رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"صفوان الكاشف"نموذج في رواية "صخب الهمس"


ثمة أعمال ابداعية شعرية ونثرية تناولت النظام البائد السابق برؤي مختلفة،‮ ‬اشتركت جميعاً‮ ‬في هدف واحد هو‮: ‬ضرورة تغيير هذا النظام أو إقصائه، ‮ ‬ومن بين هذه الأعمال روايات‮: ‬حرث الأحلام لمحمد قطب‮ (‬2001‮)‬،‮ ‬فرس النبي لنبيل عبد الحميد‮ (‬2005‮)‬،‮ ‬العائد بالحب‮ (‬2006‮)‬،‮ ‬صخب الهمس‮ (‬2009‮) ‬لحسن البنداري،‮ ‬اجنحة الفراشة لمحمد سلماوي‮ (‬2010‮).‬

يركز هذا المقال علي رواية صخب الهمس‮ (‬2009‮) ‬لحسن البنداري التي وظف فيها شخصية اختفت في ظروف‮ ‬غامضة هي شخصية صفوان الكاشف الصحفي بصحيفة الشهاب،‮ ‬التي تقابل اختفاء مساعد رئيس تحرير صحيفة الأهرام‮ "‬رضا هلال‮" ‬صيف عام‮ ‬2003‭.‬

إن كلا من صفوان الكاشف في الرواية ورضا هلال في الواقع خصص في كتاباته جانباً‮ ‬من المواجهة الجريئة للدولة العبرية،‮ ‬ودولة القطب الأوحد،‮ ‬نلحظ هذا في بدء صفحات الرواية‮ "‬أحسست بالرضا‮"‬،‮ ‬و"احساسي بالرضا يتواري بمشاهد القتل والدمار التي يبثها مراسلو الفضائيات العربية والعالمية‮"‬،‮ ‬و"نسيت تماماً‮ ‬احساس الرضا الذي انتابني منذ قليل بمشاهد الحرب الدائرة‮.. ‬تضرب قنابل الطائرات والدبابات المدينة الساحلية الصغيرة‮ "‬غزة‮" ‬المتاخمة لحدود وطني‮). ‬وكأن الكاتب يشير الي مدي الترابط بين السياسة الاسرائيلية في فلسطين وكتابات‮ (‬رضا هلال‮) ‬قاصداً‮ ‬بذلك التمهيد للشخصية التي سوف تلبس الثوب الهلالي يقول رشيد الكاشف‮: "‬شقيقي صفوان الكاشف المقيم بالجيزة امام النيل‮.. ‬صحفي ناجح‮.. ‬مقالاته مثيرة في الصحف المصرية والعربية والعالمية‮"‬،‮ ‬فهو‮ "‬مراسل متجول في أنحاء المعمورة لصحيفة الشهاب الواسعة الانتشار‮".‬

عمد الكاتب الي لحظة تحريك صفوان الكاشف،‮ ‬وهي لحظة القلق المسيطرة علي خواطره،‮ ‬يحدث صفوان شقيقه عبر التليفون‮: "‬أنا متوجس‮.. ‬أشعر بأنني مطارد من قوي مجهولة معلومة‮". ‬فهذه هي الدائرة التي يعيش فيها صفوان وهي دائرة التصميم والحرص والقلق،‮ ‬لأنه كما يصفه شقيقه الراوي‮ "‬رشيد الكاشف‮": "‬مناوئ،‮ ‬شرس لأهداف الدولة العبرية الخفية والمعلنة،‮ ‬ولهيمنة القطب الأوحد علي دول العالمين الشرقي والغربي،‮ ‬وأن جريدة الشهاب أتاحت له موافاتها بتقارير صحفية ومقالات له ولسواه من مناوئي الدول الاخري لسياسة القطب الأوحد،‮ ‬وهو في كلامه عن الدولة العبرية صريح للغاية،‮ ‬ودائم الكشف عن سياسة القمع والسلب والاستيطان،‮ ‬ولأنه اكتوي بنار حرب الاستنزاف وحرب‮ ‬73‮ ‬فإنه لا يترك مناسبة إلا وينبه الي خطورة سياسة الدولة العبرية‮".‬

يوحي النص السابق من الرواية بأن كاتب الرواية كان جندياً‮ ‬عاصر الهزيمة والنصر،‮ ‬وشاهد ملامح اليأس والأمل،‮ ‬وماتت في نفسه مرارة الهزيمة بنصر‮ ‬73،‮ ‬فهو ينقل ملخصاً‮ ‬عظيماً‮ ‬لشباب حياته وحياة جيله في كلامه عن‮ "‬صفوان الكاشف‮"‬،‮ ‬وهذا دليل علي براعة المزج بين الروائي والشخصية الفنية،‮ ‬ويهدف الكاتب بذلك الي اثارة عقل القارئ بتساؤلات تحركه نحو خبايا الرواية وعناصرها،‮ ‬فالرواية تجسد الطابور الخامس الذي يعيش في شوارع مصر وبين جدران اسرارها العسكرية،‮ ‬هذا الطابور الذي يستهدف قيام دولة اسرائيل الكبري التي تمتد في زعمهم من‮ "‬النيل الي الفرات‮"‬،‮ ‬وهو هدف يعتمد علي جمع معلومات للقضاء علي رواد النضال بمصر،‮ ‬ومن بينهم‮ "‬صفوان الكاشف‮" ‬او‮ "‬رضا هلال‮" ‬الذي شغل نفسه تماماً‮ ‬بقضية فلسطين والدولة العبرية،‮ ‬فنجد الراوي علي لسان‮ "‬اشرف الساعي‮" - ‬إحدي شخصيات الرواية‮ - ‬يخبرنا عن شخصية‮ "‬صفوان‮" ‬بقوله‮: "‬ماذا تنتظر من مثقف مهموم بوطنه وبالعالم إلا الزهد في الزواج والأبناء؟‮"‬،‮ ‬فكان جزاء هذا المهموم ان اختفي في ظروف‮ ‬غامضة‮.‬

الغريب أن هذا الاختفاء جاء

في وجود جهاز أمن قوي نشط هو‮ "‬جهاز أمن الدولة‮" ‬فلم يعبأباختفاء‮ "‬صفوان الكاشف‮" ‬او‮ "‬رضا هلال‮" ‬علي الرغم من اهتمامات المصادر الصحفية القومية والمعارضة والمستقلة بالكشف عن لغز اختفائه‮.. ‬فهل نحن هنا أمام عجز الجهاز أم أمام تواطئه‮.‬

ومن الواضح ان ارهاصات الكاتب عن ثورة سوف تنفجر قريباً‮ ‬كانت محل عقد ويقين من نفسه،‮ ‬حيث ذكر ذلك علي لسان‮ "‬همس الجواري‮" ‬الصحفية بالشهاب المدربة بخبرة‮ "‬رضوان الكاشف‮"‬،‮ ‬بل هي صنيعة يده وقبس من فيض فكره السياسي‮: ‬تقول همس لرشيد الكاشف‮ "‬لا تنس أن‮ ‬90٪‮ ‬من الثورات قد نهبت بأشكال مختلفة ومصطلحات‮ ‬غامضة‮ ‬غير مقنعة‮"‬،‮ ‬وهذا دليل علي أن الفساد بأشكاله المختلفة بدا واضحاً‮ ‬للغاية حين صدور صخب الهمس عام‮ ‬2009،‮ ‬ثم يحرض الكاتب او الراوي علي قيام ثورة كاسحة يعبر عنها صفوان الكاشف بقوله‮: "‬الشعوب الآن يقظة وتعرف أين حقوقها المسلوبة،‮ ‬ولن أكف ومعي المخلصون من أمتنا ومن أمم اخري عن فضح السياسات المستغلة‮".‬

لو أننا تأملنا هذا النص‮ - ‬في زمن الرواية‮ ‬2009‮ - ‬لعرفنا أنه سوف تنهض ثورة عارمة لاستعادة الحقوق والثروات المنهوبة،‮ ‬هذه الثورة فجرها شباب ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير وناصرتهم وتوحدت معهم كافة القوي الشعبية والسياسية،‮ ‬ومن ثم لنا ان نقول ان هذه الرواية قد اسهمت مع‮ ‬غيرها من الروايات في تبصير الشباب وهم يعدون لهذه الثورة،‮ ‬لأن افكار هؤلاء الكتاب جميعاً‮ ‬نضجت ونمت في عقول الشباب في‮ ‬غفلة من النظام الفاسد وأمن الدولة،‮ ‬الذي‮ ‬غفل عن أهمية الفكر ودوره في ايقاظ الوعي القومي تماماً،‮ ‬كما تغافل عن اسباب اختفاء‮ "‬رضا هلال‮"‬،‮ ‬واغتيال‮ "‬جمال حمدان‮" ‬وغيرهما من شرفاء هذا الوطن‮.‬

إن نظرة الكاتب في هذه الرواية لم تكن مقصورة علي الحدث المحلي بل تخطته الي التشابك السياسي العالمي،‮ ‬حيث يقول الراوي‮: "‬ضروري ان تراجع الدولة المساندة لسياسة القطب الأوحد سياستها تجاه الدول والشعوب الاخري‮"‬،‮ ‬وكأن الكاتب يؤكد علي أن الشعوب هي الحاكمة‮ ‬وليست المحكومة،‮ ‬وأنها قادرة علي اسقاط الانظمة وتوطيد نظم أصلح للقيادة،‮ ‬وهذا ما احدثته بالفعل ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير‮ ‬2011‮ ‬التي كشفت للعالم كيف يكون سقوط النظام الفاسد بطريقة حضارية حاسمة‮.‬