في‮ ‬نهاية الأمر إلي توقعات التغيير في‮ ‬العلاقة بين الحرب والثورة وما‮ ‬ينتج عن هذا التغير علي صعيد العلاقات الدولية‮. ‬
في‮ ‬تعريفها لمفهوم الثورة تشير المؤلفة إلي أنها مصطلح قديم نسبيا ولم‮ ‬يكتسب معناه الجديد إلا ببطء وتؤدة،‮ ‬وهنا فإنه من المفارقة أن كلمة الثورة إنما كانت تعني‮ ‬في‮ ‬الأصل إعادة السلطة،‮ ‬فثورات القرنين السابع عشر والثامن عشر والتي‮ ‬تبدو لنا ذات روح جديدة،‮ ‬روح العصر الحديث،‮ ‬إنما كانت ترمي‮ ‬إلي إعادة السلطة إلي أصحابها‮. ‬
‬وتذكر المؤلفة أن الاستخدام ذاته لهذه الكلمة‮ ‬يشير بوضوح تام إلي الإفتقار لتوقع ما لاسابق له من جانب الفاعلين الذين لم‮ ‬يكونوا اكثر استعدادا من مشاهدي‮ ‬الفعل المعاصرين لهم‮. ‬وفي‮ ‬تأكيد علي جذرية التحول الذي‮ ‬تحدثه الثورة تقول أرندت إن الثورات ليست مجرد تغييرات،‮ ‬وهنا فإنها تنفي‮ ‬إمكانية تشبيه الثورات بتعبير أفلاطون لها بأنها تحول شبه طبيعي‮ ‬في‮ ‬شكل من أشكال الحكومة إلي شكل آخر‮. ‬وتذهب أرندت إلي أن العنف لا‮ ‬يكفي‮ ‬لوصف ظاهرة الثورة وإنما مستوي التغيير هو الوصف الأجدر بها،‮ ‬ولا‮ ‬يمكننا الحديث عن الثورة إلا حين‮ ‬يحدث التغيير ويكون بمعني بداية جديدة وإلا حين‮ ‬يستخدم العنف لتكوين شكل مختلف للحكومة لتأليف كيان سياسي‮ ‬جديد وإلا حين‮ ‬يهدف التحرر من الاضطهاد إلي تكوين الحرية‮. ‬
وتميز المؤلفة بين الثورة والعصيان والتمرد فتذكر أن هاتين الكلمتين الأخيرتين لم تشيرا قط إلي التحرير كما تفهمه الثورات كما لا تشيران أبدا إلي تأسيس حرية جديدة،‮ ‬وهو الفهم الذي‮ ‬يبدو أنه تجري محاولة التعامل علي أساسه مع ما‮ ‬يجري‮ ‬في‮ ‬الوقت الراهن في‮ ‬مصر لحرف مجري الثورة‮. ‬وما‮ ‬يجب أن‮ ‬يعيه القائمون بالثورة ـ حسب المؤلفة ـ هو حقيقة أن الثورات أكثر من تمردات ناجحة،‮ ‬فليس لدينا ما‮ ‬يبرر تسمية كل انقلاب‮ ‬يجري بأنه ثورة ولا أن نلتمس ثورة في‮ ‬كل حرب أهلية تحدث‮. ‬كما تميز المؤلفة بين الثورة الحقيقية والانقلابات وثورات القصور حيث تنتقل السلطة في‮ ‬هذه الأخيرة من رجل إلي آخر من زمرة إلي أخري لم تكن تثير الكثير من المخاوف لأن التغيير الذي‮ ‬تجريه‮ ‬يكون محدودا في‮ ‬نطاق الحكومة وليس فيه الا الحد الأدني‮ ‬من الاضطراب للناس‮. ‬وهو تمييز‮ ‬يبدو بالغ‮ ‬الحيوية‮ ‬يجب أن‮ ‬يضعه الثوار في‮ ‬اعتبارهم،‮ ‬حيث إنه سيناريو‮ ‬يجري‮ ‬محاولة تطبيقه مع كل ثورة‮. ‬
ومما تذكره المؤلفة في‮ ‬هذا الخصوص أن التحرير بالمعني الثوري‮ ‬أضحي‮ ‬يفيد أن اولئك الأفراد‮.. ‬سواء في‮ ‬الحال الحاضر أو علي مدي التاريخ لا بصفتهم أشخاصا فرادي فقط بل كونهم أعضاء في‮ ‬الغالبية الساحقة من البشرية الفقراء والحقراء وكل الذين عاشوا دائما في‮ ‬الظل والخضوع لأي‮ ‬كان من السلطات التي‮ ‬كانت قائمة‮.. ‬عليهم جميعا أن‮ ‬ينهضوا ويصبحوا المسيطرين من المرتبة الأولي علي البلاد‮.. ‬فالثورات توفر الأمل بتحرير البشرية جمعاء وهي‮ ‬تستهدف بشكل عام قضية الحرية إزاء الاستبداد‮.. ‬تلك القضية التي‮ ‬تشكل في‮ ‬حقيقة الأمر وجود السياسة ذاته منذ بداية تاريخنا،‮ ‬فمن الأمور بالغة الجوهرية في‮ ‬أي‮

‬فهم للثورات في‮ ‬العصر الحديث أن تتزامن فكرة الحرية مع التجربة الجديدة لبداية جديدة‮. ‬
ومن بين الدروس التي‮ ‬تشير إليها المؤلفة بشأن الثورة المسألة الاجتماعية وهنا تذكر أن هذه المسألة بدأت تؤدي‮ ‬دورا ثوريا في‮ ‬العصر الحديث وليس قبله وذلك حينما بدأ الناس‮ ‬يشككون بأن الفقر هو شئ كامن في‮ ‬الظرف الإنساني‮ ‬ويشككون بأن التمييز بين القلة التي‮ ‬نجحت بحكم الظروف أو القوة أو الغش بتحرير نفسها من أصفاد الفقر وبين الكثرة الكاثرة العاملة والمصابة بالفقر هو تمييز محتم وأزلي‮. ‬
وتحذرنا أرندت من المبالغة في‮ ‬التفاؤل بشأن الثورة إذا لم تسر في‮ ‬طريقها المرسوم مشيرة إلي أن ثمة حقيقة مؤسفة مفادها أن معظم الثورات المعروفة كانت أبعد ما تكون عن إنجاز تكوين الحرية بل إنها لم تتمكن من الإتيان بضمانات دستورية للحقوق والحريات المدنية‮. ‬وإذا كانت المؤلفة تركز في‮ ‬تناولها علي الثورتين الفرنسية والأمريكية فإن من الملاحظات الأساسية التي‮ ‬تشير إليها أن الثورة الفرنسية وليست الأمريكية كانت هي‮ ‬التي‮ ‬أشعلت العالم وبالنتيجة فإن مسار الثورة الفرنسية وليس شكل مسار الأحداث في‮ ‬أمريكا ولا ما قام به الآباء المؤسسون هناك هو الذي‮ ‬جعل استعمالنا الحالي‮ ‬لكلمة ثورة‮ ‬يستمد فحواه وألوان معانيه من كل مكان في‮ ‬الدنيا ومن ضمن ذلك الولايات المتحدة‮.‬
ومن بين الدروس الأساسية التي‮ ‬تلفت أرندت نظرنا إليها في‮ ‬مجال الثورة دور من تصفهم بالثوريين المحترفين ـ الذين قد نلمح نماذج لهم في‮ ‬ثورتنا المصرية الحالية ـ وهو دور‮ ‬لا‮ ‬يكمن في‮ ‬العادة في‮ ‬إحداث ثورة ما بل في‮ ‬القفز إلي السلطة بعد اندلاعها‮. ‬كما أن ميزتهم الكبري ـ حسب المؤلفة ـ في‮ ‬صراع السلطة هذا لا تكمن في‮ ‬نظرياتهم وفي‮ ‬التهيئة العقلية أو التنظيمية وإنما تكمن في‮ ‬حقيقة بسيطة مفادها أن أسماء اولئك الثوريين المحترفين كانت الأسماء الوحيدة المعروفة لدي الجمهور‮. ‬وفي‮ ‬حين أن الدور الذي‮ ‬قام به الثوريون المحترفون في‮ ‬اندلاع الثورة كان في‮ ‬العادة دورا لا أثر له إلي حد اعتباره دورا‮ ‬غير موجود ولكن تأثيره علي المسار الذي‮ ‬ستتخذه الثورة‮ ‬يكون تأثيرا كبيرا جدا‮. ‬
ونختتم بالإشارة إلي ما تؤكد عليه أرندت من أن روح الثورة في‮ ‬القرون الأخيرة،‮ ‬أي‮ ‬التوق إلي التحرر وإلي بناء بيت جديد حيث‮ ‬يمكن أن تستوطنه الحرية هي‮ ‬روح لا مثيل لها في‮ ‬التاريخ السابق بأسره‮. ‬قد نكون تأخرنا في‮ ‬اللحاق بروح الثورة علي النحو الذي‮ ‬تشير إليه المؤلفة باعتباره أحد ملامح القرن العشرين،‮ ‬ولكن المهم أننا بدأنا ثورتنا نحو عالم جديد سمته الأساسية‮.. ‬الحرية‮.. ‬التي‮ ‬طالما افتقدناها علي مدي عصور‮. ‬

الكتاب‮: ‬في‮ ‬الثورة‮ ‬

تأليف‮: ‬حنة أرندت‮ ‬

ترجمة‮: ‬الباحث والمترجم عطا عبد الوهاب‮ ‬

الناشر‮: ‬المنظمة العربية للترجمة ـ بيروت ـ‮ ‬2008