رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

يوميات مواطن أصبح محترماً برقمه القومي.. ولكن..!!

 

إذا كنت بعد عشر سنوات قد تراجعت من »كي جي تو« إلي »كي جي ون« في مدرسة الديمقراطية، فإن المنتظر أن أتقدم إلي الوراء بمرور الزمن حتي أفصل نهائيا، باعتباري مشاغبا أو متخلفا غير قابل للتعلم، وبرغم روعة ما حدث يوم الاستفتاء، فقد جاءت نتيجته أصعب من فهمي، حتي خفت استدعاء ولي أمري (نجيب محفوظ) ليبلغوه بفشله في إعدادي لمثل هذه المدرسة، مع أنه والله العظيم ثلاثا غلب غلابه معي وهو يحاول تلقيني ألف باء أصولها،

لم أكد أفرح باحتمال تصالحي علي الديمقراطية الجارية، ولو مؤقتا بفضل رقمي القومي وما حدث يوم الاستفتاء، حتي عاودني »رهاب« المدارس من جديد وأنا أتابع آليات ما جري حتي ظهرت نتيجة الاستفتاء كما ظهرت، وأيضا حتي صدر قرار مجلس الأمن الديمقراطي جدا بالحظر الجوي علي ليبيا دون إسرائيل، برغم أن الحكام في البلدين يقتلون نفس الأبرياء لشعبين عربيين بنفس الوسيلة ونفس البشاعة ونفس الظلم.

برغم كل ذلك، خرجت من خبرة الاستفتاء فرحا بتحقيق أمنيتي التي أعلنتها سنة 1984 في هذه الصحيفة الكريمة: التي حددتها في حلم يراودني بأنني يمكن أن أعيش بقية عمري محترما في بلد محترم، بفضل الديمقراطية وهذاالكلام، فقررت أن أعاود كتابة يومياتي كمواطن يحاول الصدق وهو يلاعب ما يسمي الديمقراطية طولا وعرضا، محلية ومستوردة، وعن بعد، وذلك بدءا بيومية قارب عمرها 27 عاما:

من الوفد 7 يوليو 1984 (بالحرف الواحد من مقال: »يوميات ناخب حزين«):

».. راودني أمل عنيد أني إنسان محترم أعيش في بلد محترم وأني أستطيع لذلك - وبذلك ـ أن أقول رأيي فيمن يحكمني، بل أن أصدر قرار تعيينه وأن أخطئ في ذلك أو أصيب وأن يصححني رأي الآخرين وحساب ضميري، ومتابعة اجتهادي، وتوفيق ربي، كان ذلك بمناسبة عودة حزب الوفد بحكم قضائي ليحيا العدل ولست وفدياً«.. (ثم بعد أكثر من ثلث قرن) المقطم السبت 18 ديسمبر 2011.. طلبت من سائق المستشفي أن يذهب في السابعة والنصف صباحا ليتعرف علي مكان اللجنة، فطمأنني إلي أنه عرف مكان اللجنتين المخصصتين لحي المقطم منذ ليلة أمس، وتعجبنا هو وأنا ألا يوجد في المقطم كله سوي لجنتين، مع أن المهاجرين الجدد (زلزال المقطم: قبيلة المصري المبدع أحمد فؤاد نجم) يحتاجون إلي عشر لجان وحدهم، ما علينا طمأنني السائق، وتناولت عصاي لأنني توقعت طول الوقفة برغم هذا البكور، وفعلا كان الطابور ممتدا، وفرحت ووقفت في آخره أقرأ الوجوه مؤتنسا، وفرحت، وتلفت حولي وأنا أميل علي عصاي، وعلم ما بي مَن ورائي، ولم يتعرف علي شخصي أحد منهم، وفرحت، وهمّ بعضهم أن يفسح لي مكانا أمامه، واعتذرت، مع أن ركبتي كانتا تئنان، وأثر العمليتين ينقح عليهما أو فيهما، وكان الأطباء قد كلفوني بشخط مناسب أن أمشي ساعة علي الأقل كل يوم، ولكنهم منعوني تماما من أن أقف أكثر من دقائق، حتي إنني ألقي أبحاثي العلمية في المؤتمرات جالسا بعد استئذان رئيس الجلسة،  فكرت بدلاً من الانتظار واقفا أن أتمشي بجوار الطابور حتي يأتي دوري، قلت لجاري المصري الطيب ما خطر لي، لكن يبدو أنه راح يشفق علي أكثر فأفهمته أن ذلك لصالحي وطلبت منه أن يحتفظ لي بمكاني، فزادت شفقته أكثر فأكثر، وهو يصدقني وأنا أصدقه.

شعرت بيني وبين نفسي  أنه سيقول »نعم«، ولعله وصله أنني سأقول »لا« (لا أعرف كيف)، الجميل أنه لم يسألني، ولم أسأله، (مصري <=> مصري)، كيف اكتسبنا كل هذا معا في نفس الوقت؟.. عمري ضعف عمره علي الأقل، المهم: وعدني أنه سوف يحتفظ لي بمكاني وبالتالي فيمكنني أن أمشي مطمئنا، واستأذن هو نيابة عني من يقف خلفه بذكاء وطيبة، فرحبوا، وقبل أن أنطلق في المشي، ظهر ضابط شاب - مع أنه عقيد - في مرمي البصر، ففرح جاري ونصحني أن أذهب وأطلب منه تقديمي لعذري الطبي الواضح والعصا في يدي، والألم يكاد يطل من وجهي برغم فرحتي، قلت له إنني أخجل أن أفعل، ثم إنني أحقق بوقفتي هذه أملا كنت أتمناه منذ خمسة وخمسين عاما، قال أي أمل، قلت أن اشعر أنني محترم في بلد محترم، ولم يستفسر أكثر.

زاد نقح ركبتي، وأنا طبيب، وأعرف أنه لا ينبغي أن أعاند تعليمات الطب، لاحظ جاري بعض ذلك وعرض أن يذهب هو لسيادة العقيد ويشرح له حالتي، وكان طابور الحريم قد انتصف، فشكرته من جديد وقررت أن أحاول بنفسي، حتي لا أتمادي اصطناع التجلد والمباهاة - أمام نفسي - بهذه الحركات.

ذهبت إلي سيادة العقيد: وجه بشوش بشاشة هذا الصباح، رد تحيتي، وأفهمته وضعي الصحي، وأضفت أن استثنائي لا يخالف القانون في الدول المتحضرة، وبما  أنهم سمحوا بطابور للرجال وآخر للنساء، فمن المنطقي أن يسمحوا بطابور »للمعوقين«، وضحكت، وضحك هو بطيبة والد مع أني أنجبه!! ووعدني أن يدبر الأمر حين تحضر اللجنة (لم تكن الساعة قد بلغت الثامنة)، وتركته عائدا إلي موقعي وهو يدعو لي بالشفاء، استقبلني جاري مرحبا وكأنني أوحشته، وهو كذلك أوحشني بعد فراق دقائق، أي والله، (مصري <==> مصري)، طالت الوقفة وركبتاي تهمسان لي أن »عيب كذا« (عيب كده)، وإذا بي أكتشف أنني أقف بجوار رصيف عالٍ نسبيا، وأني اصطحبت  معي صحف الصباح من باب الاحتياط لمثل هذا الانتظار، ووجدت الحل المناسب أن أجلس علي الرصيف في تلك الشمس الجميلة مثل وجوه هؤلاء الناس وجلست مقابل موقعي في الطابور، ورحت أتحرك جالسا كلما تحرك، وكان رصيفا عاليا وكأنه مصطبة في بلدنا، جلست فرحا ورحت أقرأ الصحف راضيا، هأنذا مواطن محترم، لي رقم قومي، أستطيع به أن أغير مسار بلدي، (تحيا الديمقراطية)، رحت أنتظر دوري مؤتنسا بناسي، وكأني كنت حيوانا حبيسا في حديقة حيوان يملك مفاتيحها حراس أشداء ولمدة ستين عاما، ثم جاء من أرجعني طليقا إلي »موطني الأصلي«.

لمحت سيادة العقيد يمر بجوار الطابور من الناحية الأخري ولم يرني، لعله لم يتوقع أنني جالس علي الرصيف الناحية الأخري، ولم أفهم سبب

مروره هكذا، لكنه سرعان ما عاد ولمحني، فتقدم ناحيتي واخترق الطابور مستأذنا حتي وصل إلي وهو يقول: »أين أنت؟.. أنا أبحث عنك«.. لم أصدق، وأشار بيده، فقمت، واستأذنت جاري، وذهبت مع هذا الابن الرسمي وهو يوسع لي دون أن يتعرف علي شخصي (غالباً، وإلا كان ناداني باسمي مثلا)، وتبعته، وأدخلني وهو يشير للواقفين إلي عصاي، وهم يوسعون ويرحبون، ودخلت وأنا أعتذر لكل من أمرَ عليهم، وخيل إلي أنني بالغت في العرج غير الموجود إلا في حالة عودة الالتهاب الذي كاد يعود ولكن ليس إلي هذه الدرجة، وحين وصلت إلي اللجنة وانصرف سيادة العقيد، وجدت نفسي أنني ما زلت أعتذر، فسألني أحد أفراد اللجنة عن سبب اعتذاري، وهو لا يعرف  أنني دخلت في غير دوري، فقلت له: »أبداً، أنا أعتذر لسوء ظني طول هذه السنين بأهل بلدي وبالديمقراطية« لكن يبدو أنني قلت ذلك في سري، لأنه لم يعقب، ولم يدهش، ومضي في مهمته.

رجعت من هذه الخبرة التي استغرقت أقل من ساعة، وأنا راض تماما فقد حققتُ أملا لاح لي سنة 1956 (عبدالناصر) وكنت متأكدا من عدم تحققه في مدي عمري، ثم كتبت عنه سنة 1984 (عودة حزب الوفد بحكم المحكمة) ولكني أحبطت آنذاك وبعدها حتي كفرت أكثر بهذه الآلية الديمقراطية الفاسدة، لكن هاهو يتحقق سنة 2011 وقررت أن أكتب عن هذه الخبرة فورا، لكنني فضلت أن أنتظر حتي تظهر النتائج (انظر بقية سلسلة المقالات).

المقطم الجمعة  17 ديسمبر 2011 (لاحظ: اليوم السابق):

طلبت الراهبة الفاضلة التي تعمل معي بمستشفاي أن تقابلني، وهي لم تطلب مني مثل ذلك أبدا من قبل، وبعد ديباجة من التحيات وتأكيد حظها الطيب بأنها تعمل في وسطٍ سمْح.. إلخ، أخرجتْ لي ورقتين: إحداهما موقعة بخط كبير بـ »الإخوان المسلمون«، تدعو للتصويت بـ »نعم«، وتبين الأسباب، والورقة تنتهي (رقم 7) بما يعني أننا لو صوتنا بـ »نعم«، فإن ذلك سوف يفشل محاولة إلغاء المادة الثانية من الدستور التي تنص علي أن دين الدولة الرسمي الإسلام (ولم يأت ذكر بقية المادة).. وقالت لي الأخت الراهبة: إن هذه الورقة وزعت في كل مساجد مصر بعد صلاة الجمعة أمس، فهل هذا يجوز؟ وانقبضتُ، ولم أعقب عليها مباشرة، ولم أسألها منذ متي تهتم بالسياسة هكذا؟ لكنني فرحت لأنها مصرية جميلة متحمسة إلي هذه الدرجة، ثم أعطتني ورقة أخري تدعو إلي التصويت بـ »لا« مبينة الأسباب (لم تقل لي إنها توزع في الكنائس، لكنني لم أستبعد ذلك، ولم أسألها)، استفسرت منها عن سبب المقابلة تحديدا، فقالت لي إنها تقترح، أو ترجوني، لا أذكر: أن أعقد اجتماعا مع العاملين بالمستشفي (العمال والممرضين والأطباء)، لأدعوهم ليصوتوا بـ »لا«، وكأنها تعرف رأيي دون أن تسألني لكنها لا تعرف أسبابي غالبا،  والتي تختلف عن أسبابها قطعا، فأفهمتها أنني الرئيس هنا، وأنني لو فعلت ذلك فهو بمثابة استغلال سلطتي بشكل غير ديمقراطي (قال يعني!)، وأن النتيجة قد تأتي بعكس ما تريد، فليس عندي من يتابعهم حتي الصناديق!!.

وانصرفت الراهبة الفاضلة وقد ملأتني غما، لم ينفرج إلا بما حدث في اليوم التالي، كما أوضحت حالا، ثم عاد الغم إلا قليلا بعد ظهور النتائج التي أكاد أجزم أنها غير مزورة إلا نادرا جدا، لكن الغم كان شديدا مع أنني قبلت النتيجة تماما، لكني عدت أتساءل عن مدي صلاحيتي للاستمرار في »مدرسة الديمقراطية«، وقد تراجع موقعي من الصف: »كي جي تو« إلي »كي جي ون«، وشعرت باحتمال أن أحرم من الدراسة برمتها، حيث لا توجد مدرسة بهذا الاسم (مدرسة الديمقراطية) سواها، ولا في بلاد بره، ولا في القطاع الخاص!!

عاد الغم، وحفزني أن أراجع موقفي وأنا أقلب النتائج أمامي، وأتابع في نفس الوقت قصف الناتو لأسلحة القذافي المجرم الحقير، دون حقول بتروله (ولا مؤاخذة).

لماذا يا تري يا أيها الديمقراطيون جدا؟.. هل لابد أن نسرب بترولاً تحت أراضي إسرائيل والضفة وغزة، لتفرضوا حظراً جوياً علي نتانياهو؟

وللحديث بقية.

www.rakhawy.org