رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عبدالله طايع يقترح الروحانية حلاً إنسانياً*

بوابة الوفد الإلكترونية

قد تصدم رواية الكاتب المغربي الفرنكوفوني عبدالله طايع، "الكفّار" بعض القرّاء في عالمنا العربي بسبب موضوعها الحسّاس وبعض فقراتها الفجّة.

لكن قيمتها الأدبية الأكيدة والبحث الروحي الذي يوجّه خطى شخصياتها يفرضان علينا عدم إهمالها، خصوصاً أنها مرشّحة في فرنسا إلى جوائز أدبية.
القصة التي يسردها علينا طايع في هذه الرواية يمكن اختصارها على النحو الآتي: بائعة هوى مغربية تدعى سليمة تعيش في حي الإنبعاث بمدينة سلا المحاذية للرباط وتمارس مهنتها التي تعلّمتها وهي صغيرة على أمها سعدية، بمساعدة ابنها الصغير جلال الذي، بدلاً من محاسبة أمه، نجده متفهّماً لوضعها ومتعلقاً بها إلى حد يدفعه إلى التحرك للعثور على زبائن لها، معظمهم من الجنود المتمركزين في قاعدة عسكرية تقع قرب منزلهما.
ومن بين هؤلاء الجنود، تتعرّف سليمة الى رجلٍ نبيل يلعب لفترةٍ قصيرة دور الزوج لها ودور الأب لجلال قبل أن ترسله قيادته إلى الحرب ضد جبهة البوليساريو فيُقتل في الصحراء. وبفضله يكتشف الطفل وأمّه فيلم مرلين مونرو «نهرٌ بلا عودة» فيشاهدانه في منزلهما بلا انقطاع، مما يغذّي مخيّلتهما واستيهاماتهما بحياةٍ أخرى. ولكن بسبب هذه العلاقة، يتم توقيف سليمة وسجنها على مدى ثلاث سنوات بتهمة التآمر على الملك.
وفي السجن، تختبر هذه المرأة أشنع عمليات التعذيب والإذلال والإغتصاب خلال استجوابها. ولكن قبل سجنها، تتمكّن من تسفير جلال إلى القاهرة بواسطة أحد زبائنها الأثرياء، وهي عملية تكلّفها عاماً من العمل مجاناً لدى خروجها من السجن والتحاقها بابنها، بينما تحفر السنوات الثلاث التي افترقت فيها عن هذا الأخير هوّةً عميقة بينهما.
ولأن العناية الإلهية لا تتخلى عن أحد، تلتقي سليمة أثناء عملها في الكازينو التابع لفندق سميراميس في القاهرة برجلٍ بلجيكي يدعى جان ماري فتنشأ علاقة حب قوية بينهما تقودهما إلى الزواج بعد اعتناق جان ماري الديانة الإسلامية. وخلاص سليمة على يد جان ماري، الذي يصبح اسمه مُعاد، يشرّع قلبها على محبة الله فتتخلّى عن حياتها القديمة وتُدرّب زوجها على ممارسة ديانته الجديدة قبل أن تعبّر له عن رغبتها العميقة في الحجّ إلى مكّة المكرّمة لأداء مناسك العمرة.
وفي هذه المدينة المقدّسة، تدخل سليمة في حالة انخطاف فتتوقف تدريجاً عن الأكل وتكتفي بقليلٍ من العصير وبكميات كبيرة من ماء بئر زمزم لشعورها بقدرة هذه الماء على تطهيرها من الداخل وغسل قلبها وتحضيرها إلى ملاقاة ربّها. بعد ذلك، ينتقل الزوجان إلى المدينة المنوّرة حيث تبقى سليمة ساجدة يوماً كاملاً والدموع تذرف من عينيها قبل أن تسلم الروح إلى بارئها فيتم دفنها في هذه المدينة وفقاً لرغبتها.
أما جلال فيسافر بعد وفاة أمه إلى بروكسيل بمساعدة أبيه بالتبنّي

مُعاد ويلتقي، بعد فترة من الضياع، بشاب بلجيكي مريض يدعى محمود كان قد اعتنق دين الإسلام في أفغانستان فتنشأ بينهما صداقة تقود جلال إلى زيارته يومياً في المستشفى حيث يقوم بتعليمه أسماء الله الحسنى باللغة العربية والكتابة بهذه اللغة. وفي المقابل، يصفّي محمود قلب صديقه من الغضب والكراهية ويقنعه بضرورة القيام بتضحيةٍ كبيرة لفتح قلوب البشر على نور الله وتغيير العالم...
باختصار، نصٌّ بأصواتٍ متعدّدة ومكتوب بأسلوب تلغرافي ـ تعزيمي لا يخلو من الشعرية وموقَّع بقطائع زمنية وجغرافية ولقاءاتٍ مثيرة ومفاجئة. ففي كل فصل يغيّر طايع الراوي مجبراً إيانا على التساؤل حول هويته. وإذ يبدأ نصّه بجملٍ قصيرة جداً ومكرّرة، فإنه ينتقل في ما بعد إلى كتابة أكثر فأكثر سلسة وأقل تقطيعاً، قبل أن يختم بنبرةٍ رقيقة وطريفة.
ومن سلا إلى الدار البيضاء مروراً بالقاهرة وبروكسيل، يدفع طايع بنا في اتجاه بحثٍ روحي صرف، بينما تفرض مقاربته للسياسة من موشور الحميمية رؤيةً جريئة لعالمنا العربي تتوافق مع الثورات الحاصلة حالياً فيه. وفي هذا السياق، يرسم بورتريه واقعي لوطنه خلال الثمانينات يظهر فيه هذا الأخير في حالة انحراف خطير، كما يسلّط الضوء على شخصيات مهمّشة تتعرّض لإهانات ومضايقات يومية، ومع ذلك تجهد في التفتيش عن معنى لوجودها.
وبتشييده هذه الشخصيات بغنائية باردة ومنزّهة من أي تنميقٍ أو تجميل، يبلغ طايع في هذه الرواية تلك الفكرة عن أدبٍ يحيا ويتغذّى من الصراعات ولا يتوق إطلاقاً إلى تنفيس التوتّرات والتمزّقات التي تعبره. وهذا ما يحوّل نصّه إلى كتابٍ حيّ يسائل قارئه بلا هوادة ويسعى حتى النهاية إلى تصوير هشاشة وضعنا واختلال سيرنا داخل الوجود، من دون أن يهمل دور الإرادة والنعمة الإلهية في تغيير مصائرنا.


*نقلا عن صحيفة الحياة