رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

»ديمقراطية«.. حسب طلب الزبون!!

أقسم بالله العظيم ثلاثا أنني موافق علي الديمقراطية جدا، بأمارة الانتخابات بإذن الله، جدا.

لكن المسألة ليست بهذه البساطة، لو سمحتم، ذلك أنه توجد أنواع كثيرة من الانتخابات ترتب حسب الغرض منها، بإذن الله.

أنا في حال صعبة: قبضة من فولاذ سائل تعصر قلبي برغم أنني مصر أن أحتفظ بتفاؤلي المؤلم، الهم يحيط بي ويطرد التفاؤل الرخو، فيزيد همي دون أن أنسحب، فيحضرني صالح عبد الحي وهو في غاية الوجد الإبداعي وهو يكرر: "الله المدبِّر والدنيا شئونْ، لا تـُكثرْ لهمـَّك ما قـُدِّرْ يكونْ"، فيصلني الفرق بين الهم، والغم، والحزن الشفيف، وأحاول أن أصبر نفسي بمزيد من احترام اللغة السائدة، والواقع المر الخطر معا، من أول الالتزام بنتيجة الاستفتاء الذي لا أشك لحظة في ديمقراطيته، حتي الانشغال بإشكالة الانتخابات البرلمانية قبل الرئاسية أم العكس، ثم الدستور بالسلامة، أو العكس، ويتضاعف همي، فيقفز الشيخ صالح من جديد ينبهني ألا أكثر من همي، فتحضرني كلمات موازية أكثر تناسبا مع واقع الحال، الآن، تقول:

إلـزمْ النتيجـــة           واترك كل دونْ

واسألـْهُ السلامة                   من دار الجنون

لا تُـكثر لـهمَّـك ما قـُـدِّر يكون

لا يضيق صدرك                 فالحدَث يهون

والبركة فْ جماعتك             والدنيا شؤون

لا تُـكثر لـهمَّـك ما قـُـدِّر يكون

هـمَّك واهتمامّك                   كلـُّه لا يفيد

بالأمر اللي هوّه                   يحصل المفيد

ياللا خلّ عنّك                     والزمْ السكون

لا تُـكثر لـهمَّـك ما قـُـدِّر يكون

 

لا تِشغلـْلِي بالك،                  بل خفـِّـف تعوم

دا مجلس مـُجهَّز                 مش مجلس عموم

لا تُـكثر لـهمَّـك ما قـُـدِّر يكون

و"الأمـنْس الجديد                 إنـهُ يـَراك

شايفك وانت نايم                  أو باصص وراك

كله في الهوامش                   والمتون متون

لا تُـكثر لـهمَّـك ما قـُـدِّر يكون

وهكذا أرضي أن تسير المركب بقيادة أي طاقم متاح، وما قـُـدِّر يكون، أنا موافق، ومع أن موافقتي هذه لا قيمة لها، واعتراضي أيضا لا قيمة له، فسوف أواصل تعرية الديمقراطية حتي وأنا أتبع المتاح منها، دون أن أشعر بأي تناقض: هل هي ديمقراطية قديمة ومعلبة ومجهزة بما يليق بنا (علي قدّنا)، أم أنها من النوع الأصلي؟ وحتي النوع الأصلي سوف أواصل تعريته فكثير منه ظاهره الديمقراطية، وباطنه اغتيال الشعوب، واستعمال البشر،  برضاهم (بأمارة صناديق الانتخاب الشفافة!)

هآنذا يا شيخي العزيز محفوظ وافقت أن أكون ديمقراطيا رغم أنفي، لكنني سوف أظل انبه أنها موافقة لها عمر افتراضي، ولها شوك اعتراضي، وهو الشوك المؤلم الذي سوف يدفعنا باستمرار أن نظل نبحث حتي نبدع الأفضل لكل الناس، حتي نجد البديل، وهو أمر ليس سهلا علي مستوي العالم، ولكن ليس لنا خيار.

أنا أعرف أننا لن نجد بديلا أرقي وأبقي، إلا بمعاناة مؤلمة وإبداع جاد، أحيانا أتصور أن الحكم الشمولي الصريح القبيح قد تكون له ميزة أنه أقصر عمرا من ديمقراطية مغشوشة مخادعة، وبالتالي فقد يكون الأفضل لأنه يعري نفسه بنفسه، حين يمارس الظلم ببجاحة ووقاحة، فهو بذلك يحفز رفضه، ويثير غضب الناس الذي يتراكم بطبيعته حتي تتولد طاقة انفجار كافية، ثم تتفجر، وتزيحه، أما الديمقراطية التي تقدم إليك في طبق من الدسم، وبه من المخدرات ما يكفي لحبسك في غيابات التخلف عقودا، أو تستدرجك إلي ألعن أنواع الاستعمار الذي قد لا يكتفي باستعمار أرضك، أو اقتصادك، بل يمتد إلي استعمار فكرك ومشاعرك، أو استعمار إيمانك وتدينك، أستغفر الله العظيم.

استعمال الديمقراطية الخبيث لتحقيق أهداف غير ديمقراطية قد يشبه الاستعمال غير الأخلاقي لعلم الإحصاء، في البحث العلمي، وأحيانا في مناورات الاقتصاد وألعاب السوق. معظم الناس يفترضون أن لغة الأرقام الخارجة من معادلات الإحصاء هي لغة موضوعية جدا جدا، وأنها الدليل العلمي الموثوق به لمعرفة الحقيقة، أو توصيف الواقع، وهذا أمر يحتاج حذرا ونقدا شديدين، وما زالت فضيحة إنفلونزا الطيور ثم إنفلونزا الخنازير تنبهنا كيف استغلوا رعب الناس، واستسلامهم للأرقام المجردة، في التربح بغير وجه حق، (الأهرام العربي 11 الجاري: سبوبة استفادت منها شركات الأدوية: كلفت العالم - الثالث بالذات- تريلوني دولار).

يوجد علم فرعي يسمي »إخلاقيات الإحصاء«، يحاول أن يعري الخبث وراء بعض ألعاب الإحصاء، حين يقدم أخصائي الإحصاء للمسئول الاقتصادي، أو للعالم الباحث من المعادلات والمعاملات الأحصائية ما يحقق به غرضه المسبق،  بمعني أن يقوم الإخصائي بتقديم المعادلة التي تحقق للباحث أو المسئول الاقتصادي ما يخدم غرضه الأخفي الذي يصب عادة في امتلاك المزيد من المال أو السلطة علي حساب العلم الحقيقي وصالح الناس، ويختصر هذا الموقف في قول شائع يقول "إن الإحصاء يمكن أن تــُـثبت أي شيء، حتي الحقيقة"،

أرجو ألا أشكك بذلك في كل التعامل مع الأرقام ومع الإحصاء، فقط هي معلومات للتحذير فالنقد.

بمجرد أن تقول "ديقراطية "، يققز إلي ظاهر وعيك آليـّتان: حرية الرأي، وصناديق الانتخاب، ولا حرية الرأي هي

نهاية مطاف الحرية، ولا صناديق الانتخاب هي المعبرة دائما عن حقيقة أبعاد المشاركة في اتخاذ القرار فالمسئولية، إلا بمقدار مصداقية كيفية الإعداد لها، وليس فقط حراسة إجراءات تنفيذ هذا أو ذاك.

خذ مثالا لنموذج أصغر وهيا نفحص هذا المطلب الذي يطالب به أغلب أعضاء هيئات التدريس بالجامعات حاليا (وسابقا) وهو : تعيين العمداء بالانتخاب، ثم انظر حولك وسوف تجد أن الابتسامات قد علت الوجوه، وروائح الديمقراطية المقدسة هبت، وكأنه من البديهي أن الانتخاب سيأتي بأفضل العناصر لأنه نابع من رأي أغلب الأساتذة !! فهل الأمر كذلك؟

لقد عاصرت لعدد من السنوات نظام العميد بالانتخاب، ولم تكن الانتخابات تأتي بالأفضل أو بالأقدر دائما، كانت تأتي عادة بالأذكي اجتماعياً، والاكثر جاذبية (كاريزما) والأجهز خدمات شخصية وتشهيلية، وكلام من هذا، بل إن الدعاية للانتخاب (بين أساتذة يمثلون صفوة المثقفين والعلماء) كانت تتجاوز الحدود الأخلاقية والقانونية أحيانا، وتتعري المسألة أكثر حين يكون الانتخاب لدورة ثانية، فنلاحظ كيف تزيد خدمات العميد لمطالب الاساتذة الذاتية، وكيف تتراجع اللهجة الانضباطية، وكيف تمهد المتابعة لأداء الكبار لتتركز علي الأصغر فالأصغر، ويفوّت العميد للأساتذة لانهم يمثلون أصوات الناخبين الذين بيدهم أن يسمحوا له بمدة ثانية، وتمتد المجاملات، والتسهيلات، حتي تشمل بوجه خاص أولاد الأساتذة وبناتهم إن كانوا في نفس الكلية، وقد وصل الأمر أحيانا أن يتصل العميد، أو من يؤيده قرب الامتحانات بفلذات أكبادنا!! هؤلاء: ليطمئن علي مستواهم، ويسألهم عن أي طلبات لهم إزاء أيها حاجة، وكلام لم أصدقه، ولم أنكره، ولن أذكره، علما بأن لي ولداً وبنتاً كانا طلبة في الكلية.

روح يا زمان تعال يا زمان، عاد العمداء يعنون من أعلي، فتحوّلت بوصلة الاتصالات إلي فوق، وحلت الاهتمامات السياسية فجأة محل العلم والإدارة والاتصالات الاجتماعية، وأصبحت المجاملات والتربيطات تجري مع الحزب والسلطة والسياسات والهانم، بدلا من الأساتذة وأبنائهم وبناتهم داخل الكلية

بصراحة: هل يمكن الإجابة عن تساؤل يقول: أي النظامين هو الأقرب إلي الديمقراطية؟ أن ترشو الأساتذة وأبناءهم وبناتهم بالمجاملات والذي منه؟ أم أن تعرف الطريق إلي الكرسي بالتواصل مع الحزب ورجال الحزب، والهانم ومعارف الهانم،  ومَن حول هؤلاء وأولئك؟

حين لم أعرف كيف أجيب عن هذا السؤال، تقدمت باقتراح رسمي (1982في كتاب مطبوع (أسمار وأفكار)، يثبت أنني ديمقراطي حتي النخاع، وهو: أن تتسع دائرة الناخبين حتي تشمل المعيدين والمدرسين المساعدين وطبعا المدرسين والأساتذة المساعدين، وبررت ذلك بأن هؤلاء جميعا ليس لهم أولاد وبنات في كليات الطب بعد، وأنه من غير المنطقي أن نسمح لمن هم دونهم سنا وتعليما وثقافة بانتخاب رئيس الجمهورية، ثم نحرمهم من انتخاب عميدهم باعتبار أنهم لم يبلغوا سن الرشد الانتخابي (سن الأساتذة ومناصبهم).

وطبعا لم ينظر في هذا الاقتراح أصلا ويبدو أنه كان يحتاج استفتاء مسبقا مثل دستور هذه الأيام وهكذا عدت أتساءل:

أي نوع من الديمقراطية يهيئ الفرصة لمن؟ وإلي أين؟

وأي مستوي من الوعي والمسئولية يخاطب المرشح ناخبيه ابتغاء مرضاة الله والوطن.

ويكثر همي، فيأتيني صوت الشيخ صالح ألا أكثر من همّي وأنجح أحيانا، وأفشل كثيرا، ويزداد همي، وأزداد مسئولية من واقع ألم تفاؤلي!!

وربنا يستر

www.rakhawy.org