رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

هل تخلي الإخوان عن الإسلام.. كما تخلي الرئيس عن الإخوان؟

كان المفروض أن يكون هذا المقال هو الجزء الثالث من سلسلة مقالات «الإعداد للثورة القادمة» إلا أن الأحداث تلاحقت بشكل غريب مزعج في آن حتي تشكلت ما يسمي الوزارة الجديدة، وإذا بالتشكيل ينادي: «4 إخوان و 8 قدامي وسبعة تكنوقراط!!.. إلخ»، ولم يبق إلا أن يضيف المنادي: «وصلّحهم – مثلما ينقل صبي المقهي للمعلم أو لمعدّ الطلبات رغبات الزبائن.

كيف يمكن أن يكون هناك حزب، ظهر بعد حمل طويل، وصراع مرير ضد الإلغاء والحظر والقهر والإنكار، صراع دام حوالي قرن من الزمان ثم تم الوضع بعد مخاض عسير بكل عيوبه ومضاعفاته ومزاياه، ونجح الوليد في التحمل والصبر، ثم نجح في أن يصمد ويضحي وينظم ويجيّش ويتحدي ويبقي، ثم راح يعلن نجاحه في أول تجربة ديمقراطية مهما كانت متواضعة، كيف يمكن أن يكون نصيب هذا الحزب في وزارة يختارها رئيس هذا الحزب نفسه وقد أصبح رئيسا للدولة، بنجاح ديمقراطي رسمي، هذه المقاعد الخمسة ولا مؤاخذة؟!، ثم إن هذا الرئيس أخطأ وأصاب، وصحح واعتذر، وخطب ورأس وتوكل حتي عين رئيسا للوزارة، التي كان المتوقع أن تمثله هو ومن أنجحه وأوصله إلي هذا المقام الرفيع؟
ما معني هذا؟.. وإلي أين؟.. كيف يمكن أن يكون فخرا لهذه الوزارة، ألا تنتمي  إلي من أولاها هذه الثقة لتحقق ما وعدت به طوال قرن من الزمان، حتي يلتقط المتحدث غير الرسمي باسمها الأستاذ «فهمي هويدي» (الشروق - الأحد) أنهم يبدو أنهم قد ارتضوا أن يكون «التكنوقراط هو الحل» بديلا عن أن «الإسلام هو الحل»؟.
أنا أحب ديني حباً جماً، وأحب كل من يحب دينه حباً جماً، وأفخر بأن أنتمي إلي ديني بنفس القدر الذي يصلني به فخر حب من ينتمي لدينه، وأرفض أن يهمَّش الدين - أي دين وأصر أن نوع  الوجود الذي يوصل إلي الإيمان هو الخليق بمواجهة شرور العالم الأمريكي الإرهابي العولمي المتمادي في الرذيلة المالية الاحتكارية حتي القتل والدمار الشامل حتي الانقراض.
ثم إنني أعرف الإخوان منذ أكثر من ستين عاما انتميت إليهم شبلا عاملا في سن الرابعة عشرة، بسبب بسيط جدا أن آيات في القرآن وصلتني عبرهم تقول: «ومن لا يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون/الفاسقون/الكاذبون» (المائدة 44)، (البقرة 99)، (النحل 105).
كنت في السنة الرابعة ثانوي الثقافية العامة/ «ثانية ثانوي الآن»، ولاحظ والدي مدرس اللغة العربية والدين! استغراقي في الذهاب إلي شعبة الإخوان في مصر الجديدة أكثر من المسجد، ثم أيضا لاحظ غيابي في بعض ليالي الصيف في قريتنا فيما كان يسمي «كتيبة» علي ما أذكر، وكنا نتدارس أحاديث وسوراً اختاروها لنا وبالذات سورتا الأنفال والتوبة، وحين عرفني صديق أكبر مني هو المرحوم د. محمد رشاد سالم بشيخنا الجليل محمود محمد شاكر تعلمت عن ديني أشياء ومعارف أوسع وأرحب وأطيب وأفقه، حيث كان بيته منتدي لكل طالب علم أو معرفة أو لغة أو دين أو إتقان، وكان يلتقي بالصغير والكبير منّا في أي وقت ليلا أو نهاراً وعادة ما يفتح لنا بنفسه، وسألني ذات يوم بعد صلاة القيام في بيته وهو يؤمنا بصوته الجهوري الذي كنت أتصور أنه يمكن أن يصل إلي حلمية الزيتون من شارع السبق، سألني عن كتيب في يدي: (نوته) ما هذا؟ قلت له أحاديث منتقاة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وبعض الدعاء المأثور، فأكمل تساؤله من الذي انتقاه لكم؟ قلت له الأخوان، وكان محققا فحلاً في التراث، وأيامها نشر له  تحقيق كتاب في السيرة النبوية العطرة هو «إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع» للمقريزي، وتعجبت كيف يهديني هذا الشيخ الجليل، وأنا في مثل هذه السن هذا الكتاب  الضخم، الذي تعلمت منه صغيرا أصول البحث العلمي وأمانة المقارنة الموضوعية وفهمت لماذا قال لي: إياك أن تقتصر علي ما يعطونك إياه من مذكرات وعليك بالأصول وأمهات الكتب.
خاف والدي آنذاك علي اندفاعي في الاتجاه الآخر، ولم يكن يعرف شيئا عن علاقتي بشيخي محمود شاكر، خاف عليّ وحاول إقناعي بالعدول عن الأخونة بلا فائدة، حتي استعان بزميل له اجتمع بي مع والدي لإقناعي أن الطريق الذي أسلكه في هذه السن ليس هو الطريق الأسلم ولا هو الطريق الأوحد وأذكر أنني رددت عليهما معا أن ما أفعله ليس إلا تطبيقا لأمر الله أن من لا يحكم بما أنزل الله هو فاسق كافر ظالم، ورحت أحاجيهما  – في هذه السن – وأوصيهما بأن يتذكرا الآية الكريمة: «أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.. الخ»، ولا أدري هل سكتا شفقة بي أم تجنبا لمزيد من وقاحتي.
روح يا زمان تعال يا زمان ترقيت في اجتهاداتي الدينية والفقهية واللغوية والمعرفية، فراحت تزداد معارفي ويتفتح إسلامي ليهديني

إلي إيماني الذي أواصل السعي إليه حتي الآن، وكلما زدت معرفة زدت ابتعادا عن تعليمات الاخوان وانتماء إلي «أصول الأصول، كدحا إلي وجه ربي لألقاه.
ثم تطورت علاقتي بالقرآن الكريم واستسلمت لإشراقاته فوصلني من بين ذلك أن الله «أنزل كل شيء»، و«كل علم»، و«كل معرفة»، و«كل برامج البقاء»، وكل قوانين الحياة، وأن الآيات الكريمة التي تأمرنا «بالحكم بما أنزل الله» تشمل كل هذا؟.. وليس فقط ما أشاروا علينا به، نعم تشمل كل شيء بما في ذلك قوانين الطبيعة الكمية وقوانين الإدراك والعلم المعرفي وعلوم الحاسوب، وأن من العبادة الصحيحة ان نحكم بها لأن الله أنزلها وسمح لنا بالإحاطة بها «وما يحيطون بشىء من علمه إلا بما شاء».
هكذا بدأت أفهم بالذات أن الله سوف يحاسبني ليس فقط علي استعمال عقلي بل عقولي، التي عليّ أن أحكم بها وأحسن استعمالها بإتقان هذه البرامج التي أنزلها وسمح لنا بالإحاطة بها، وأنني إذا احسنت استعمالها فهي التي سوف تهديني إلي إدراك الإيمان غاية الحياة الحقيقية ضد هذا الشر المستطير الزاحف علي العالم.
زاد حبي لديني، وفهمت إسلام جارودي ليس علي أنه إثبات من واحد «خواجة مجتهد» أن ديني وحده هو الصحيح  لأن ديني صحيح بدونه، ولكن إسلامه وصلني بمثابة إعلان أن هذا المفكر الحر قد وصله من ديني ما لم يصل إلي أهل هذا الدين الذين تسموا به دون أن يجتهدوا فيه، بمعني أنه قد وصله أنه اكتشف أنه توجد هناك طريقة أخري في التفكير والوجود هي البديل الواقعي الذي يمكن أن يواجه النشاز المفترس الجاف القاتل الهابط من العولمة المغيرة كالنيازك الساقطة المبيدة لكل خيرات الدنيا وعلاقات البشر  الطيبة ونِعَم الله. وأن المسلم إذا صح إسلامه -مثل أي مؤمن لم يتشوه دينه- هو القادر علي أن يعطي نموذجا بديلا لحياة بشرية أرسخ وأقدر علي استمرار عجلة التطور، وأن مهمة المسلم هى أن يساعد كل البشر على أن يحققوا هذا الهدف  لكل الناس، سواء أسلموا أم لم يسلموا، لكل هذا لم أرفض أن يكون «الإسلام هو الحل» بهذا المعني الأشمل والأبقي، وهذا هو نفسه ما جعلني أرفض في نفس الوقت تهميش الدين واستعماله كحلية إضافية أو ممارسة سرية خوفا من بطش السلطة الدينية المرفوضة أصلا من الإسلام نفسه، نعم لم أرفض ابتداء إعطاء الفرصة لمن يمكن أن يمثلوا كل هذا التاريخ، ليثبتوا للعالم أن المسلم الحقيقي هو القادر علي مواجهة كل هذا الشر أينما كان ببديل أرقي وأبقي.
وفجأة، تتشكل الوزارة من خمسة إخوان وثلاثة لا أعرف ماذا وثمانية كيت.
ما هذا؟
يا تري – كما ذكرت قبلا – هل لا يعرف الإخوان ما هو الإسلام الذي أتحدث عنه وأنتمي إليه أم أنهم تخلوا عنه – خجلا وتأدبا! – ليعطوا الفرصة للموظفين الأكفاء، ليكون «التكنوقراط هو الحل»؟
ما هذا؟
إن لم يكونوا قدر المسئولية، فليعلنوها صراحة حتي يحمل المسلم الأوْلي بإسلامه مسئوليته مباشرة، دون أن يلي الحكم نعم يحمل مسئولية إسلامه في مواجهة الشياطين الجدد عبر العالم لصالح كل الناس عبر العالم، بأن يحكم بما أنزل الله علي عباده من علم ومعارف وقدرات إبداعية لتعمير الأرض بما ينفع الناس ويمكث للغير.
www.rakhawy.org