عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الدين لله والوطن لله والجميع لله

 

يكاد لا يوجد شعار أكثر شيوعاً حتي التقديس، خصوصا هذه الأيام، من شعار »الدين لله.. والوطن للجميع«، اللهم إلا شعار »الإسلام هو الحل« وكلاهما يحتاج إلي مراجعة ومراجعات.

ظل هذا الشعار غالبا منذ ثورة 1919 حتي أول أمس في لقاء اللواء أركان حرب إسماعيل، واللواء أركان حرب محمود حجازي رئيس هيئة التنظيم والإدارة وفداً من رجال الدين المسيحي وأقباط المهجر، وخرج الجميع سعداء وهم يرمغون هذا الشعار وخلاص!. كم اختلفت مع شيخي نجيب محفوظ حول تقديس هذا الشعار، ولم أكن أعرف ارتباطه بثورة 1919 لكنني كنت أعرف ارتباط شيخي بسعد زغلول، فالنحاس، وكما فشل شيخي في إقناعي بالديمقراطية إلا باعتبارها - مرحلياً - أحسن الأسوأ، فشلت بدوري في إقناعه بأن حياتنا ليست »تورتة« نقسمها بيننا وبين الله (سبحانه) فنحتفظ بالوطن، ونتقدم إليه بـ...، أو نقدم له: الدين!!

المصيبة أن هذا الشعار الذي نشأ مصريا، وربما وفدياً، وتحديداً في مواجهة مستعمر أراد أن يلعب لعبة »فرّق تسد« أصبح هو الشعار المفضل عند كل من يتصور »أنه الحل«، كلما وقعت مصيبة سوداء تكاد تصل إلي حد الكارثة، التقي الكبار وأحيانا الصغار، مسئولين رسميين، وقادة أديان طيبين، وهات يا أحضان، وهات ياقبلات، وهات يا »الدين لله والوطن للجميع« وينفض السامر راضين أو مهللين أو مخدرين، ولا يفيقون إلا والمصيبة التالية تعلن نفسها بنفس التحدي وأكثر، ثم إنه تم مؤخرا تدعيم هذا الشعار بتسبيحات مساعدة مثل »الديمقراطية هي الحل«، وإنجيل حقوق الإنسان (المكتوبة والمطبقة انتقائيا) هو الحل، لتصبح هذه المقاييس الجديدة بمثابة »الحلال والحرام«، حسب »فقه دين العولمة الجديد« مع اختلاف أنبيائه من بوش إلي أوباما  إلي بيرلسكوني إلي ساركوزي مع إخفاء شياطين الشركات العابرة، والقوي المالية الغادرة، وأخيرا تسبيحات جديدة تختم بها صلوات أي اجتماع عصري، مثل أن تردد كلمة »المواطنة« تسع وتسعين مرة أو تسبح باسم »الدولة المدنية« ثلاث وثلاثين مرة، بخاصة صلوات صندوق القهر الدولي.

أين يقع هذا الشعار من وظيفة الدين الحقيقية وكدح الإبداع إيماناً نحو وجه الله؟

الفكرة الأساسية: تختلف الحياة اختلافا نوعيا إذا ما كان الله سبحانه هو محور الوجود البشري بالداخل والخارج، بكل التفاصيل، بمعني التوحيد الذي جاء في الإسلام، وربما بمعني التناول في المسيحية، كتبت في ذلك في مقال قديم (الأهرام: 14 مايو 1999) أوضح معني »وجود الله في الوعي البشري« ولم أحاول أن أستهدي بنصوص دينيا خشية الحرج، فاستلهمت بعض الإبداع، إحدي أهم تجليات الإيمان، قلت: تناول ديستويفسكي حضور الله سبحانه في وعي الإخوه كارامازوف واحداً واحداً ليعلن بطريق مباشر أو غير مباشر أن هذا المتغير حضور الله في الوعي هو أساسي في بناء الشخصية، ومن ثم في تحديد نوعية الحياة، بحضورها الآني في الفعل اليومي، يستوي في ذلك تسليم إيفان الملحد بأنه »إذا فقدت الإنسانية هذا الاعتقاد بالخلود فسرعان ما ستغيض جميع ينابيع الحب.. »و« أكثر من ذلك أنه لن يبقي شيء، يعد منافياً للأخلاق، وسيكون كل شيء مباحاً، أو رأي ديمتري أنه: أنك إذا أنكرت الله تنتهي إلي زياده سعر اللحم«.. إلخ.

كذلك ظل نجيب محفوظ يلح حول هذه القضية بكل إصرار ومثابرة من أول زعبلاوي حتي الحرافيش إلي أصداء السيرة، مارين بـ »الطريق« دون استبعاد أولاد حارتنا، وصريحا في صرخة عمر الحمزاوي في نهاية الشحاذ، وقد خلصت من نقدي له في معظم ذلك بأن وصلتني رسالته وهو يقول: إن وجود الله هو ضرورة حيوية ليكون البشر بشراً، وأن هذه القضية يستحيل أن تكون مجرد مسألة منطقية شبه عقلية، أو حتي أن تختزل إلي استسلام ديني غيبي.. ولن أستطرد بعد ذلك في شرح هذه المسالة حتي لا أخرج عن هدف المقال الأصلي الذي يقول: إنني أزعم أن هذه المسألة: »وجود الله سبحانه كمتغير فاعل طول الوقت« هي الجوهر الذي ينبغي أن نعتني باستعمال الأدوات الأحدث لبرمجته بطريقة تميزنا نحن، وفي الوقت نفسه قد تضيف إلي احتياجاتهم ما يمكن أن ينقذهم من أوهامهم حول الاكتفاء بالحرص علي الرفاهية والتنافس الكمي المتنامي، والاستغناء عن الله بآثاره الفنية في إبداعهم؟

إن الحياة البشرية تختلف نوعياً إذا كان الله موجوداً فيها طول الوقت عنها إذا ما أنكرناه أو أبعدناه أو حددنا أوقات لقائه أثناء العبادات أو أيام الأحاد أو الجمع!.. ولعل هذا، في رأيي، هو الفرق بين الإسلام الموقف الوجودي، وبين الإسلام المغترب، او المختزل، او الإسلام المستعمل من الظاهر لتولي سلطة، أو لممارسة الوصاية علي سلوك وإبداع البشر.

إنني أتصور أن المسألة كالآتي:

هناك نوعان أساسيان من الوجود البشري يمكن أن نتحقق بأيهما عند المتدين، »أو من يدعي ذلك« وأيضا عند غير المتدين »أو الذي يتصور ذلك«.

النوع الأول هو النوع الذي يقف شامخاً فخوراً حتي الغرور، لينتهي عند أعلي نقطة فوق هامة الإنسان وقد زانه عقله ولمّعته أدواته، »وهو ما يمثله اغلب ما يسمي الحضارة الغربية الشمالية التكنولوجية.. إلخ«.

والنوع الثاني هو الذي تمثله الحضارات الايمانية التوحيدية التواصلية النابضة الممتدة إلي ما لا يحد من وجودها عقل ظاهر، أو وصاية آلة محدودة أو قهر سلطة.

وأتصور أن وجودنا الممتد »نحن المصريين« من آلاف السنين مشدوداً بالخلود دائراً حول التوحيد، مازال يمثل أو يمكن أن يمثل النوع الأول، كذلك أتصور أن كل المؤمنين من كل الأديان، ذلك الإيمان الفطري الأولي الذي يتجلي في ممارسات دينية مختلفة، متضفرة، وضامة في أن، ينتمون أيضاً إلي هذا النوع الأول من الوجود، أما النوع الثاني: فهو ذلك النوع الذي تمثله الحضارة الشمالية الغربية قبل إفاقتها مؤخراً وهو نوع لامع البريق وافر الرفاهية كثير المواثيق المكتوبة رائع الإنجاز رضي بواقعية آنيه أعفته من الإفراج عن وعيه الأعمق الممتد عبر البشر وعبر الأكوان.

فهل يمكن أن يظل الإنسان إنسانا إذا هو تمادي في صياغة حياته المعاصرة بمزيد من التقنيات والإمكانات الجديدة، وفي نفس الوقت راح يهَمّش هذه الحقيقه، »أن الله موجود«، تهميشاً يهدد بفقد التوازن فالإنقراض، أم أنه قد آن الأوان لإفاقة شاملة في الوقت المناسب لكي نعد برمجياتنا ونحن نضع هذا المتغير الرائع »أن الله موجود« في الحساب.

أتوقف هنا مضطرا لأتساءل: هل يخطر علي بال الذين يتلمظون لتولي السلطة في هذه المرحلة كيف يمكنهم أن يحققوا لنا نوعا من الحياة تليق بما هو التوحيد الحقيقي، والامتداد من حبل الوريد نحو كرسيه تعالي الذي وسع السماوات والأرض؟.. فإن لم يكن هذا الأمر هو ما يهمهم في المقام الأول، فلماذا يحرصون كل هذا الحرص علي تولي السلطة وكيف يكون الإسلام هو الحل؟

الإنسان المعاصر أحوج ما يكون إلي استعادة التوحيد الحقيقي والامتداد الحقيقي والإيمان الحقيقي الذي هو جوهر الإسلام الحقيقي؟

صحيح أنه لم يعد هناك مجال لهبوط الوحي علي نبي جديد علي الرغم من ظهور ديانات شاذة ومريبة كل يوم في كل مكان يسمح بذلك، لكن الأصح أننا استبعدنا فاعلية الأديان القائمة بالجمود أو بالإنكار فلم تعد تصلح - بصورتها المختزلة والمشوهة - أن تصبح فعلاً يومياً نحدد به ما حاولت بيانه في هذا المقال من اختلاف نوعية الحياة إذا انتهت عنده هامة الإنسان الفرد أو الإنسان النوع، عنها إذا امتدت بلا حدود عبر الأكوان سعياً إلي وجه الله طول الوقت.

إن استبعاد حضور الله سبحانه في وعي البشر طول الوقت ليس فقط خطيئة وخسارة من أنكروه تعالي، أو من همشوه، بل إن هذا الاستبعاد ساهمت فيه بعض الممارسات الدينية السطحية، خاصة المركزة علي امتلاك مقاليد السلطة دون استعادة التوحيد، وقهر الشرك بكل تجلياته، وإطلاق كدح الإبداع في العقل البشري من الفعل اليومي العادي حتي تجليات الإبداع.

www.rakhawy.org