عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«ساقط رئاسية !» و..«الشيء لزوم الشيء»

مهما أخطأ هذا الشعب، أو فوّت أو طنبل، مهما ظلموه وقهروه وأهملوه، مهما صبر وأجّل وأمهل، فهو شعب عريق ظريف.

ظاهرة السبعمائة متقدم للترشح للرئاسة التي نعيشها هذه الأيام لا تحتاج إلي تفسير نفسي كما يلح أبنائي وبناتي الإعلاميون عليّ طول الوقت، بقدر ما تحتاج إلي تأمل هادئ في وعي شعبنا البسيط الأعمق.
أنا لا أشك أن عددا من المتقدمين يرون في أنفسهم ما يليق بالمنصب من حيث أداء الواجب، والتضحية لإنقاذ أمة عريقة بهذا الحجم، وهذا التاريخ، وطبعا بعضهم قادر علي ذلك، أما مَن مِنهم بالضبط؟ فسوف أسمح لكل واحد أن يتصور أنه هو بالسلامة. شكرا. وسوف أكتفي بأن أقرأ بعض الوعي الجمعي كما وصلني من عموم الظاهرة  تحت العناوين التالية:
أولاً: الشعبية التلقائية وقبول التحدي:
أخيراً: «نحن  هنا»..
منذ ستين عاما ونحن لم يترشح لنا رئيس بمعني «رشَّح يرشـِّح فهو مُرشح، يحتمل النجاح والفشل». الذي كان: هو أن القدر (يعني الحزب أو العسكر أو الثلة أو أصحاب المال جداً) كان يعيّن لنا الرئيس المرشح، أي المنتخب، أي المفروض بداهة، قبل الهنا بسنة، ثم يسمح من باب الفكاهة أو الديكور الفاتر أو تحصيل الحاصل أو تزجية الوقت، أن يظهر اسم شخص هناك أو صورة مشاغب في الهامش، ومع أن مثل هذا المشاغب يعرف ويقسم أنه «ليس قصدُه»، وأنه «بيهزر»، إلا أنه لا يخلو الأمر من عقوبة وسجن لأنه خرج على النص، بقصد أو بدون قصد.
هل نستكثر علي شعب مثل شعبنا أن يقول أخيرا «أنا هنا» ولو بهذه الصورة الكاريكاتيرية؟.. ألم يعايرونا أنه لا يوجد بديل للحاكم الموهوب الأوحد؟.. هذا الإقبال هو بمثابة إعلان بسيط من الشعب يقول إن الرسالة وصلت، وأن الباب مفتوح للجميع، بل «لكل من هب ودب»، ولمَ لا؟
«واللي عاجبه»
ثم إن لسان حال بعض المتقدمين لابد أن يردد علي مستوي ما من مستويات وعيه، أنه بترشحه يثبت لنفسه أن رأسه برأس أكبر كبير، وأن ما منعه عن الترشح سابقا لم يكن ترددا، أو تقاعسا، أو قلة كفاءة، ولكن الذي منعه كان قهرا غبيا، تحت ستار قانون معد بالمقاس لأصحابه، وأنه ما إن لاحت الفرصة حتي انطلق ينتهزها وينبري للقيادة، لا يعوقه كسل أو خجل أو تأكد من فشل، ولسان حاله يقول: «واللي عاجبه».
.. «وما حدش أحسن من حد»
عدد آخر من المتقدمين يرشح نفسه لأن فلانا الأقل منه كفاءة في كذا وكيت كيت قد تقدم يرشح نفسه، و«ما حدش أحسن من حد».
«ساقط رياسية» (احتياطي):
فريق رابع تقدم ليثبت في تاريخه الشخصي (c.v) حدثا يمكن أن نطلق عليه «ساقط رياسية»، تماما مثلما كان يحدث في الثلاثينات والأربعينيات من القرن الماضي حين يتم تعيين الموظفين الأصغر في مكاتب البوسطة، أو محطة الدلتا، في بلدنا، بمؤهل يسمي «ساقط ابتدائية»، ولا يحتاج المتقدم لشغل هذه الوظائف سوي أن يتقدم بما يثبت أنه تقدم لامتحان الشهادة الابتدائية، بغض النظر عما إذا كان قد اجتازها بنجاح من عدمه، علما بأن من عرفتُ من هؤلاء كان مستواه في القراءة والكتابة والحساب (والسياسة طبعا)، أفضل من كثيرين من حاملي بكالوريوسات هذه الأيام، فإن صح هذا القياس علي ما يجري حاليا، فإن بعض حاملي هذه الشهادة «ساقط رياسية» ربما يركزون من تحت لتحت علي الفرص التي سوف تتاح لهم مع تطور سياسات أمريكا التفكيكية، فليس من المستبعد أن تشترط الولايات المتحدة وحلفاؤها الماليون المتلمظون أن يكون رئيس التفكيكية الثورية القادمة «ساقط رئاسية»، للتأكد من سذاجته وطاعته وبُعده عن السياسة وجهله بالاقتصاد، وبالتالي ضمان قيامه بأدوار جديدة تعد له بالمقاس في التفكيكيات  القادمة المصنوعة علي مقاسه؟
أسباب شخصية غامضة متنوعة
عدد آخر من المتقدمين لابد أن عنده أسباباً عائلية، أو عقلية، لا أعرفها، لكنها – بترجيح مني – محترمة جدا. في عيادتي المجانية في قصر العيني حضر مريض بسيط في العقد السادس (معاش مبكر!) كان من أعراضه حسب روايته، وبتأكيد أهله، أنه رشح نفسه في انتخابات مجلس الشعب السابقة، في حي شعبي في القاهرة، ولم يحصل إلا علي مائتي صوت، وكان غير نادم علي ما فعل، وحين لمحت أنه علي قدر حاله جدا، سألته عن تكاليف هذا الترشح وهو يكاد يعلم النتيجة، لكنه لا هو ولا قريبه ردوا علي سؤالي، وحين ألححت في السؤال قال لي، «وانت مالك؟ هوا انا خدت حاجة من جيبك؟».
ثانياً: الحالمون المثاليون
تضم هذه المجموعة عددا من الحالمين بمثاليات زمان أو يوتوبيات الغد، وكثيرا من البكائين علي القيم والأخلاق، المتعاطفين مع الثائرين والثائرات، وهم يتصورون أنهم قادرون علي أن يعيدوا لمصر قيمها الأصيلة، بما أن مصر كانت فجر الضمير. هذه المجموعة لا تحسبها بحساب المكسب والخسارة، وأغلبهم لا خبرة له بالسياسة، وعلاقته بكتلة الشعب الناخبة، ونبض الشوارع

الداخلية، والحواري الجانبية، علاقة ضعيفة، يحصل عليها من القراءة، وربما من المجلس الأعلي للثقافة، وبديهي أن تكون خبرته بألاعيب ومناورات السياسة الحقيقية شديدة التواضع، خصوصا علي مستوي العالم، وأغلب هؤلاء لا يخدع أحدا، فهو يتصور أنه بمثاليته قادر علي ملء الفراغ المزعوم الذي كان يبرر ذلك البقاء الجاثم القبيح.
ثالثاً: المهدي المنتظر فينا جميعا
هذه الظاهرة لا تخص مجموعة بذاتها، فأي واحد أو واحدة يتصدي لاحتمال أن يقود شعبا مثل شعب مصر له تاريخه، ومصاعبه، وغرابته، وقوته، وضعفه، وما رزح تحته، وما آل إليه هكذا، لا بد أن يحوي في داخله (أو خارجه) أملا، أو حلما، أنه قادر علي أن يأتي بالمعجزات لهداية ليس فقط ناس مصر، بل البشر جميعا بعد ما آلوا إلي ما آلوا إليه. ليس بالضرورة أن يكون هذا الأمل أو هذا الحلم ظاهرا في تصريحاته، أو مسجلا في برنامجه، بالرغم من احتمال أن يكون كامنا في مكان ما من تكوينه البشري العادي (ومن منا ليس بداخله مهدي منتظر؟).
رابعاً: مكافأة نهاية الخدمة
هذه المجموعة الأخيرة تشمل عددا من الكفاءات المتنوعة ذات التاريخ الناجح كلٌّ في مجاله، بعضها في مجالات كانت بعيدة عن السياسة بدرجات مختلفة، ثم وجد نفسه – في قرارة نفسه – لم يحقق، برغم نجاحه في مجاله الأصلي، ما كان يأمل أن يحققه، أو ما كان مفروضا أن يحققه، وبالتالي يتقدم للترشح بأمل غامض في الفوز برئاسة الرئاسات، بمثابة مكافآة نهاية الخدمة، وكأنها قفزة ترقية مفاجئة، لا أقول يسلي بها نفسه في المعاش، ولكن يعوّض بها ما فاته.
التصفية النهائية
برغم كل هذه التصنيفات للدوافع والأحوال إلا أنه لن يفوز من كل المجموعات السابقة أحد، حتي لو تحقق لبعضهم بعض ما أراد ظاهرا وباطنا من ترشحه، فعلينا أن نتقدم لهم جميعا بالشكر الواجب، فقد عبروا بذلك عن معظم فئات الشعب، وضحوا بالوقت والمال (ربنا يعوّض عليهم) وهم يعلمون تمام العلم أنهم لن يفوزوا، ومع ذلك ترشحوا، وصرفوا، وصبروا، وتحدوا، وأمِلوا، وقبلوا الهزيمة (أعني سوف يقبلون الهزيمة) بصدر رحب وشجاعة ديمقراطية تكتب في رصيدهم واحداً واحداً.
أما الذي سوف يفوز بالسلامة، فهو الذي سوف تتفق عليه الكتلتان الرئيسيان في مجلسي الشعب والشوري، أيا كان، مهما كان!
فلماذا كل هذا التعب بالله عليكم؟
لكن عندك: لعل في ذلك بعض الفائدة إذ قد يقدّم لنا ضمنا بعض معالم مما يسمي «قياس الرأي العام»، حين نعرف عدد الأصوات الذي سوف يحصل عليها كل مرشح، وما يعنيه ذلك حالا ومستقبلا.
آسف، ليس تماما، فهذه الأصوات إنما تمثل رأي الصناديق، لا الرأي العام، ولا الوعي الجمعي، أو لعلها لا تشير – ونحن في هذا الحال من الغياب - إلا إلي  موقع الدين الحقيقي أو المصنوع عند العامة، فهي لا تمثل حقيقة قبول التحدي المالي العالمي، ولا حركية برامج نجاح بقاء النوع البشري، ولا ضمان التصحيح الوطني اللازم للفساد، ولا خطط الاقتصاد المستقل القادر، ولا إفاقة التعليم الجاد المستمر، ولا حفز الإبداع الضروري المأمول، ولا معالم الحضارة القادمة، فما الحكاية إذن؟.. لو صح كل هذا، فما الداعي لهذه الانتخابات أصلاً؟
قالْ لَكْ: «الشيء لزوم الشيء».. و«الرئاسية لزوم الديمقراطية» !!
www.rakhawy.org