رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

البيسي‮:‬ كلنا رايحين مصر هي اللي جاية


اسمك آيه يا شاطرة؟ سناء‮ ‬.
طلباتك؟

عايزة أنزل تدريب

أنت عارفه،‮ ‬أنت فين؟

طبعًا‮.. ‬دي أخبار اليوم وأنا طالبة في قسم الصحافة أهلا بك‮.‬

في‮ »‬أخبار اليوم‮«.. ‬تدربت علي يد الأستاذين علي ومصطفي أمين‮. ‬دخلت أوضة عندهم بالدور الأول وعمري‮ ‬17‮ ‬سنة،‮ ‬وفضلت أكتب،‮ ‬أكتب،‮ ‬أكتب،‮ ‬أكتب،‮ ‬وارسم،‮ ‬بعدها،‮ ‬رحت‮ »‬لأوضة‮« ‬ثانية في الأهرام أعمل مع الأستاذ هيكل عام‮ ‬1964‭.‬‮ ‬وفضلت أكتب،‮ ‬أكتب وأرسم‮. ‬وما بين الجدران الأربعة هنا وهنا ضاع عمري‮.‬

حياتي المراهقية،‮ ‬والشابية،‮ ‬واللعبية،‮ ‬والنضوجية،‮ ‬والعاطفية والزوجية والأمومية والأسرية والاجتماعية،‮ ‬والترفيهية‮.. ‬كلها ضاعت‮!‬

ولكن كيف ضاعت؟ ترد الكاتبة سناء البيسي علي نفسها محاولة كشف النقاب عن حياتها‮ - ‬هي حياة كل من يعمل بمهنة الكتابة والصحافة‮ - ‬التي ضاعت في بلاط صاحبة الجلالة في مقال بعنوان‮ »‬صاحبه‮ ‬غايب‮« ‬ضمن أوراق كتابها الذي يحمل عنوان‮ »‬مصر ياولاد‮« - ‬شوف الاسم وحلاوته،‮ ‬ونداء الخوف اللي فيه‮ - ‬الذي صدر في طبعة خاصة لمكتبة الأسرة عن‮ »‬نهضة مصر‮« ‬منذ أيام‮.‬

حياتك في الصحافة يا أستاذة سناء كيف ضاعت؟

ترد‮: »‬لست أدري‮. ‬انحنيت علي الأوراق في شرخ الشباب ومرت الآف الشموس‮ - ‬وتعاقبت ملايين الساعات وفاتت فئات الأشهر‮ - ‬وهطلت الأمطار،‮ ‬وتفجرت الرعود وزلزلت الأرض زلزالها،‮ ‬وتفتحت زهور الربيع وسقطت ذابلة،‮ ‬والعيال كبرت وعروسة امبارح بقت جدة،‮ ‬وعندما رفعت ظهري أتمطي أنظر إلي السقف لقيتني في سن الـ‮.. ‬وإلا بلاش‮.‬

والله يسامحك يا والدي،‮ ‬فقد كنت تردد علي مسامعي أمنيتك‮.. ‬أعيش وأشوفك يا بنتي زي الدكتورة بنت الشاطئ‮.. ‬أهو لم تعش يا والدي لتراني ابنة لشاطئ أو حتي لترعة‮!‬

حياتي ضاعت هكذا تؤكد‮ »‬سناء البيسي‮«‬

وهي من هي هرم مقام علي مساحة كبيرة من الحب والفهم والفكر والموهبة وصفاء النفس والعقل في عالم الصحافة العربية‮.‬

تقول حياتي ضاعت‮.. ‬وهي من هي التي حفرت وأسست‮ »‬ورمت‮« ‬خرسانة مجلة‮ »‬نصف الدنيا‮« ‬قبل أن تخرج‮ »‬بره‮« ‬الدنيا‮ - ‬المجلة وليست هي‮ - ‬بعد أن تركتها‮. ‬سناء البيسي تقول حياتي ضاعت‮.. »‬آمال احنا نقول أيه‮« ‬معلهش يا أستاذة‮.. ‬لماذا ضاعت؟

حقيقة أمرك أنك في مهنة الصحافة مطحون،‮ ‬مهدور وموروط،‮ ‬وموقوف ومركون ومعزول،‮ ‬وممسوح باسمك الزجاج آخر النهار أو مبقع بالزيت في قرطاس‮!! ‬يعني الحكاية ببساطة آخرتنا في المهنة‮ »‬قرطاس‮«!‬

الكتابة نسب

ذات يوم التقت‮ »‬سناء البيسي‮« ‬بالمفكر الراحل زكي نجيب محمود وقالت له‮: ‬يا دكتور عايزة أقولك حاجة اتفضلي سعاد حسني معجبة بمقالتك في الأهرام ابتسم الفيلسوف،‮ ‬وقال‮: ‬سعاد تقرالي‮. ‬ابتسامة الفيلسوف تنم عن سعادته بإن ما يكتبه يقرأ‮.. ‬إذن الكتابة والقلم شيء مهم في الحياة‮. ‬أليس كذلك؟ ترد الكاتبة سناء البيسي في كتابها‮: ‬الكتابة الآن قد‮ ‬غدت مهنة من لا مهنة له‮. ‬لكل مهنة شروط وشيوخ إلا الكتابة الآن أصبحت ما لها شيوخ ولا مرجع‮. ‬سوق الكتابة جبر‮. ‬لكننا في مهنة سلاحها القلم‮. ‬ترد‮ »‬في صحبة الأقلام قلم جوعان وقلم‮ ‬غلبان‮.. ‬وقلم صوت القطط السمان‮.. ‬وقلم ضمادة جرح‮.. ‬وقلم هلفوت وقلم حوت‮. ‬وقلم ملطوط‮.. ‬وقلم‮ »‬شفطوه‮« ‬من‮ ‬غير حس ولا خبر‮.‬

طيب أنا مين؟ ترد عليك‮ »‬البيسي‮« ‬في كتابها بين سطوره‮.. »‬هناك قلم حر يفتح الشبابيك ويهوي فرش البيت ويستضيف ضوء الشمس‮. ‬وآخر يقلب السلطة علي صاحب فكر حر بغرض كسر الجناح،‮ ‬وقصف القلم وتقليصه‮.. ‬يعني الأقلام أنواع؟ طبعا‮.. »‬قلم محروق وقلم مزنوق‮.. ‬قلم نزاهة وقلم شحات‮.. ‬وقلم فحل‮.. ‬وقلم ضحل‮.. ‬وقلم يؤرجحك‮ .. ‬وقلم يضعك في المستقر‮.. ‬وقلم يصفعك وقلم يمسك بتلابيبك وقلم يكرهك في لغة الضاد‮. ‬وقلم تعشق تبوس الإيد الي مسكت به قلم نسخ وقلم استنساخ‮.‬

ثقافة الكذب

إذن هناك قلم يكذب‮! ‬قلم واحد‮.. ‬قول أقلام‮. ‬الكذب أصبح مشكلة في المجتمع المصري‮. ‬تقول البيسي في كتابها‮.. ‬لقد أصبح الكذب هو القاعدة‮!‬

والصدق يا أستاذة؟

‮»‬هو الاستثناء الكذب يمارس يوميا في البيت والعمل وبين الزملاء حتي تؤكد الدراسات أننا نهول يوميا ما لا يقل عن‮ ‬200‮ ‬كذبة بمعدل كذبه كل‮ ‬5‮ ‬دقائق‮.‬

‮»‬سلامة الذوق‮«‬

وماذا‮ ‬غير الكذب في المجتمع؟

ترد‮ »‬تأملاتي المغتاظة لمسألة الذوق والتذوق في بلادي يروعني ويلوعني‮.‬

لوعة‮.. ‬نعم‮!‬

إلي هذه الدرجة؟ طبعًا‮!‬

ظني إن إحدي مشاكلنا الأساسية في مصر عامة أن أصبحت لا هوية لها في مسألة الذوق والطراز ضاعت هويتنا،‮ ‬سرقت هويتنا‮.. ‬شخصيتنا‮. ‬سماتنا‮. ‬واجهتنا‮.. ‬كلها‮ ‬غدت ممزقة لا تستطيع تحديدها‮.‬

تسأل‮ »‬البيسي‮« ‬حائرة عن مصر قائلة‮: »‬أين مني الآن مصر؟ مصر مين يا أستاذة التي تبحثين عنها؟‮«.‬

مصر فاتن حمامة وليلي مراد وشاطئ الغرام‮.. ‬مصر الهندسة،‮ ‬الفلسفة‮. ‬وآيات الجمال وترنيمة الفن والصهللة وسهرة أول خميس من كل شهر‮. ‬والقصبجي وبيرم ولطفي السيد ومشرفة والأخوان وانلي والبيضاء ليوسف إدريس‮. ‬مصر سور الأزبكية وحديقة الأورمان والأندلس وجبلاية القرود‮. ‬مصر قصور العباسية وعين حلوان وبدائع البارون إمبان وبواكي العتبة وكرانيش بلكونات شارع قصر النيل وزهر المشمش في المعادي‮.‬

مصر ندوة العقاد‮. ‬وصالون تيمور‮. ‬وجامعة طه حسين‮. ‬وإني راحلة للسباعي‮. ‬وظرف محمد عفيفي‮. ‬وفكرة علي أمين‮. ‬وصراحة محمد حسنين هيكل‮. ‬مصر‮.. ‬أمن الضواحي وسكة السلامة‮.. ‬وها‮.. ‬مين هناك؟ وزعقة شاويش المغربية وحق الجار وهدوء الجوار وغض البصر وعودة البنت وحدها مطمئنة في ضوء القمر والشوارع فاضية والدنيا هادية‮.‬

هذه مصر التي كنت تودين رؤيتها‮ - ‬أو بمعني أدق عودتها‮ - ‬لنا ونعود نحن لها‮. ‬وإن كانت مصر الحلم‮.. ‬مصر أمس لن تعود‮.. ‬فماذا عن مصر الواقع؟ مصر اليوم‮. ‬تقول‮ »‬البيسي‮«:‬

مصر‮ - ‬النهاردة‮ - ‬اللي فيها عض قلبي ولا تعض رغيفي‮. ‬مصر اللي ميطلعشي فيها فوق إلا اللي معاه السلم‮. ‬مصر اللي ملوش فيها ضهر ينضرب علي بطنه‮. ‬مصر فيها لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم‮.. ‬مصر كارثتها في أشوفكم ورايا ولو عرايا‮.. ‬ومصر فيها كلنا رايحين وهي إللي جاية‮«.‬

مصر يا أولاد

الفتنة الطائفية اليوم تنام في كل شبر علي أرض مصر‮. ‬إن نامت في الإسكندرية،‮ ‬تصحو

من نجع حمادي‮. ‬وإن نامت في المنيا تصحو في العمرانية‮. ‬ما الحل؟ تقول‮ »‬سناء البيسي‮«:‬

مصر النهاردة ناقصها الحب،‮ ‬مصر تحكم علي القليل وعايزة الكتير،‮ ‬عايزة سرعة التئام الشرخ،‮ ‬عايزة الشرخ يبقي سطحي قبل ما تمتد الجذور سرية تحت الأرض متاهات وتنظيمات وتطرف وإرهاب وسلاح أبيض وأسود وناسف ومخطط وشبكات جنون‮.‬

مصر ياولاد‮.. ‬مش عايزة مجرد حضن لزوم لقطة الكاميرات يضم فيه شيخ الأزهر البابا شنودة‮. ‬مصر يا ولاد‮.. ‬أفشوا السلام‮.. ‬فإن الحال إذا ما استفحل عما يجري الآن من سوء الحال،‮ ‬فعلي الدنيا السلام‮!‬

الجد والهزل في مسألة العزل

وإن كنت يوما ما سألت نفسك‮.. ‬لماذا تركت سناء البيسي مجلة نصف الدنيا،‮ ‬أو لماذا عزلت وقوموها من علي الأكل،‮ ‬وقطعوا عليها الإرسال وسط الفيلم،‮ ‬وشدوا حبل الغسيل قبل ما ينشف كما تقول فإليك ردها‮ »‬تسألونني عن مشاعر ما بعد العزل،‮ ‬أقول لكم بصراحة كمن هوت في جب مليون فرسخ تحت الماء‮. ‬ماشية وسايبة إيديا،‮ ‬واحدة بتسلم والأخري بلا هوية‮. ‬حياتي أمامي معلبة في كراتين‮. ‬ثم تقول‮ »‬مشاعري في سكة العزل إنهم أخذوا من حضني أولادي وبنتي التي أنجبتها وكبرتها وعلمتها وهندستها وثقفتها ولبستها وصورتها ونورتها وصقلتها وجهزتها‮.‬

لماذا يا أستاذة دخل‮ »‬الجد والهزل في مسألة العزل‮« ‬كما تقولين؟‮.‬

لأنني المصرية الوحيدة التي سلبت حقها النسوني الطبيعي في ممارسة تقرير عمرها بحكم الشيوع والتعاطي والتداول في شفط واختصار وإيجاز وقضم وهضم وتورية وإخفاء ومحو وإزالة وتبديد وتعتيم ورفض وإقصاء ودفن ووأد وإطاحة وإذابة وتنكيس وإبادة وقطب وتدليك ودس بضع سنين من عمرها الحقيقي لتظل في عيون الناظرين شابة وشباباً‮.‬

وجاء اليوم الذي تركت فيه طفلتك‮ - ‬نصف الدنيا‮ - ‬وأنت تسيرين بجوارها وتحملين شنطتها المدرسية‮. ‬ترد‮ »‬نعم جاء اليوم الذي حق فيه لغيري أن يقول لي فيه كفاية،‮ ‬مع أنه ليس الكفاية‮«. ‬اليوم الملغم المدجج بالنية المبيتة للإطاحة‮.. ‬وكل شيء بالقانون‮.. ‬كل شيء شرعي ضد رئاسة التحرير‮.‬

أنا خائفة

في كتاب‮ »‬مصر يا ولاد‮« ‬تري الكاتبة سناء البيسي خائفة‮.. ‬خائفة علي مصر،‮ ‬قبل خوفها علي نفسها‮. ‬فهي تقول‮.. ‬خائفة‮.. ‬ممن تخافين يا أستاذة؟

بصراحة أنا خائفة من كل حاجة‮.. ‬خائفة أسلم علي مواطن باليد،‮ ‬أو أدخل وراء أحد حماماً‮. ‬أو أشرب من كوب رفعه ظمآن لشفتيه،‮ ‬أو أسند علي درابزين سلم،‮ ‬أو أطلب طبق سلطة خارج البيت،‮ ‬أو أقضم في تفاحة،‮ ‬أو أغوص في قلب بطيخة،‮ ‬أو أشطر بأنيابي مشمشة أو خوخة،‮ ‬خائفة من المرشوش ومن المهجن،‮ ‬وممن في قلبه مرض‮.. ‬خائفة من النهاردة وخائفة من بكره وخائفة من إمبارح رغم أنه راح وانقضي،‮ ‬لكنه بمخاوفه وهواجسه يترك بصماته علي كل ما هو آت‮.‬

من هذا فقط يا أستاذة تخافين؟ ترد‮: ‬خائفة من العجز عن الكتابة ونضوب الكلام‮. ‬خائفة من أعراض الدواء الجانبية خائفة من التلوث الذي جعل الطبيب يقول لخالتي‮ »‬يا حاجة صدرك بقي لون الفحم من التدخين‮«. ‬نظرت له بعتاب الأم الحنون‮: ‬أنا يا ابني عمري ما مسكت المدعوقة السيجارة‮. ‬خائفة آخذ مريضا يغسل كليته بعدما صرح المسئول الكبير بأن وحدات الغسيل أصبحت مرتعا لفيروس الكبد‮. ‬خائفة من عملية السلق الجارية‮.‬

سلق إيه بالضبط يا أستاذة؟

سلق المراكز والمهام واللجان والتفاوض والتعيين والانتخاب والجوائز والتنمية والترقية والتصعيد والاختيار‮.‬

أشياء كثيرة عن الوطن وناسه وماضيه وحاضره ومستقبله تخاف منها‮ - ‬وعليها‮ - ‬سناء البيسي في كتابها‮ »‬مصر يا ولاد‮« ‬الذي يأتي فيما يقرب من‮ ‬386‮ ‬صفحة حاملة الخوف علي بلد يستحق الخوف عليه‮. ‬من كاتبة تستحق منا الاحترام‮.‬

إنها‮ »‬مصر يا أولاد‮« - ‬كما تقول البيسي‮ - ‬كلنا رايحين‮.. ‬وهي اللي جاية‮. ‬مصر قادمة،‮ ‬فلا تستسلموا لليأس‮. ‬مصر كما تقول أوراق الكتاب في الطريق‮.. ‬جاية‮!‬

وكما يقول الفاجومي أحمد فؤاد نجم‮.‬

مصر يا أمة يا بهية‮.. ‬يا أم طرحة وجلابية

الزمن شاب وانتي شابة

هو رايح‮.. ‬وانتي جاية