رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الطاغية ونهر الجنون

 

> ربما كنا جيلاً مضحياً بنفسه ووقته في سبيل رحلة مستحيلة دفعه إليها الهلع من منظر الفجوة المظلمة فانطلق يكتب ويكتب ويسود الورق ويملأ الصفحات بظلام المداد فيما لا جدوي فيه ولا نفع ومرت الأيام والسنون وكانت المفاجأة التي هزت أرجاء الوطن بصياح الثوار صباح »25 يناير« إيذاناً بإعلان الثورة فقد خرج المارد من القمقم وفاق الشعب من غيبوبته العميقة وعلت الصيحات لرحيل الطاغية وكان للثوار ما أرادوا..وفعلاً رحل الطاغية ونزل من برجه العالي ونفذ مطالب الشعب.

> توفيق الحكيم أحد رواد الفكر والأدب والفن العربي المعاصر.. فقد أثر في المسرح فهو أول من طبع مسرحياته لتكون مقروءة قبل أن تمثل علي خشبة المسرح واعتمد لصياغة مسرحه الذهني والفلسفي علي التراث الإنساني الإغريقي »أوديب« والتراث الفرعوني »أيزيس« والتراث الإسلامي »السلطان الحائر« والتراث الأوروبي »بجماليون«.

> أما لصياغة مسرحه الاجتماعي والكوميدي فكتب »المرأة الجديدة« و»خاتم سليمان« و»الصفقة«.

> فالحكيم قدم مسرحاً جديداً وذلك بعرض الحياة الحقيقية في صورة رمزية أو تاريخية تقرب المعني والمضمون للمتلقي العادي ولا تصدم المشاعر الدينية والاجتماعية للإنسان المصري.

> الحكيم له مؤلف »مسرح المجتمع« يشتمل علي عدة مسرحيات ذات الفصل الواحد كثير منها يعالج مشكلات انسانية أبدية في صراع الإنسان مع قوي أكبر وأعظم من قدراته المحدودة مثل الانسان والزمن.. أو الإنسان في مواجهة القدر.. أو الظلم أو الخوف أو القهر كل ذلك في لغة تجمع بين العامية والفصحي وأيضاً لغة القرية التي تسمي باللغة الثالثة.

> نهر الجنون مسرحية من فصل واحد تصور الحياة في مملكة يحكمها ملك طاغية ويعاونه علي قهر شعبه الكبير الوزراء وكبير الكهنة وكبير العسكر وقاضي القضاة.. وكلهم الفساد بعينه.

> يعبر المملكة نهر عظيم  يعتمد عليه الشعب في زراعته وجميع احتياجاته المائية ويعتبر شريان الحياة بالنسبة للشعب الطيب.

> تمارس ضد الشعب شتي أنواع القهر والسلب والنهب والجباية حيث يسرقون أموالهم ومحاصيلهم وضروعهم حتي وصل الذل والقهر الي آخر مدي.

> ذات صباح تجمع شعب المملكة وصمموا علي الثورة والوقوف في وجه الطاغية وأعوانه وكان لهم ما كان فتجمعت كل طوائف الشعب علي قلب رجل واحد وارتفعت أصواتهم بالهتاف بسقوط الطاغية وأعوانه وحاشيته.

> أذاقهم العسكر مر العذاب من حرق وقتل واعتقال وتعذيب ولكن الشعب صمم أن يكمل المشوار مهما كان الثمن.

> اضطر العسكر ورجال الحاشية أن يقنعوا الملك بعد فشلهم المتكرر ان الشعب قد أصابه الجنون ولا يعي لتصرفاته لأنه يشرب من ماء النهر فدفعهم الجنون الي حالة من الهياج العصبي بعد ان فقدوا عقولهم وضربوا بعرض الحائط كل ما هو مألوف في حياتهم.

> صدَّق الملك هذه الأكذوبة وطلب من العسكر أن يزيدوهم عذاباً وقهراً حتي يخمد جنونهم وتعود حياتهم كما كانت.. ولكن زادت الثورة وزاد تهديدهم للملك وحاصروا القلعة وأخذوا يهددون الطاغية ويهتفون برحيل الطاغية وأعوانه وتفعيل الديمقراطية وإقامة حياة حرة كريمة.

* أعتقد الملك انه ورجاله عاقلون والشعب مجنون فعلاً لاستخدامهم ماء النهر في الشرب.. وذهبه تفكيره الي أنه لو أصبح مجنوناً مثلهم سيستطيع أن يعيد الحياة  كما كانت هادئة ومستقرة.. فأمر رجاله ان يشربوا من ماء النهر ويحضروا له كأساً من ماء النهر ليشربه.

> كتب الحكيم هذه المسرحية منذ ما يقرب من خمسين عاماً.. وكانت المعاني بين السطور تنادي بالديمقراطية حيث يجب علي الحاكم الظالم المستبد ان ينزل عن جبروته ويفعل الحرية والعدل والديمقراطية أو يرحل.

> وهذا ما عشنا فيه طوال ستين عاماً حيث كان القهر والاستبداد والفساد وكبت الحريات سمة المجتمع المصري علي مدي الأيام أو السنين وكان الشعب يئن من وطأة الظلم والفساد وتلفيق التهم الباطلة.. وكان أمن النظام يتفنن في تعذيب وسجن الأبرياء حتي يكسر شوكة

الشعب ويجعله هائماً علي وجهه خائفاً من المجهول الذي ينتظره.

> ساد الظلم وتعظم الفساد وكانت الرشوة والواسطة الطريق الوحيد لتنفيذ مصالح فئات الشعب المطحون وكانت القبضة الأمنية مسيطرة لدرجة لا يقبلها أي إنسان حر علي وجه الأرض حتي وصلت تجاوزات رجال أمن الدولة الي مداها المظلم وتدخلوا في كل مناحي الحياة حتي تحولت حياة المصريين الي جحيم.

> فجأة قامت ثورة »25يناير« وطلبت من الطاغية أن يتنحي ويحول مصر الي حكم رئاسي مدني ويرفع الظلم عن كاهل المصريين ويحاسب الفاسدين ناهبي أموال الشعب وسارقي الأراضي وكل ثروات مصر.

> نجحت الثورة وذهب الطاغية الي الجحيم ولكن أري عن قرب أن هناك من يحاول الالتفاف حول الثورة واجهاضها.. فأذناب النظام مازالوا يصولون ويجولون ويرتبون أنفسهم للانقضاض مرة أخري والسيطرة علي مصر.

> لابد لقيادة القوات المسلحة أن تصدر القرارات التي تثبت عقيدة أن الجيش جاء ليرسي الحريات، إن الطاغية وعائلته مازالوا أحراراً يتمتعون بمنتجعاتهم وحياتهم وأموال الشعب التي سرقوها ومازال رجال النظام في برج عال بعيدين عن المساءلة الحقيقية وقدم الجيش بعض أذناب النظام الي محاكمات تؤجل مراراً تاركاً رؤوس النظام الفاسد داخل وخارج مصر يرتبوا أوراقهم ويؤمنون اموالهم المنهوبة.

* إننا نريد تغيير الدستور وليس تغيير بعض مواده فلابد من الغاء الصلاحيات المهولة لرئيس الجمهورية. ان الشعب المصري الطيب يرضي بقليله ولكننا لانرضي عن الحرية واليمقراطية وتحديد اختصاصات الرئيس بديلاً اننا نبغي حياة رئاسية مدنية  من خلال حكومة مدنية منتخبة وتبادل سلطة حتي نرقي بهذا البلد الذي تأخر كثيراً عن ركب التقدم.

> إن الثوار وشعب مصر وجميع القوي الوطنية ترقب القوات المسلحة وعشمنا جميعاً ان تفي بوعدها وتفعل الديمقراطية الحقيقية بعد الغاء قانون الطوارئ والغاء لجنة الأحزاب واجراء انتخابات برلمانية نزيهة وحل المجالس المحلية وتغيير حافظي ومسئولي النظام المخلوع وتغيير رؤساء مراكز الشباب والأندية وكذلك انتخاب العمد ومشايخ الغفر بعيداً عن رجال النظام البائد المشاركين في عمليات التزوير وترويع الشعب.

> إن الديمقراطية هي المطلب الأساسي الذي سيأخذ بيد مصر والتي نادي بها توفيق الحكيم منذ اكثر من خمسين عاماً وبثورة الشباب التي دعمها الشعب كله أصبحنا علي أعتاب حياة ديمقراطية حقيقية.

> يجب علي كل مصري وكل ثائر أن يعي الدرس جيداً أو يرفض أمور اللوع والمراوغة وضياع الوقت لأن الحلول واضحة وطلبات الثورة سهلة التنفيذ لو سلمت النية وفعلت الحياة المدنية فعلاً.. نحن ننتظر؟!!

المنسق العام للمجلس التنفيذي لحزب الوفد

ً[email protected]