عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كلام فى السياسة: كلام والسلام!

المتابع للحوار السياسى، أو المفروض أنه سياسى يمكن أن يجمع أبجديته فى عدة عبارات، أو جمل، أو شعارات، يتبادلها الجميع بحماس شديد، دون محاولة النظر فيما آلت إليه نتيجة الممارسة الحالية، أو النقد الجارى لها منذ فترة ليست قصيرة، ولا أتصور أننى أستطيع أن ألم بمراجعة بعض هذه الشعارات فى مقال أو عشرة، لكنها دعوة من حيث المبدأ أن نتوقف، نحن الشعب – ولا مؤاخذة- ونحن نتلقى هذه الشعارات من أصحابها ونردد هذه المصطلحات مع أصحابها فرحين متحمسين لها ربما أكثر من مسوّقيها، وإلا فسوف ندفع الثمن حتى لو تراجع أصحابها عنها.

ثم إن ثمة شعارات أخرى تظهر ساطعة جذابة مضيئة، تجذب من تجذب لصدق بريقها، ووعد نورها، لكن مع مرور الزمن واختبار التطبيق، يخفت الضوء، بل وقد يطفئه أصحابه بعد انتهاء دوره، أو عمره الافتراضى.
الدعوة تبدو فى ظاهرها بسيطة وقابلة للتطبيق على أى شعار مطروح، لكن الممارسة النقدية المتأنية يمكن أن تكشف عن طبيعة ما انسقنا إليه، وحقيقة ما وصل بنا الأمر لتقديسه، الأمر يتطلب منك أن تتوقف عند كل كلمة أو عبارة من العبارات المكررة ليل نهار، بالذات فى وسائل الإعلام، وإلى درجة أقل بين الناس، وإلى درجة أقرب للسخرية والفكاهة على صفحات المجلات الفكاهية الحديثة المسماة بالفيس بوك، ومثل هذا الكلام، حين تسمع أو تقرأ أيا من تلك العبارات أو الشعارات، تتوقف لتسأل نفسك سؤالين الواحد تلو الآخر عن أى مصطلح أو شعار يصلك، تسأل: لو سمحت: «يعنى ماذا؟»، ثم «إذن ماذا»؟ أما السؤال الاول فهو لتوضيح المضمون الذى يراد توصيله إليك، أما السؤال الثانى فهو لتحديد أهمية هذا المضمون وسبب كل هذا الإلحاح الذى يتردد به، وما هى الفوائد العملية المترتبة على احترامه واستعماله.
المثال الأول لعبارات تحصيل الحاصل هو عبارة: «الدولة المدنية»: يا ترى تعنى ماذا؟ وهل توجد دولة فى الدنيا ليست مدنية، مجرد ذكر كلمة دولة، لا بد أن يكون المقصود بها هى: إدارة جماعة من الناس فى بقعة معينة من الأرض تحتاج إلى من يتولى تنظيمها ليحقق مطالب أغلبهم بما يراه مناسبا لمجموعهم، ويتحمل مسئولية ذلك من تصدى لذلك، هذا معنى الدولة، وبحسب التعريف اللغوى: دولة: مرادفة « للبلد» هى مجموعة من البشر تقيم في إقليم محدد بشكل دائم، تتمتع بقوانين عامة وبحكومة قادرة على إدارة الشئون الدولية» فما لزوم إضافة كلمة «مدنية» إليها بالله عليك، أليس فى ذلك تزيـّد لا معنى له؟، فكل دولة هى مدنية بالضرورة، ولا يوجد أى احتمال آخر، إما دولة، فهى مدنية، (وسوف نرجع إلى كلمة مدنية حالا)، وإما «لا دولة»، فهى لا تحتاج لأن تصنف أصلا، ولعلك تذكر أننا مررنا فى الشهور الأخيرة، بمرحلة «اللادولة» بما لا يحتاج إلى توضيح، فإذا قلق احدنا من الاكتفاء بالتعريف اللغوى وأراد الاستئناس بالتعريف السياسى فخذ عندك : الدولة هى كيان سياسي وقانوني منظم يتكون من مجموعة من الأفراد الذين يقيمون على أرض محددة ويخضعون لتنظيم سياسي وقانوني واجتماعي تفرضه سلطة عليها تتمتع بحق استخدام القوة في محاولة منظمة لتسيير أمور هذه المجموعة من الأفراد الذين ينتظرون منها ذلك، وهى  جمع كبير من الأفراد، يَقْطن بـصِفة دائمة إقليمًا معيَّنًا، ويتمتع بالشخصية المعنوية وبنظام حكومي وبالاستقلال السياسي.
فلماذا نضيف بعد كل ذلك صفة «المدنية»؟ وماذ نعنى بالضبط؟
قال لك: نعنى نفى الدولة الدينية، مع انه لا يوجد فى التاريخ ولا فى الأديان ما يسمى بـ«الدولة الدينية»، وكل الممارسات التى مورست تحت هذا الاسم، أو تخفت تحت نقيضه، كانت ممارسات شاذة مزيفة، فهى لم تكن دولة بالمعنى السابق الذكر، وإنما كانت من بعض مضاعفات أخطاء التاريخ، سواء بنت نفسها على تخريجات نصوص دينية بذاتها، أم طغيان سلطة مجموعة مفترسة بعينها، أم ديكتاتورية أيديولوجية خاصة، ومن هنا فمجرد الإصرار على نعت الدولة بأنها مدنية، يعطى مشروعية ضمنية لاحتمال وجود بديل قادر على إدارة شئون الناس ليس مدنيا.
فإذا انتقلنا إلى كلمة مدنية، فهل المقصود بها التأكيد على الجانب الماديّ من الحضارة كالعمران ووسائل الاتّصال والتّرفيه مع تهميش الجانب الحضارى الذى قد يكون مواكبا أو نتاجا لنجاح مدنية قادرة على إدارة الناس، وتنظيم الحريات، وإرساء العدل، أم المقصود بها التأكيد على ما تمنحه الدولة من حقوق لكل مواطنيها؟ تشير الكلمة عامة إلى الحقوق التي يقرها الدستور ضمن نصوصه دون تدخل الحكومة في الحريات الشخصية.
خلاصة القول إنه: إما دولة، وإما لا دولة، وأى دولة تتصف بصفات تخرجها عن معناها الأصلى، أو تحول دون قيامها بدورها الأساسى، تنقضُ وجودها من الأساس، فهى ليست دولة. لتكن نظاما، أو تنظيما، أو ميليشيات، أو تجريبا، لكنها

ليست دولة حتى لو علقت على واجهتها كلمة «دولة» بالخط العريض، وأيضا أضافت «مدنية».
لكن عندك، فلا بد أن فى استعمال صفة «المدنية» ما أغرى كل الناس بالتمسك بها، ولعل حجتهم فى ذلك هى التوقى من نقيض متربص يدعى أن هناك بديلاً جاهزاً لإدارة شئون الناس، مدنيا ودنيويا وأخرويا فى صفقة واحدة، وبالتالى فعلينا أن نؤكد نفى هذا البديل ومن البداية، لكن الرد هو أن مجرد طرح وجود أن كلمة دولة وحدها ليست مرادفة لما يراد به الدولة المدنية هو موقف ضعيف، ولن يحول دون استيلاء أهل «اللادولة» على شئون الناس، إذا ما أتيحت لهم مجرد فرصة أن هناك دولة غير مدنية، إن ما نعرفه من دول لم تكن مدنية هو ما يمكن أن يعاد تسميته بـ «السلطة القاهرة المنظمة لمصالح أصحابها بعض الوقت على حساب كل الناس»، وهذا لا ينطبق عليه تعريف الدولة أصلا.
يبدو فى ظاهر الأمر أن المسألة لا تستدعى هذه الوقفة أصلا، لكن هل سمعنا بالله عليكم فى دعاية أى من أحزاب الدول التى نصفق لها، ونقتدى بها، من يؤكد جدا جدا على أنه متمسك جدا، ويتعهد جدا بأن الدولة التى سيرسى قواعدها هى مدنية والله العظيم، مع أن هذا لم يمنع رؤساء أمريكا الواحد تلو الآخر، وأحزاب أمريكا وغيرها الواحد تلو الآخر، أن يستعملوا الأصولية الدينية فى دعايتهم، وجمع اصواتهم بكل وسيلة شريفة وغير شريفة، بل إن النفوذ الصيهونى فى أمريكا نفسها ليس نفوذا اقتصاديا فحسب، بل نفوذ أصولى تحت السطح رضينا أم لم نرض، ولم يضطر خصومه - إن كان له خصوم - أن يحاربوه بأن يرفعوا شعار انهم سوف يقيمون دولة لا تتأثر بهذا النفوذ لأنها دولة مدنية، بل لعل العكس، فى عمق من يدرس دعايتهم، كان هو الصحيح دائما، ذلك لأن الفرقاء كانوا يلتزمون الواحد تلو الآخر على ألا تكون الدولة مدنية، بدليل – بينى وبينك- أنهم سوف يدعمون إسرائيل تنفيذا لما جاء فى التوراة ولا مؤاخذة.
الأكثر مدعاة للعجب أن التنافس عندنا على استعمال هذه اللافتة «الدولة المدنية» لم يقتصر على المعارضين لما يسمى المد الإسلامى السياسى، بل إن التنافس كان بين هؤلاء الذين ينتمون إلى التيار الإسلامى أكثر.
ليس عندى أى اعتراض على استعمال خطأ شائع، لكنها دعوة للتأمل والمراجعة، ليس فقط لمصطلح ارتضاه الجميع برغم عدم فحصه بالدرجة الكافية، وإنما لكثير من الشائع مما يحتاج إلى مراجعة من أهله قبل المعترضين عليه، وهذا ما سوف أحاوله فى مقالات لاحقة إن احتمل القارئ معى بعض الوقت، ومن ذلك
«كذا كذا» (أى شىء) هو الحل، حل ماذا أم ماذا بالله عليك؟
«الديمقراطية هى الحل»، أية ديمقراطية يا أبو عرب؟
الديمقراطية هى الحل «إلى متى؟ ومن يحدد عمرها الافتراضى؟»
«الإسلام هو الحل»، أى إسلام تحديدا، والمسلمون يقتربون من المليار؟
«الإسلام هو الحل»، وإلى أين تذهب بقية الفرق الإسلامية؟
«الإسلام هو الحل»، حل لمشاكل المسلمين أم لمشاكل البشر المقهورين عبر العالم؟
العولمة (الدولة المالية العالمية) هى الحل: لصالح من بالضبط؟
وبعد
الطـَّنـْـبَلة (هى الترجمة الفصحى لكلمة «التطنيش المصرية») هى الحل
طبعا لا!!!!
وكل عام وأنتم بخير