«كسوة الكعبة» كان يتم تطريزها في مصر قبل الإسلام
هذا الكتاب رحلة روحية ممتعة يأخذنا فيها المؤلف عبر عشرات الأماكن والدروب التي كان يسير فيها المحمل الشريف حاملاً كسوة الكعبة ماراً بقري ومدن
مصر، بداية يقول المؤلف ان الصدفة وتوفيقاً من الله سبحانه وتعالي هما وراء تنفيذ هذا الكتاب عندما علم بأن أحد مهندسي الطرق العاملين في سيناء توقف عند منتصف طريق «نخل ـ النقب» وبالتحديد عند الكيلو سبعين، محتمياً في صخرة ثلاثية كبيرة تستره، وتحميه من هجمات الرياح في تلك الشرفة الطبيعية المطلة علي منخفض جبلي متسع ليجد نظره يتوقف عند عدة ثقوب نافذة في الصخرة يعرف بخبرته انها تنتظر حشوها بالديناميت، ثم اشعاله لنسف هذه الصخرة التي تعوق عملية توسيع الطريق بعد أن زادت عليه حركة النقل من وإلي ميناء نويبع في جنوب سيناء ليرفع عينيه، ليجد نفسه أمام مفاجأة مرعبة فالصخرة ما هي الا لوحة ضخمة سجل عليها خاتم خاص بالسلطان قنصوة الغوري يحدد بها موقع «دبلة البغلة» حيث تجمع قوافل الحجاج قبل ان يقودها الادلاء في متاهة وصعوبة جبال منطقة «النقب ـ طابا» لتقود طريقهم الي منطقة ايلات «ايلة» لتعبر رأس خليج العقبة لتصعد منطقة عقبة الأردن وتهبط منها الي وادي الأردن حيث ملتقي تجمع حجاج الشام والمشرق العربي ليأخذ الجميع بعد ذلك طريق ساحل البحر الأحمر الي المدينة المنورة، ادرك المهندس خطورة الموقف فأخذ يصرخ في وجه مسئول التنفيذ بحقيقة الأمر مهدداً اياه بزنه سيبلغ المسئولين، وبالفعل أبلغ فور وصوله القاهرة المسئولين في هيئة الآثار، وتحركوا فعلاً وتم انقاذ الصخرة وتقرر توسيع الطريق من الجهة المقابلة للصخرة في الثامن عشر من ربيع الآخر عام «648هـ» هجرية قامت رياح شديدة علي مكة مزقت أستار الكعبة المشرفة وبقيت عارية لمدة واحد وعشرين يوماً حتي قام والي مكة باقتراض ثلاثمائة الف درهم واشتري قماشاً أبيض، وصبغة باللون الأسود وكسبه الكعبة حتي تأتيه الكسوة السنوية من نسيج قباطي مصر والتي تأتيه غالباً في شهر ذي القعدة أي بعد حوالي تسعة أشهر في نظامها السنوي ليكسو بها الكعبة صبيحة عيد الأضحي وكانت شجرة الدر سلطانة مصر في ذلك الوقت وكانت بعد معركة المنصورة قد اتجهت مبتعدة عن صراع الحكم الي القدس، عن طريق سيناء وغزة فمرت بطريق «بركة الحج» في شمال القاهرة وهي القرية التي انشئت عندما مد عمرو بن العاص سنة «22 هجرية» خليج أمير المؤمنين من الفسطاط وحتي السويس مروراً بهذه المنطقة وعلي مسار ترعة الاسماعيلية الحالي فظهرت القرية التي وصل زمامها الي ستة آلاف فدان وقيل: كان بها ثلاثة ملايين نخلة غير اشجار الفواكه والتي اعتبرت أول محطة علي طريق الشرق في مصر وكانت متنزه الملوك والأمراء ولكن أفل نجمها قليلاً مع الحروب الصليبية وتحول طريق الحج الي «قوص ـ عيذاب» علي البحر الأحمر وها قد انتصر الأيوبيون علي الصليبيين فسلكت شجرة الدر هذا الطريق كما أمرت بتسيير الكسوة والمحمل وأمرت بتعمير منطقة «بركة الحج» لتكون أول محطة علي درب الحج المصري،توفر الراحة للحجاج والتجار وكل مستلزمات الحج من دواب وطعام وماء وملابس، البداية الحقيقية لدرب الحج المصري كما رصدها مؤلف الكتاب كانت من عند دار الكسوة الشريفة في درب الخرنفش وهي اخر دار تم تطريز الكسوة فيها ومنها كان يخرج محمل الكسوة الذي يطوف بارجاء القاهرة ويستعرضه الحكام وكبار رجال الدولة قبل خروجه الي بركة الحج وذلك منذ ان ارسلت شجرة الدر الكسوة والمحمل الي الحجاز عام «648هـ» هجري وحتي عام «1381هـ ـ 1962» حين رفضت السلطات السعودية قبول الكسوة المصرية نظراً لانشاء مصنع خاص بها بالقرب من الكعبة وتوقف بذلك تطريز الكسوة في مصر والتي كان يتم تطريزها فيها أصلاً حتي قبل ظهور الاسلام بل وقبل دخول الاسلام لمصر لما اشتهر به المصريون من جودة في صناعة نسيج معين عرفوا به وكسيت به الكعبة لفترة طويلة كان يسمي «نسيج القباطي» ودرب الحج المصري هذا في الأصل هو أحد الطرق الرئيسية المعروفة في وسط سيناء وأحد المعابر الرئيسة ما بين مصر والمشرق العربي منذ الفراعنة وحتي الآن. علي بعد أمتار قليلة قليلة من جامع سيدي الشعراني المطل علي ميدان باب الشعرية بالقرب من منطقة بين السورين بدت شجرة كثيفة الخضرة يقولون انها بداية درب الخرنفش وهو الدرب الذي تتوسطه تقريباً دار الكسوة الشريفة ببابها الخشبي الضخم العتيق كأبواب المنازل القديمة في أعلاه يافطة تحدد تبعية الدار حالياً الي وزارة الأوقاف ولا
الكتاب: من دروب الحج في مصر
المؤلف: محمد علي السيد
الناشر: الهيئة العامة لقصور الثقافة
سلسلة «هوية المكان»