رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الكتب الممنوعة في عهد مبارك‮ ‬


الكتابة في عصر الطغاة أشبه بالسير علي الزجاج المكسور‮ .. ‬والكاتب الحر‮ ‬في عصر الاستبداد أشبه بالهارب من ثأر دائم،‮ ‬فهو مضطهد‮ ‬،‮ ‬منبوذ‮ ‬،‮ ‬متهم بالعمالة أحيانا وضيق الأفق أحيانا أخري،‮ ‬ويصبح كل حرف‮ ‬يخطه جريمة ثابتة الأركان صدر الحكم فيها سلفا بالإعدام المعنوي وفي أحيان كثيرة الإعدام شنقا‮.‬

أطرف شعارات العهد البائد أن"الرئيس لم‮ ‬يقصف قلما‮"..‬انتهت النكتة‮..‬فعهد مبارك لم‮ ‬يقصف قلما واحدا بل مئات الأقلام ولم‮ ‬يصادر صحيفة واحدة بل عشرات الصحف‮..‬وبين هذا وذاك كانت أجهزته الأمنية ساهرة علي اعتقال أي حقيقة تتسرب عبر أسطر كتاب هنا أو هناك بأكبر عملية مصادرة للمعرفة والأعمال الإبداعية في تاريخ مصر‮.‬

من أبرز الكتب الممنوعة في عهد مبارك كتاب"الحجاب‮" ‬للكاتب الأمريكي الشهير بوب وود ورد،‮ ‬والذي كشف من قبل فضيحة‮ " ‬ووتر جيت‮" ‬في عهد الرئيس الأمريكي نيكسون،‮ ‬لما تناوله الكتاب في عرضه للحروب السرية للمخابرات الأمريكية خلال الفترة بين عامي‮ ‬81و87‮ ‬من ذكر صريح لاسم حسين سالم الذي أسس شركة باسم‮ " ‬الاجنحة البيضاء‮ " ‬في اوروبا مهمتها تجارة السلاح كغطاء للرئيس مبارك،‮ ‬وقد أثار النائب الوفدي الراحل علوي حافظ حين حصل علي نسخة من الكتاب تلك القصة عام‮ ‬1988‭ ‬داخل مجلس الشعب في استجواب شهير لكنه لم‮ ‬يتلق أي رد،‮ ‬وصدرت التعليمات بمنع دخول الكتاب إلي مصر وحاول بعض ناشري الكتب إلكترونيا شراء‮ ‬الكتاب من خلال موقع‮ " ‬أمازون‮" ‬لطباعته في مصر لكنهم تلقوا تحذيرات أمنية عنيفة‮.‬

وقد تم منع كتب أجنبية عديدة ربما كان آخرها مذكرات الرئيس الامريكي السابق جورج بوش والذي حمل عنوان‮ "‬نقاط القرار‮" ‬وسبب المنع أن بوش ذكر أنه تلقي معلومات من حسني مبارك تؤكد امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل‮ ‬،‮ ‬ليخرج بيان من الرئاسة المصرية في فبراير من العام الماضي‮ ‬ينفي‮ ‬ما ذكره بوش ورغم ذلك استمر حظر نشر الكتاب أو ترجمته داخل مصر‮ .‬

كما حظرت أمن مبارك كافة الكتب والدراسات الخاصة بزعماء وقيادات في جماعة الجهاد وتنظيم القاعدة‮ ‬،‮ ‬رغم أن بعض الدول العربية تسمح بنشر تلك الكتب‮.. ‬ومن بين أبرز الكتب الممنوعة كتب الدكتور أيمن الظواهري القيادي في تنظيم القاعدة وقد نشرت جريدة الشرق الأوسط اللندنية قبل سنوات مقتطفات من أهم كتب الظواهري،‮ ‬وتضم قائمة كتب الظواهري الممنوع تداولها في مصر‮" ‬فرسان تحت راية النبي‮ "‬والذي‮ ‬يؤرخ فيه للحركة الاسلامية خلال السبعينيات والثمانينيات ويحكي عما‮ ‬يعتبره وحشية من جانب نظام مبارك في مواجهة الإسلاميين‮.. ‬وله أيضا كتاب بعنوان‮ "‬الكتاب الأسود‮: ‬قصة التعذيب في عصر حسني مبارك‮" ‬ويسرد فيه قصصا لأعضاء في جماعة الجهاد تعرضوا لتعذيب حتي الموت في سجون مبارك‮..‬وهناك كتاب آخر‮ ‬يتهم النظام السابق بالعمالة والخيانة عنوانه‮ "‬مصر المسلمة بين سياط الجلادين وعمالة الخائنين‮ "..‬ومع اختلافنا التام مع الظواهري وما‮ ‬يحمله من افكار ومبادئ‮ ‬،‮ ‬إلا أن حظر كتاباته وشهاداته عن التعذيب تؤكد حرص النظام السابق علي التعتيم التام علي انتهاكاته لحقوق الإنسان‮. ‬

كما مارس النظام حظرا علي كتابات أخري لعدد من الإسلاميين تخوفا من آثارها علي استقراره،‮ ‬من بينها كتب الشيخ علي بن حاج أحد قيادات جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر مثل كتاب‮ " ‬الإسلام والديمقراطية‮ " ‬و"فصل الكلام في مواجهة‮ ‬الحكام‮ "..‬ونشرت إحدي دور النشر بالأردن تلك الكتب وسعت إلي المشاركة بها في معرض الكتاب الدولي بالقاهرة إلا أنها فوجئت برفض الجهات الأمنية في مصر السماح لها بالدخول‮ ‬،طبقا لشهادة رضا عوض مدير دار رؤية للنشر لـ‮" ‬الوفد الاسبوعي‮"..‬إذ‮ ‬يشير‮ "‬عوض‮" ‬إلي أن معظم الكتب الدينية الخاصة بالشيعة محظور تداولها ونشرها في مصر مجاملة للسعودية‮..‬ومن المعروف أن جهاز امن الدولة كان‮ ‬يضم قطاعا لمكافحة ما‮ ‬يعرف بـ‮" ‬التشيع‮ " ‬وكانت مصادرة وحظر كتب الشيعة إحدي‮ ‬دأدوات المكافحة المعروفة‮. ‬ومن المفارقات في ملف الكتب الممنوعة حظر كتاب‮ ‬يناهض الثورة ضد الحاكم ويعتبرها من الفتن،‮ ‬وهو كتاب‮ " ‬محاسبة الحكام‮ " ‬للمعارض السعودي محمد عبد الله المسعري والذي‮ ‬يرد فيه علي فتاوي تحريم الثورات والقول بأن محاسبة الحكام لا تكون إلا بالنصيحة السرية وأن الخروج عن الحاكم دخول في باب الفتن‮ . ‬مبارك كان حريصا بنفسه علي حظر نوع آخر من الكتب‮ ‬عن معارك أكتوبر التي ظل طوال‮ ‬30‭ ‬عاما‮ ‬ينسب إنجازها لنفسه فقط باعتباره صاحب الضربة الجوية الأولي،‮ ‬ومن ذلك حظره دخول وتوزيع كتابين هامين للفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أكان حرب القوات المسلحة خلال حرب أكتوبر هما‮ " ‬مذكرات حرب اكتوبر‮ " ‬و‮" ‬الحملة الصليبية الثامنة‮ " ‬وصدر كلاهما في الجزائر ومنع دخولهما إلي مصر‮.‬

ويحكي الكتاب الأول تفاصيل حرب اكتوبر وقصة الأخطاء التي وقع فيها الرئيس السادات خلال الحرب خاصة فيما‮ ‬يخص ثغرة الدفرسوار وتطوير الهجوم واتفاقية فصل القوات،‮ ‬وتم منع الكتاب خلال عهد السادات واستمر المنع ساريا خلال عهد مبارك لأن الكتاب عرض حقيقة الدور المحدود الذي قام به مبارك خلال الحرب‮.‬

أما الكتاب الثاني فتناول حرب الخليج الثانية التي عرفت بعملية تحرير الكويت ويعرض فيه سعد الشاذلي في جزئين‮ ‬يزيدان علي‮ ‬1200‭ ‬صفحة قصة تبعية نظام مبارك للإدارة الأمريكية ضد العراق‮..‬ويكشف الكتاب تفصيليا مساندة نظام مبارك لأمريكا في عدوانها الشهير علي ليبيا‮ ‬،‮ ‬ثم مساندته لها في التآمر علي العراق‮..‬حيث‮ ‬يذكر الكتاب صراحة أن‮ "‬مبارك بعث الي الرئيس الامريكي بوش في اغسطس‮ ‬1990‭ ‬رسالة سرية‮ ‬يستعجل فيها ضرب العراق قبل أن‮ ‬ينفجر الشارع المصري‮.. ‬وكان ذلك الكتاب سببا في سلسلة من عمليات الاضطهاد التي تعرض لها‮ "‬الشاذلي‮" ‬وأسرته بعد عودته إلي مصر وكشفتها شهدان الشاذلي كريمة الفريق الراحل في حوار اختصت به‮ " ‬الوفد الاسبوعي‮ " ‬العدد الماضي‮..‬وكان من بين ما لاقاه الشاذلي عند عودته إلي

مصر عام‮ ‬1992‭ ‬أنه تم القبض عليه وسحب جواز سفره وحبسه في السجن الحربي‮.. ‬وأكدت شهدان سعد الشاذلي محاولتها مرارا نشر مذكرات والدها و باقي كتبه في مصر دون جدوي حيث رفضت معظم دور النشر تخوفا من بطش أمن مبارك‮ ‬،‮ ‬وعندما اتفقت مع إحدي دور النشر علي ان‮ ‬يقوم بنشر تلك المؤلفات إلكترونيا اعتذر صاحب تلك الدار عن إتمام المشروع بعد ايام بسبب رفض الجهات الامنية‮ . ‬

كما شهدت الشهور الاخيرة مصادرة كثير من الكتب بعد طبعها في مصر بأوامر من جهاز امن الدولة رغم انه ليس جهة رقابة قانونية‮..‬ومن أبرزها كتاب‮ " ‬البرادعي وحلم الثورة الخضراء‮ " ‬والذي كتبه قبل عام كمال‮ ‬غبريال‮ ‬،‮ ‬حيث فوجيء مدير دار النشر المصدرة للكتاب‮ ‬بقيام مباحث أمن الدولة بالقبض عليه ومصادرة جميع نسخ الكتاب،‮ ‬في وقت قريب أيضا صادرت أجهزة الأمن رواية‮ "‬الزعيم‮ ‬يحلق شعره‮" ‬للأديب النوبي الراحل إدريس علي بعد صدورها بأيام عن دار نشر وعد‮ ‬،‮ ‬وتمت المصادرة مجاملة للزعيم الليبي‮ ‬معمر القذافي المستبد لأن الرواية مست مبادئ رئيسية في الكتاب الأخضر الذي فرضه القذافي علي الليبيين‮..‬كان الاديب الراحل‮ ‬تناول في روايته معاناة المصريين العاملين في ليبيا خلال حقبة السبعينيات مع الاشارة لمعاناة الاسر الليبية من افكار الزعيم خاصة تلك المتعلقة بالنظام الاجتماعي والاقتصادي السائد،‮ ‬وكان إدريس علي قدم الرواية للمجلس الأعلي للثقافة لنشرها ضمن كتب الإبداع فرفض،‮ ‬فذهب بها الي معظم دور النشر فرفضت هي الأخري‮ ‬،‮ ‬حتي قبلت دار‮ " ‬وعد‮ " ‬نشرها‮.. ‬وتعرض الأديب الراحل لحملات‮ " ‬تخويف‮ " ‬إرهاب لعدم نشر الرواية في أي دار أخري ورحل وهي حبيسة أدراج أمن الدولة‮ . ‬

ومن بين أبرز الكتب التي تعرضت للمصادرة كتاب قانوني مبسط بعنوان‮ "‬عشان ما تضربش علي قفاك‮ " ‬لضابط شرطة سابق هو العقيد عمر عفيفي ويستعرض فيه قواعد مبسطة لرجل الشارع للتعامل مع الشرطة وعرضا كاملا لحقوق المواطن القانونية مع أسئلة وأجوبة حول التصرف في كل موقف سواء تفتيش المنزل أو السيارة والتوقيف والاعتصام والتظاهر السلمي،وحكي لي‮ "‬عفيفي‮" ‬المقيم حاليا في واشنطن أنه طبع ثلاثة آلاف نسخة من كتابه صودرت جميعها فاضطر الي اعادة الطبع خارج مصر‮ ‬وتسويقه علي الإنترنت‮. ‬

ويروي علي عبد الحميد مدير مركز الحضارة العربية للنشر أن قيودا عديدة كانت مفروضة علي طباعة الكتب‮ ‬،‮ ‬وكان بعض تلك القيود تمارس علي دور النشر الصغيرة والبعض الآخر تمارس علي المطابع،‮ ‬قائلا‮: ‬أمن الدولة كان‮ ‬يبلغ‮ ‬المطابع بقائمة محظورات‮ ‬يجب الإبلاغ‮ ‬عنها فورا منها موضوعات الجهاد‮ ‬،‮ ‬والإخوان‮ ‬،‮ ‬وكتابات سيد قطب‮ ‬،‮ ‬وأعمال المخابرات‮ ‬،وتناول جرائم التعذيب‮ ‬،‮ ‬وكل ما‮ ‬يتعلق برئيس الجمهورية ورؤساء وزعماء الدول الصديقة،ملمحا لأن عددا من أصحاب دور النشر المستقلين و"الأقوياء‮" ‬كانوا‮ ‬يرفضون تلك الوصاية‮.. ‬ويحكي انه تلقي‮ ‬يوما اتصالا من امن الدولة لطلب أحدث الاصدارات فرد بأنه‮ ‬يمكنهم شراؤها من المكتبات‮. ‬

ويؤكد محمد هاشم مدير دار ميريت للنشر أنه نشر كثيرا من الكتب السياسية المعارضة لنظام الحكم من خلال اللجوء لمطابع لا تخضع لأمن الدولة،‮ ‬ما مكنه من طبع كتاب‮ "‬ضد الرئيس‮" ‬لعبد الحليم قنديل‮ ‬،‮ ‬و‮" ‬الانهيار الاقتصادي في عصر مبارك‮ " ‬لأحمد السيد النجار‮ ‬،‮ ‬وفي بعض الأحيان كانت الأجهزة الأمنية تلجأ إلي إثارة شبهات دينية لمصادرة كتب معينة مثلما جري مع رواية‮ "‬الدنيا أجمل من الجنة‮" ‬لخالد البري والتي كانت تعبر عن‮ ‬يوميات أحد كوادر الجماعات الإسلامية‮ . ‬

ويحكي‮ ‬ياسر رمضان صاحب ومدير دار كنوز للنشر قصة منع العديد من الكتب الصادرة بعد طباعتها وآخرها كتاب عن عائشة القذافي ابنة الديكتاتور‮ ‬الليبي‮ ‬،‮ ‬حيث قامت الاجهزة الامنية بالاستيلاء علي كافة نسخ الكتاب من المطبعة واستدعاء الناشر والمؤلف مجاملة للسفارة الليبية في القاهرة‮ .‬