رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

النظام.. يدفع الثمن

بعد السماح: دعونا ابتداء نفترض أنه لم يحدث تزوير بدرجة تفسر هذه النتائج العظيمة جدا جدا!

إذن ماذا حدث في بلد يتمتع بهذا النظام الديمقراطي "الوطني" الجديد، وهو يتعامل باستعباط حديث مع شعب قديم عظيم؟ فيخدعه الشعب هكذا بأن يورطه فيما يبدو أنه لا حل له إلا تحلل النظام كله؟

كنت قد كتبت مقالا للنشر هنا الأسبوع الماضي، قبل إعلان نتائج الجولة الأولي، تخيلت فيه النتائج النهائية، بنسب أقرب إلي الواقع، مثلا  الوطني: 152 مقعدا بعد انتخابات الإعادة، والوفد 101 مقعد.. إلخ.. إلخ..، وتصورت - بهذه النتائج - استحالة التجانس لتشكيل وزارة مسئولة.. إلخ، لكن يبدو أن ظروف التحرير حالت دون نشر هذا المقال في حينه.. فحمدت الله، فهي فرصة لقراءة أخري لنتائج الواقع.

اليوم السبت الموافق 4 ديسمبر صدرت الأهرام الغراء يتصدرها مقال لرئيس مجلس الإدارة بعنوان "المفاجأة الكبري"، وهو مقال منطقي جيد، يعدد فيه أسباب النجاح الحقيقي للحزب الوطني، ولا ينكر بعض التجاوزات (التي وصلت إلي أنه وصفها: بالمخالفات الفادحة) لكنه يثبت - ودعونا نصدّق - أنها نسبة محدودة، بالمقارنة بعدد اللجان الذي جرت فيه الانتخابات بقدر معقول من الانضباط، (حوالي 1053 - ألف وثلاث وخمسين - مخالفة فادحة إلي 44000 - أربعة وأربعين ألف موقع انتخابي)، وفي نفس اليوم كتب رئيس تحرير أخبار اليوم مقاله الرئيسي بعنوان "ليست مفاجأة"، وبرغم هذا الاختلاف الواضح في العنوانين إلا أن المقالين اتفقا علي أن الحزب الوطني بفضل ذكاء مديري حملته، وفضل إعادة تنظيمه، و"جمال" برنامجه، قد نجح أن يحصل علي ثقة الشعب بشهادة أغلب الناخبين؟

ليكن!! (يعني: بالمصري: ماشي!!)

مرة أخري: علي فرض أنه لم يحدث تزوير إلا بهذه النسبة (واحد إلي 44) فإن النتائج كما وصلتني تقول إن هذه الانتخابات لم تعد تمثل أية ظاهرة سياسية تتيح الفرصة للناس أن يختاروا: من يقود البلاد، ويصحح الاقتصاد، ويرشد التعليم،.. إلخ، فهي لم تعد إلا فرصة متجددة  كل عدة سنوات ينتهزها ناس هذا الشعب المطحون لإحياء الأمل في إمكان الحصول علي ما تيسر من مصالح فردية أو موقعية، (تسمي الدائرة الانتخابية)، وأن الناخبين قد حسبوها هذه المرة، من واقع الخبرة السابقة، فأعطوا أصواتهم لمن تصوروا أنه أقدر علي تحقيق هذه المصالح الفردية، أو الثللية، أو المحلية، المحدودة والعاجلة!

أين السياسة بالله عليكم في كل هذا؟.. أين المصالح الاقتصادية العامة؟.. والتخطيط؟.. وقبول التحدي القومي؟.. والكرامة الوطنية؟.. والتصدير؟.. والإبداع؟.. والتربية والتعليم؟.. باختصار: أين السياسة؟

هكذا بدا لي - بعد أن استبعدت التزوير، أن الناس قد انسحبوا مما يسمي سياسة: إما بالامتناع عن التصويت، وإما بهذه النتائج التي تعلن كيف أنهم ركزوا علي تحقيق بعض المصالح المحدودة، لكنهم أبدا لم يتنازلوا عن موقفهم من هذا الحكم وعجزه، ولا عن رفضهم لهذه السياسة، ربما رأوا بوعيهم التاريخي أن الذي يجري أصبح واقعا مرا فاشلا يحمل مقومات هدمه من داخله،  وبالتالي، فلنتركه يكمل الشوط حتي ينهي نفسه بنفسه بعد أن يشبع فشلا لا يحول دونه برنامج براق، ولا خطبة عصماء، ولا وعود وردية، ثم: و"لا نجاح في انتخابات بهذه النسبة - التي قد تعجل بنهايته". يبدو أنه - والحال كذلك - لم يبق أمام الناس إلا  أن "يسلموا التماسات" مطالبهم الخاصة جدا (يقال عن ذلك بلغة هذه الديمقراطية : "ينتخبوا") إلي "وسطاء" (يسمون: "نوابا") آملين أن يسهلوا لهم مصالحهم الذاتية جدا، المحدودة جدا، أما السياسة والتخطيط لصالح الوطن كله ومستقبله، فيؤجل حاليا لو سمحتم، حتي يأذن الله في أمر هؤلاء بما يستحقون!!

دعونا نستمع إلي لسان حال الناس يقول: ما داموا هم متمسكين جدا بها هكذا، فليشربوها حتي النهاية، وليبينوا لنا شطارتهم دورة فدورة وسوف يحين التغيير الحقيقي، وهو قادم لا محالة لشعب لا يموت.

عزيزي القارئ، من حقك أن ترفض هذا التفسير، لكن من واجبي أن أقول لك إنني استلهمته من الوعي الجمعي لناسنا، ممثلا في الأمثال الشعبية، وسوف أورد بعضها فيما يلي:

1 ـ إن فات عليك الغصب اعمله جوده..

القياس الانتخابي: ما داموا مصممين علي أن يسستمروا علي قلبنا، فترة أخري، سواء بالراحة أو بالقوة، وما دمنا نعرف النتائج مقدما 100٪ فلماذا لا تأتي منا وكأننا فعلناها مختارين؟ هأنذا أحمل هذا الناجح جميلا بأن أنتخبه، ما دام ناجحا ناجحا بصوتي

أو بغير صوتي.

2 ـ إن صُبرتم أجرتم وأمر الله نافذ، وإن ماصبرتم كفرتم وأمر الله نافذ

القياس الانتخابي: إن انتخبتم الوطني سهّـل لكم  مصالحكم الخاصة، فهو ناجح ناجح، وإن انتخبت منافسه، فإن الناجح الوطني سوف يعرقلك، ويرفض مطالبك، ويتنكر لحقوقك الشخصية كمواطن فرد، لا أكثر.

وهكذا قال الناخب لنفسه: لقد أصبح نجاح من أكره بمثابة القضاء والقدر، فلأنتخبه، لأنني لو لم أنتخبه، وهو ناجح ناجح، فلن أري منه، لا أنا، ولا أهلي، ولا دائرتي:  غير العين الحمراء، وسوف يقول لي من موقع نجاحه: دوّر علي من ينفعك يا كافرا بفضلي، فحكومة الوطني أقسمت بكل غال أن تعاقب كل من فضل عليها "ممثل الأقلية"، "ربيب المعارضة"، "لقيط المظاهرات" فلتدفع الثمن يا ناكرا للجميل، و"أمر الوطني الأنجح نافذ"!!

3 ـ "إللي ييجي منه أحسن منه"

القياس الانتخابي: "ها هي تسير (آهي ماشية)، صحيح أنه "ليس هو"، وأنه لن يقدم أكثر مما قدم، لكننا لنا مصالحنا الخاصة جدا، والمحددة جدا، وأي مكسب نحصل عليه منه بعد نجاحه، هو خير من لا شيء، حتي لو كان هذا المكسب صادراً ممن لا نثق فيه، ولم يحترم حقوقنا، ولم يتقدم بعموم بلدنا إلي ما  نريد، لكن ما نحصل عليه منه بصفة خاصة، هو أحسن منه (ولو مرحليا)

4 ـ انصح أخوك من الصبح للضهر، إن ما سمعشي، غـِـشه بقية النهار

القياس الانتخابي: لقد مارسنا المعارضة المواجهة، والمعارضة الهادئة، والمعارضة المحتجة، والمعارضة الصحفية، واقترحنا عليهم كل ما جال بخاطرنا، وعملنا مظاهرات علي ما قسم، وتجمعات كما أمكن، ونصحنا ونصحنا ونصحنا، ولم يسمع لنا أحد، مع أنهم تركونا ننصحهم جدا، بل إن بعضهم،  كان يطلب النصيحة، لكن أبدا لم يسمع لنا أحد، ليكن، فليستمروا فيما هم فيه، ولينخدعوا بهذه النتائج التي قد توهمهم بأن الشعب، أغلب الشعب، كل الشعب !!! يوافق علي ما يفعلون، وأن الدنيا بخير، وأن التعليم تمام التمام، وأن الإبداع يترعرع، والأمان يستقر.. إلخ.

إن أصواتنا التي أنجحتهم بهذا القدر في هذا الوقت، هي من قبيل "غشه بقية النهار"، ما دام لم يستمع لنا من الصبح للضهر.. ثم إني قد استبعدت أمثالا أخري، لأنني وجدتها لا تليق أن أصف بها شعبنا الجميل، وإن كنت لا أستبعد أن بعضها قد تحرك في قاع وعي بعضنا، مثل: "الإيد اللي ما تقدر تقطعها بوسها"، "البرطيل شيخ كبير"، "إن كان لك عند العويل حاجة قول له يا عم"، "بكره يهل رجب ونشوف العجب"، "حاكمك غريمك، إن ما طعته يضيمك"، وأخيرا:

"خلي صاحبك علي هواه، لما يجيب ديله علي قفاه"

وبعد

لست متمسكا جدا بهذا التأويل، ففي النهاية نحن مسئولون رضينا أم لم نرض، والشعب هو الذي سوف يدفع الثمن، الآن، أو حتي بعد أن يتحلل النظام ويطير هؤلاء وأولئك إلي حيث يستعدون، أو حتي:  إلي "حيث ألقت رحلها أم قثعم".. فلماذا؟

 

 

www.rakhawy.org