رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لم يبق إلا أن يدخلوا امتحان السلطة

 

ما حدث قد حدث، وهو جيد جداً، حتي لو انتهي إلي كارثة، فعلينا أن نستمر حتي نجعل من نفس الكارثة ما هو جيد جداً. لم يعد التفاؤل اختيارا، ليس في مقدور أي واحد يحب هذا البلد، أو مدين له بأي دين مهما صغر، إلا أن يتفاءل، ذلك النوع من التفاؤل الذي يلزم صاحبه أن يساهم في تحقيقه، بدءًا من الآن، الذي لا يتألم مع مثل هذا التفاؤل لا يعرف مسئولية التفاؤل.

لم نعد نحتاج إلي تحليل ما جري، كفي تحليلا وتفسيرات نفسية وتاريخية وأخلاقية وفكاهية، بل لا ينبغي أن يشغل عامة الناس الجادين محاسبة الذين أجرموا في حقنا، مهما بلغ جرمهم إلا بمقدار ما نتعلم منه كيف نحول دون ذلك في مستقبل الأيام، أما الردع الخاص، فهو قد أصبح حالا مهمة القضاء 100٪، نعم الأمر الآن في يد القضاء حقيقة وفعلا، ولا يوجد مبرر موضوعي أو وطني أو أخلاقي يسمح لنا بالتشكيك في هذه المؤسسة التي تبشر ببدء استعادة عافية المؤسسات الصالحة اللازمة لتشكيل دولة لها معالم وقدرات، وحتي لو شككنا في موضوعية بعض أحكام القضاء التي تختلف معها عواطفنا أو آمالنا، فهناك درجات أعلي فأعلي للتظلم واستئناف الأحكام أصبح الواقع الآن، بوعوده الثورية، وإنذاراته الكارثية هو أقوي التحديات.

لم يعد خافيا علي أحد هوية الذين سوف يحكموننا في الفترة القادمة، سواء جاءت الانتخابات البرلمانية قبل الرئاسية أو العكس فالأمور قد استبانت بشكل شديد الوضوح، ليس معني هذا أن تكف القوي المنافسة عن بذل قصاري جهدها طول الوقت في محاولة حفظ توازنٍ ما، قد يكون مثل هذا التوازن بداية لما يسمي الديمقراطية القادرة علي أن تقلب الكارثة إلي تجربة قادرة علي أن تنمو وتنضج وتتطور حتي تصبح جديرة بأن تكون "ثورة". كما وعدت في البداية.

الذين سوف يحكموننا - أيا كانوا - سواء كانوا من هم في ذهني، أم كانوا منافسيهم ممن لا أعرف، لا بد أنهم يعرفون ما ينتظرهم من مهام ، وما وصلنا إليه من صعوبات، وما يحيط بنا من مخاطر في الداخل والخارج، ولو استطعنا - من موقف التفاؤل المؤلم أيضا - أن نحترم الانطباعات الأولية التي تصل إلي كل ذي منطق سليم، حتي مع افتراض، أي تآمر مسبق أو تحريف مقصود، فعلينا أن نمضي نحن في طريقنا ما دمنا نتغني بكل هذه الديمقراطية التي يبدو أنها -رغم تحفظاتي الشخصية - هي المعين الآن، علينا ابتداءً، أن نبدأ بتقدير تضحيات من يتصدون للمسئولية مشكورين هذه الأيام ونحن ندعو الله لهم بنور البصيرة، لأنه وقد وصل الحال إلي ما وصل إليه الآن لو أنهم أدركوا ما ينتظرهم من أعباء، فلا شك أنهم يستأهلون كل عرفان مبدئي.

آن الأوان أن نتجاوز مرحلة طرح الأسئلة المعادة منذ أكثر من مائة يوم، آن الأوان أن نكف عن مواصلة البحث عن تفسير لتصرفات السابقين ما دام الأمر قد أصبح في حكم الماضي، اللهم إلا بقدر ما نحاول أن نعرف آلياتها لنحول دون تكرارها، آن الأوان أن نتحمل معا، مهما بدت مشقة الاختلاف أو الخلاف، ما صرنا إليه باعتباره مشروعا جيدا جدا نحن نستحقه بكل جدارة، مشروع ثورة فتنمية فإبداع فحضارة (تأكيدا للتفاؤل السالف الذكر)، آن الأوان أن نستعد للجولة القادمة، أو حتي للثورة القادمة بكل وسيلة بدءا من هذه اللحظة (ولهذا حديث آخر)، علي المتفائل المتألم المسئول أن يتمني ويفترض النجاح لمن سوف يتولي الأمر، كل ما علينا هو أن نصر ومن الآن علي إرساء نظام لا يضطرنا إلي خلع هذا المسئول القادم وتثبيته إلا في ساحة القضاء، أو ساحة الانتخابات، حتي لا نضطر إلي الإسراع بفوضي قادمة لا يمكن التأكد هل ستكون خلاقة أم عكس ذلك، التاريخ يعلمنا أن الثورات ليست نزهة يومية لأي بلد يبني نفسه، ويريد أن يعيش أبناؤه تحت سقف دولة تنتج، وتتقدم، وتحمي ناسها وتضيف إنجازاتها.

البداية الآن هي من واقع جديد جديد جديد، وعلينا أن نضع كل الاحتمالات بطريقة أخري غير ما كدنا نمارسها في المائة يوم الماضية، علينا أن نعد أنفسنا للتكيف مع المسئولين القادمين بإذن الله، ونحن نقدر جهدهم ونفترض تمام انتمائهم ونتوقع أصالة إبداعهم، فإن وفـِّقُوا بالسلامة وتعافي الاقتصاد، وازدهر الإبداع، وانتشرت الحرية، وعادت القيم الأصيلة، وتواصل الكدح الإيماني فالخير سوف يعم الجميع، أما إذا فشلوا في تحقيق مطالب الناس، وتوفير أمنهم، واحترام إنسانيتهم، والحفاظ علي كرامتهم، فلنستعد لإتقان استعمال آلية إيقافهم باكرا

حتي لا يتمادوا في فشلهم. قليل من الخيال قد يساعد علي فهم الموقف أفضل.

علمني شيخي نجيب محفوظ أن الديمقراطية - كل عيوبها - هي القادرة علي تصحيح أخطاء الديمقراطية، وبصراحة لم أتقن الدرس بعد، نحن نتصور أن هناك من ينتهز الفرصة الآن ليركب الموجة لصالحه أو صالح فئته أو لصالح جماعته أو لصالح حزبه دون الناس، أو حتي علي حساب الناس، نتصور أن منهم من يستغل عواطف الناس البدائية وغير البدائية، ومنهم من يدغدغ آمالهم في الدنيا وأيضا في الآخرة، وأن من المحتمل ألا تكون كل جهوده خالصة لوجه الله أو الوطن، وأنه يستغل طول حرماننا، وجوع أطفالنا داخلنا وخارجنا، ليركب المحمل ويقود الركب إلي صالحه، أو صالح فريقه دون سائر الناس، ليكن، فليدخلوا امتحان السلطة، وعلينا أن نتحمل مسئولية استمرار بقائهم ما استطاعوا البقاء، كل ما يمكن أن يؤمننا هو أن نرسي، الآن ضمانات آليات التغيير المتحضرة، فلا نتوقف عند الفرحة باحتمال تكرار تغيير كان ضروريا في ظروف استثنائية، إن فشلهم - لا قدر الله - لابد أن يفيقنا - إن كنا نستأهل - من الخدعة، وساعتها قد نكون قد استوعبنا الدرس، وتعلمنا أنه لا أحد - خصوصا في العصر الحاضر - يختار (وينتخب) بعقله الموضوعي جدا، نحن نختار بوعينا، وعواطفنا، وغرائزنا، وبعض ظاهر عقولنا وكل هذا ليس دائما في بؤرة شعورنا، لكن الممارسة والزمن يقربانا بالتدريج إلي مزيد من الموضوعية.

من يهمه أمر هذا البلد، ويريد أن يساهم طول الوقت بما يستطيع عليه أن يحترم الواقع الحالي ويبدأ منه، ويساهم في إنجاحه سواء انتمي إلي من يلي السلطة أم لا. نحن لا نحتاج أن نضيع الوقت ونواصل المناقشات النظرية ونحن نحكم علي بعضنا البعض بالكلام قبل خوض التجربة، إن من يتصدي لتولي السلطة، وينجح حتي في الضحك علينا، فليتفضل، وليدفع الجميع ثمن الضحك عليه، حتي لو كان قد قاوم ذلك ما أمكنه ذلك، وليستعد للجولة القادمة وهو أكثر يقظة وتوقيا من أن يخدع مرة ثانية، ولنخرج من التجربة وقد تعلمنا كيف نلزمه بدفع ثمن فشله بأن نخلعه، ثم نتحمل معه مرغمين بعض نتائج فشله، نخلعه بالقضاء أو بالانتخابات ما دمنا قد أرسينا القواعد الجديدة.

لكي يتواصل نمو شعب صبر كل هذا الصبر، ودفع كل هذا الثمن، علينا أن نتعلم من الفشل مثلما نتعلم من النجاح كل ذلك يتطلب منا أن نجتهد غاية ما في وسعنا أن نحدد مقاييس النجاح والفشل، ليست فقط بعدد الملايين في ميدان التحرير بل بعائد مظاهرات ميدان التحرير، وليس بعدد المدارس في محافظة كذا، بل بعدد التلاميذ وساعات الدرس الحقيقية داخل الفصول، وكل هذا يحتاج إلي تفصيل لاحق نبين فيه أبعاد المقاييس الزائفة قصيرة الأجل لأداء المسئولين، في مقابل المقاييس الموضوعية والحضارية التي يمكن أن نقيس بها أداء المسئولين القادمين ومن بعدهم ومن بعدهم (ربنا يسهل) أولا بأول. وربنا - أيضا ودائما - يولي من يصلح.

www.rakhawy.org