رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«غفلة، أدّت إلى قتل..»، ولاَ مُؤاخذة..!

قالت البنت لأخيها: أهكذا؟َ!!  هل وصلت؟!!

قال أخوها: هكذا ماذا؟ وصلت إلى أين؟

قالت: اين أنت؟ وصلت إلى قتل جنودنا على أرضنا، ويقولون مصادفة!

قال: من فرط غيظهم من نجاح ثورتنا

قالت: ثورتنا لن تنجح إلا حين نسترد كرامتنا، فيعملون حسابنا فردا فردا

قال: لقد نجحنا واستلمنا الشهادة من كل العالم

قالت: العالم نفسه لم ينجح بعد، ألم يصلك بعد أنها قضية واحدة؟

قال: قضية ماذا؟ وواحدة كيف؟ حاكم فاسد وخلعناه، فحققنا المعجزة

قالت: العالم كله يعاد تشكيله لخدمة قوى المال والاستغلال المتوحش، وكل هذا جزء من ذلك

قال: هذا ماذا ؟ وذلك كيف؟  أنت تربطين كل شىء بكل شىء، ربنا لم يتب عليك من التفكير التآمرى

قالت: أما زلت غبيا  حتى بعد استشهاد جنودنا برصاص العدو، ونحن لم نلمس لهم طرفا.

قال: إن الحكومة قامت بما تستطيع فى حدود الأعراف الدولية، حتى لا نتورط فيما نحن لسنا قدره

قالت: كل هذا التردد، وتقول الأعراف الدولية؟

قال: تريدين ماذا؟ نعلن الحرب لنخربها أكثر ما هى خربة؟

قالت: الحرب قائمة طول الوقت، ولا تحتاج إلى إعلان

قال: كل المرشحين للرئاسة أعلنوا التزامهم باستمرار المعاهدة

قالت: المسألة ليست مسألة معاهدة الآن، قلت لك ألف مرة أننا جزء من لعبة عالمية ، لا أكثر

قال: أنت كنت مع المعاهدة، ألا تذكرين؟

قالت: وما زلت، كنت أريدها  استسلاما حافزا، وليست تخديرا خفيا واسترخاء رسميا ثم شعبيا لضمان استمرار جاثم، فاستقرار فاتر

قال: كانت ضرورية لنبنى أنفسنا فى الداخل

قالت : وهل بنيناها اسم الله،  أنا قبلتها فى مقابل التفرغ لتنمية ثقافة الحرب، لنرد على إخفاقنا فى خوض الحرب بالأسلحة على الأرض، لكننا لم نفعل، ولم نقبض حتى ما وعدونا به ثمن آلام قبولنا

قال: لكن الأمور تغيرت

قالت : بأمارة ماذا؟ نفس الطريقة، كان صاحبك أيضا سوف يطلب التحقيق، ويقبل التعويضات، ويرسل الاحتجاجات، ويسحب ثم ينسحب، ثم يطلب السماح بألف جندى (مصرى!) يدخلون أرضنا (المصرية) لتجنب تكرار الحادث، وكأن شهداءنا هلكوا لتقصيرنا فى تأمينهم!، وخلاص!!

قال: أنت تصوبين قذائف سخطك فى كل اتجاه

قالت: تصور أن صواريخنا نحن هى التى جرحت، ولا أقول حتى قتلت، جنديا واحدا من عندهم، أثناء مطاردة إرهابيا منّا هدد أمننا فى سيناء، فماذا كان سيكون موقفهم؟

قال: لا أعرف

قالت : لا تستطيع حتى أن تتصور؟ كانوا سيحتلون شريطا أمنيا بدعوى أنهم يؤمنون جنودهم، ما دمنا نحن غير قادرين على ذلك؟

قال: لست أدرى، يجوز

قالت: لماذا فى هذا لست تدرى، ولكنك تدرى كل شىء فى ميدان التحرير؟

قال: نفسى أعرف مالذى بينك وبين ميدان التحرير، وأنت كنت أكثر المشاركين حماسا والتزاما؟

قالت: وما زلت.

قال: ماذا جرى لك؟

قالت: ميدان التحرير هو بداية لاسترداد كرامتنا، نحن تهاونا فى كرامتنا فى الداخل، فاستهانوا بحياتنا وكرامتنا فى الخارج، أنا أشعر بالإهانة  من قتل شهدائنا على الحدود، كما كنت أشعر بها من صاحبك الغبى وهو يستهين بى ويسخر من عجزنا عن إزاحته، لو أنه كان يعمل حسابا لنا، لما تطور الأمر به وبنا إلى ما نحن فيه،

قال: وما لهذا بإسرائيل؟

قالت: لو كانت إسرائيل تعمل حساب أننا بشر لنا ثمن يقارب ثمن جنودهم أو جثث طياريهم،  لأحسنت تصويب صواريخها بعيدا عن أبطالنا، لكنها تعرف قيمتنا من فرط استهانته بنا، فهانت علينا أنفسنا، ثم هانت عليهم، وخذ عندك.

قال: يقول مسئولوهم  إنها إصابة خطأ، وسوف يقدمون  اعتذارا غالبا

قالت: إصابة خطأ؟!!  اسم الله!!  ولا مؤاخذة!!  تماما كما يسمون قتل شهدائنا  «ضرب أدّى إلى موت»، سوف يسمون ما حدث على الحدود « غفلة أدت إلى قتل»

قال: كفى سخرية بالله عليك

قالت:  إسرائيل تقيم الدنيا وتقعدها منذ سنوات على أسير واحد عند حماس، وهى تقدم عشرين أسيرا عربيا لحزب الله مقابل جثة طيار، هذه رسائل تصل إلى شعبها أولا بأول، فيشعر المواطن الإسرائيلى أن حكومته  تحترمه، فينتمى، نحن نترك شبابنا المهاجر على القوارب غير المشروعة يموتون بالعشرات دون أن نستمع لهم أصلا، ونكتفى بالدهشة والترحم عليهم، نترك رجالنا يموتون غرقى فى العبارة فنضرب أهاليهم منعا للإزعاج.

قال: انتظرى حتى نرى ما ذا ستفعل الحكومة

قالت: الحكومة لا تعرف ماذا تفعل أمام مظاهرة فى ماسبيرو، فماذا تنتظر منها أن تفعل أمام عدو بهذه القسوة الجبانة؟ مزيد من احتياطات

الأمن؟ أخذ الإذن بإدخال ألف عسكرى أكثر مما اتفقنا عليه فى المعاهدة لنحمى أمننا على الحدود، أو نؤمن بهم أقسام بوليسنا، دعنا يا رجل نبدأ بأنفسنا : أنا آمل أن أرى شيئا آخر تحرك فى داخلنا.

قال: داخلنا ماذا الآن؟ قولى لى  ماذا تريدين منا أن نفعل خارجنا؟ نعلن الحرب؟

قالت: أنت تعلم أننى مع هذه الزفت المسماة معاهدة السلام، لكننى كنت أتصور أنها سوف تكون إعلان استسلام يدفعنا فورا إلى بناء إنسان مصرى آخر، يتخلق من  آلام الاستسلام ودروس الهزيمة

قال: يتخلق كيف؟ وهو يحصل على قوت يومه بالكاد؟

قالت: نحن توقفنا حتى عن الحروب داخلنا:  مرت علينا هذه الثلاثون عاما فاترة خامدة ثقيلة الظل؟ لقد  توقفنا عن كل حركة حتى عن الألم  والحقد الضرورى للحفاظ على التحفز، كان كل هم النظام أن يستقر ليستمر، كنا كمن نتعاطى مخدرات التأجيل، وحبوب منع الغيظ، حتى رحنا نمدهم بالوقود الذى يحرقون به ما تبقى من كياننا سرا وعلانية

قال: لا تحاولى أن تشغلينا عن مطالب الثورة العاجلة من فضلك، أنا أشك أن ما حدث هو حركة مقصودة لننشغل بها بعيدا عن الإلحاح  فى المطالبة بالاستجابة لمطالبنا الثورية

قالت: مطالبنا ماذا؟

قال: هذه مطالب أبدية لا يمكن أن تهتز لأى حادث عابر

قالت: استشهاد جنودنا داخل حدودنا بقذائف عدو يحتقرنا حادث عابر؟

قال: لا اقصد، أريد أن أطمْئِنك أن الذى يدير أمورنا الآن هو المجلس العسكرى، هو الجيش نفسه، والجيش مهمته الأولى هى الدفاع عن حدودنا

قالت: وهل أنا قلت غير ذلك؟

قال: إذن، ماذا تريدين؟

قالت : أريد أن نتألم

قال : تألمى، وهل أنا مانعك؟

قالت: ... أن نتعلم  من فرط الألم معنى أننا بشر، نتعلم معنى حدود الوطن، معنى مصر، أن يكون لنا سعر، قيمة حقيقية

قال: لقد اصبحنا بثورتنا قدوة لشباب العالم، ألا يكفى هذا؟

قالت: هذه بداية، لا بد أن تُختبر بالألم والعمل

قال: لا تكبّرى المسألة ، سوف تحل إن شاء الله

قالت: أريد أن أوصل لك، لنا، أملى أن تصلنا  رسالة مناسبة من هذا الذى حدث تقول: إن حدود الوطن هى أبعد جدا من علامات مرور  ميدان التحرير

قال: أريد أن أعرف ما الذى بينك وبين ميدان التحرير؟

قالت: أنا أحبه وأنتمى إليه أكثر منك، لكننى أريد أن أنطلق منه، لا أن أختبئ فيه، أو أقف عند حدوده

قال: ألم تسمعى أنه أصبح نموذجا لكل ميادين مصر

قالت: أنا الآن لا أتكلم عن ميادين مصر، أنا أتكلم عن مصر كلها، مصر الناس.

قال: مصر هى مجموع ميادين مصر

قالت: بل هى مجموع ناس مصر، بل إنها بفضل التفكير التآمرى عينة مما يجرى فى العالم

قال: إياك أن توسعى القعدة كعادتك

قالت: هى واسعة خلقة، لو تأخذ بالك.

قال: إن شاء الله

قالت: اسم الله!!

أستاذ الطب النفسى

كلية الطب جامعة القاهرة

 www.rakhawy.org