رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

اختيار الرئيس.. ضوابط شرعية للجماعات والأفراد والإعلام

ترددتْ في الآونة الأخيرة أسئلة كثيرة بخصوص اختيار الرئيس، لا سيما بين الجماعات وأفرادها، وثارت أسئلة شرعية كثيرة لا سيما حول علاقة الفرد بالجماعات والأحزاب وعلاقة الأحزاب والجماعات بأفرادها...

ولعل الضوابط الشرعية التي ينبغي أن تراعى في هذا الأمر والعمل بها وتحكيمها تريح أطراف المشهد، والموضوع على أية حال متشابك ومعقد وسريع التغير، لكن هناك ضوابط عامة قد لا تخضع كثيرا للتغير السريع الذي يتسم به المشهد السياسي المعاصر.

موقع مسألة اختيار الرئيس من القطع والظن
وفي البداية لابد من تحديد موقع مسألة اختيار الرئيس، هل هي من المسائل المقطوع فيها برأي واحد قولا واحدًا لا يحتمل الخلاف، أم أنها توضع في مجال المسائل والقضايا الاجتهادية الظنية التي يتراوح الرأي فيها بين الفاضل والمفضول، والأولى وغير الأولى؟
ولا شك أن مسألة اختيار الرئيس من المسائل الاجتهادية التي تتباين فيها الرؤى، وتتفاوت فيها وجهات النظر، وتحتمل اختلاف الآراء، بين راجح ومرجوح، وقوي وأقوى، وفاضل ومفضول، ولا تدخل المسألة في باب القطع الذي إذا خولف فيه الرأي فقد ذهب في نطاق الحرمة أو المعصية، التي لا طاعة فيها لأحد كائنا من كان!.
وفي قضايا الخلاف فإن رأي ولي الأمر أو من يقود عملا اجتماعيا ودعويا أو علميا وفقهيا، وليس الحاكم أو إمام المسلمين فقط ـ كما أورد السيوطي في الدر المنثور أقوالا تقضي بهذا في تفسير قوله تعالى: "وأولي الأمر منكم" ـ  يرفع هذا الخلاف ويُعمل به، وهو ما عبر عنه الإمام حسن البنا في الأصل الخامس من أصول الفهم العشرين بقوله: "ورأي الإمام ونائبه فيما لا نص فيه، وفيما يحتمل وجوها عدة، وفي المصالح المرسلة ـ معمول به ما لم يصطدم بقاعدة شرعية، وقد يتغير بحسب الظروف والعرف والعادات...".
كما أود أن أنبه إلى أن الحديث التالي بضوابطه لا يخص جماعة دون جماعة ولا يخص حزبا دون حزب، وإنما ينطبق على كل الجماعات، فمصر بها جماعة الإخوان المسلمين، وجماعة أنصار السنة المحمدية، والجماعة الإسلامية، ودعوة التبليغ والدعوة، والجمعية الشرعية، والدعوة السلفية، وغيرها من الجماعات والدعوات، كما أن هذا ينطبق على مصر وعلى غير مصر من دول.

ضوابط اختيار الجماعة للرئيس
من الأمور المقررة أن الجماعة تصدر في آرائها عن الشرع الشريف، ولا تتجاوزه، حتى لا تقع في محظور شرعي، وحتى تحافظ على مبدأ السمع والطاعة الذي يقتضي تحري الشرع وأحكامه في كل فعل، وفي كل قول، وفي كل اختيار بما يحقق الكفاءة في القيادة التي ينبني عليها التزام أفردها المبني على الثقة بضوابطها ومقتضياتها.
وفي مسألة اختيار الرئيس هناك ضوابط ينبغي أن تراعيها الجماعة وتنضبط بها في هذه المسألة أو ما يماثلها، ومن هذه الضوابط:
أولا: أن تسعى الجماعة لرضا الله تعالى فيمن تختار عملا بقوله تعالى: "وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ" سورة التوبة: 62. وامتثالا لما روته عائشة رضي الله عنها: "من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس". [أخرجه ابن حبان (1/510 ، رقم 276) ، وابن عساكر (54/20)]. ولا تعتبر رضا الناس؛ لأن رضا الناس غاية لا تدرك، وقد قال الشاعر:
إذا رضيت عني كرام عشيرتي    فلا زال غضبانًا عليَّ لئامُها
وقال آخر:
ومَنْ في الناس يُرضي كلَّ نفس   وبين هوى النفوس مدًى بعيدُ
ثانيًا: أن تسعى لمصلحة البلاد والعباد، وتقدم هذه المصلحة على المصالح الشخصية؛ فإنه قد تقرر في قواعد الشريعة أن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة، وأن مصلحة المجتمع والأمة مقدمة على مصلحة الفرد.
ثالثًا: أن تتحرى فيمن تختاره القدرة والكفاية، فإذا كان الضابطان السابقان خاصَّيْنِ بعملية الاختيار، فإن هذا الضابط خاص بالشخص المختار لهذا المنصب المرموق؛ أن يكون تقيًّا ورعًا يخشى الخالق سبحانه، ويرحم المخلوقين، وأن تكون لديه من القدرة والكفاية والقوة والخبرة ما يقوم به بمتطلبات هذا المنصب، وقد قال يوسف عليه السلام حين تقدم لولاية ملك مصر وخزائنها: "قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ". سورة يوسف: 55. فهو ـ عليه السلام ـ قد أنس من نفسه الحفظ لحدود الله، والحفظ للأمانة، والعلم والخبرة والكفاءة للقيام بما يقتضيه هذا المنصب.
رابعًا: أن يكون الشخص المختار أفضل من يمكن أن يقوم بهذه المهمة، ولا يكون هناك أفضل منه؛ إرضاء لله، وكفاءة وقدرة وخبرة؛ لما رواه أبو داود بسنده عن عبد الملك بن مروان قال سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أفتي بغير علم كان إثمه على من أفتاه ـ زاد سليمان المهري في حديثه ـ ومن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه". [سنن أبي داود: كتاب العلم. باب التوقي في الفتيا].
خامسًا: أن تعلن الجماعة عن كل ما يمكن إعلانه من حيثيات اختيارها أمام الرأي العام، والأولى من الرأي العام أفرادها الذين يعملون من خلالها، ويسمعون ويطيعون لها، ويثقون في قيادتها، فهم أولى بالإخبار بهذه الحيثيات؛ تقديرًا لهم، ولعقولهم، واستيعابًا لهم؛ فالأقربون أولى بالمعروف كما هو مقرر في الإسلام؛ وبخاصة أننا في عصر المعلومات الذي لا يخفى فيه شيء؛ فلأن يعرفوا من جماعتهم خير من أن يتم تركهم فريسة للإعلام بما يحمله من سلبيات تغير الرأي وتحور فيه وتزيد عليه...وقد قالت إحدى المرأتين لأبيها في سورة القصص حين اقترحت عليه أن يستأجر موسى ـ عليه السلام ـ مبينة حيثيات اختيارها لموسى عليه السلام: "يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ". سورة القصص: 26.

ضوابط خاصة بالفرد في هذا الصدد
للفرد ضوابط شرعية كذلك في مسألة مثل اختيار الرئيس ينبغي أن ينضبط بها، كما ينبغي على الجماعة أن تنضبط بالضوابط السابقة، ومن ضوابط الفرد:
أولا: أن يتجرد من كل هوًى في نفسه، وأن يخلص للرأي الأصوب في الاختيار، ولا يقبل على رأي بخلفيات سابقة أو قناعات قد تفسد عليه البحث والتحري المجردين، وقد قال تعالى: "أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ  أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً". سورة الفرقان: 43. وليس هذا طعنًا في نية أحد ولا تقليلا من شأن أحد، وإنما كل أمر نتحرى فيه الصواب والحق يحتاج لتجرد كامل، والجماعة مطالبة

به بالدرجة نفسها الذي يطالب به الفرد.
ثانيًا: أن يقرأ حيثيات اختيار الجماعة بعين الإنصاف، وأن يدرسها دراسة وافية حتى لا يكون السمع والطاعة على عمى وغير بصيرة، وإنما تكون الطاعة ويكون السمع على بصيرة وهدى ونور... "أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ". الملك: 22.
ثالثا: قد يرى الفرد أن اختيار الجماعة مخالف لما استقر لديه من رأي، وهنا ينبغي تحكيم القواعد العقلية والشرعية التي تقضي بأن الجماعة إذا انتهت إلى رأي فسيكون رأيا مؤسسيا صادرا عن مؤسساتها المتخصصة ومجلس شوراها المنتخب من أفراد الجماعة، ولديها من مصادر المعلومات ومقومات تكوين الرأي ما لا يتوافر للفرد، والمظنون بها أنها تسعى لرضا الله ومصلحة الوطن، وهي مسألة اجتهادية في النهاية وظنية، والقواعد الفقهية تقول: إن ظن الجماعة أرجح من ظن الفرد، ولن يكون الفرد آثما شرعًا إذا اتبع المفضول مع الجماعة وترك ما يراه فاضلا من وجهة نظره، بل سيكون مشكورًا مأجورًا؛ لأن التجمع على المفضول خير من التفرق على الفاضل.
رابعا: إذا أيقن الفرد أن عنده من المعلومات ما ليس عند الجماعة بما قد يغير الرأي العام وما يمثل خطرا على المجتمع، فعليه أن يقدم واجب النصيحة، وهذا واجب شرعي عليه؛ لما رواه مسلم بسنده عن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدين النصيحة قلنا لمن قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". [صحيح مسلم: كتاب الإيمان. باب بيان أن الدين النصيحة]. وعليه أن يقدم ما لديه من معلومات، فإنما الجماعة بأفرادها، والرؤية العامة تكوَّن من مجموع رؤى الأفراد، وعليه أن يناقش ويجادل بالتي هي أحسن حتى يصل الجميع للرأي الْمُرْضِي لله، والأصلح للوطن، ولا ينبغي التعنت من كلا الطرفين بل يجب التطاوع وعدم الاختلاف، وبخاصة في المسائل الاجتهادية التي يكون الاجتماع فيها على المفضول خير من التفرق على الفاضل، والنبي صلى الله عليه وسلم حين بعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن قال لهما: "يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا". [صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير. باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه].
خامسًا: إذا أُمِر الفرد بسمع وطاعة فيما يغضب الله تعالى أو فيما يوقع الضرر المؤكد بمصلحة البلاد فلا سمع ولا طاعة لأحد؛ لما رواه البخاري بسنده عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السمع والطاعة حق ما لم يؤمر بالمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة". [صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير. باب السمع والطاعة للإمام].

ضوابط للإعلام والرأي العام
وللإعلام والرأي العام والإعلاميين ضوابط شرعية ينبغي أن ينضبطوا بها في مثل هذه المسائل، وغيرها من المسائل، ومن أهم هذه الضوابط:
أولا: التحري في نقل المعلومات من مصادرها الصحيحة، والتبين في نشر الأخبار حتى لا يفسد الإعلام ويهدد مقصود ما يسعى إليه الجميع من تحقيق مصلحة البلاد والعباد، والله تعالى دعانا للتبين والتثبت فقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ". سورة الحجرات: 6.
ثانيا: ألا يضخم الصغير، وألا يهون العظيم بل يضع كل قول وكل فعل في مكانه الصحيح حتى لا تختل موازين الأمور، فينعكس ذلك بالسب على المقصود، وقد أمرنا الله تعالى بإقامة الوزن بالقسط فقال: " وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ". سورة الرحمن: 9.
ثالثًا: ألا يركز على شواذ الأمور والتصريحات، ويبرز الشاذ من الحديث الذي يثير الرأي العام لتحقيق ما يسمونه بالسبق الإعلامي، بل يجب أن يحرص الإعلام على عرض المشهد بأمانة وإنصاف، وأن يضعوا المصلحة العامة للبلاد والعباد فوق المصالح الذاتية الشخصية؛ لأن مصلحة الأمة والمجتمع مقدمة على هذه الأوهام.
***
بهذه الضوابط ـ فيما نحسب ـ وبالحرص على الانضباط بها يمكننا أن نصل إلى بر الأمان بالفوز برضا الله تعالى، وتحقيق مصلحة البلاد والعباد، وبلا حدوث فتنة بين جماعة وأفرادها، أو بين حزب ومنتسبيه، وبلا تشويه إعلامي وقلب للحقائق، وفي هذا ما يعود بالأمن والسلامة على المجتمع جميعا.