رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الخطأ الشائع والصواب المهجور في مفهومنا للديمقراطية

كان لظهور القضاء الدستوري في النظم الدستورية الحديثة  اثر كبير على تغير مدركات الديمقراطية التقليدية. حيث انتقلت النظم الديمقراطية من مفهوم سيادة البرلمان و وسيلته التشريع -سيد القرار ، إلى مفهوم جديد وهو سيادة الشعب ووسيلته الدستور كسيد للقرار .

و هكذا فان مبدأ سيادة الشعب الذي قبل الدستور ووافق عليه كقانون أعلى للدولة يؤدى بالضرورة الى خلق جهاز متخصص يتولى الرقابة على موافقة التشريع للدستور ألا وهو القضاء الدستوري. فقد أدى ظهور مبدأ سمو الدستور إلى خضوع الجهاز التشريعي إلى قواعد دستورية يجب أن يتوخاها المشرع لاسيما تلك التي تتعلق بالحقوق والحريات الأساسية، و الى الانتقال من مبدأ المشروعية إلى مبدأ الدستورية الذى يترجم التطور الذي بلغته فكرة الدولة القانونية. ولقد عبر القضاء الدستوري الفرنسي في حكمه الشهير الصادر فى23 أغسطس سنة 1985 عن هذه الحقيقة الدستورية الجديدة بقوله " لا يعبر القانون- ولو تم التصويت عليه في البرلمان- عن الإرادة العامة للأمة إلا إذا كان مطابقا للدستور". فهل فرنسا اقل ديمقراطيه من مصر؟

والترجمة الدستورية لهذا المبدا مفادها ان الإرادة العامة للأمة لم تعد كامنة في التشريع ومسكنها ليس فى البرلمان وإنما في النص الدستوري والفم الناطق به وفقاً لهذا المنطق هو القاضي الدستوري ذاته. فهو المفسر الأصيل لنص الدستور.
على ان النظرة العابرة توحي للبعض أن الديمقراطية تتقلص  وحسب في الأهمية العددية لحزب أو لائتلاف حاكم فى البرلمان. والفكر السطحي يكتفي بالحصول على أغلبية برلمانية نسبية حتى ينفرد حزب بالسلطة ويصبح بمنأى عن مشاركة السلطة مع القوى السياسية الأخرى. والواقع انه ليس هناك اغرب من هذه الفكرة على الديمقراطيات الدستورية الحديثة.
حبث تقوم الديمقراطيات الحديثة على مبدأ توازن السلطة وتوزيعها والمشاركة فيها وليس على مبدأ الانفراد والاستئثار الجشع بالسلطة بلا شريك أو حسيب. والأمثلة تعضد ما أقول:
أولاً :-
إذا ملكت الأغلبية البرلمانية حق التشريع فان حقا أخرا يقابل ذلك في صالح الأقلية المعارضة وهو مكنة مخولة للمعارضة البرلمانية للطعن على التشريع قبيل إصداره وهذا الطعن يرفع أمام القاضي الدستوري الذي يمكنه هو الأخر أن يقضى بعدم دستورية القانون. فلا يصدر قبل تلافى العيوب الدستورية التي تعتريه. أثرت هذه الآلية الدستورية المطبقة فى فرنسا- منذ التعديل الدستورى الوارد على الدستور الفرنسى سنة 1974 -على تحقيق التوازن السياسي والحد من السلطان المطلق لحزب أو ائتلاف واحد حاكم كما ساعدت على وجه الخصوص على تهدئة المناخ السياسي المتأجج أحيانا لاسيما بعد صدور قرار القاضي الدستوري أيا كان مضمون حكمه لمصلحة أو ضد احد او الاحزاب الطاعنة فى دستورية التشريع. وذلك لان الأحزاب ترتضى رأى القاضى الدستوري حكما فى الشئون الدستورية. فمن حق الاحزاب التى تنتمى الى الاقلية البرلمانية ان تطعن فى دستورية التشريع الذى وافقت عليه الاغلبية و ذلك امام القضاء الدستورى قبل اصدار التشريع المطعون به.

فقرار القاضي هو عنوان للحقيقة القانونية والدستورية التى تقابل باحترام من جميع الأطراف المعنية ولو خالف فى ذلك الإرادة السياسية للأغلبية البرلمانية. وفى حقيقة الأمر – إذا كان قرار القاضي الدستوري موضوعيا ومبنيا على أسس دستورية قوية تتضمنها حيثياته- فهو يعبر عن إرادة الشعب التي أفرغها فى الدستور وهي اعلي من إرادة النائب. لان الدستور يعبر عن ارادة الأصيل وصاحب السيادة وهو الشعب. أما التشريع فهو يعبر عن إرادة الوكيل المفوض عن الأصيل ويجب إذن إخضاع إرادة الوكيل لرقابة الأصيل حتى نتحقق من مطابقة الأولى للثانية. على ان هذا التحليل يستند فى واقع الأمر إلى مبدأ دستورى اخر معرف فى الدراسات الدستورية الحديثة وهو التدرج الارادى بين السلطة التأسيسية الأصيلة والسلطة المؤسسة او التابعة. فإرادة الأولى تعلو على إرادة الثانية لسبب بسيط الا وهو أن السلطة التأسيسية الأصيلة هي التي تحدد وتنظم شرائط وطرائق الوجود والعمل للسلطات الموضوعة أو الفرعية وترسم لها حدود اختصاصاتها ومدى صلاحياتها. لذا فمن الطبيعى ان تعلو ارادتها على ارادة السلطة المنشاة.
ثانيا.
الأقلية البرلمانية المعارضة لها سلطات خاصة بها وحكر عليها في الأنظمة الديمقراطية الحديثة ولا يجوز أن تمارس بعض الصلاحيات الدستورية الرقابية إلا أحزاب الأقلية التي في المعارضة وذلك أيا كان الحزب الذي تنتمي إليه هذه الأقلية وأيا كان حزب الأغلبية. ففي فرنسا مثلا كل ما يتعلق بالمحاسبات والرقابة المالية على أعمال الحكومة تختص به لجان برلمانية داخل البرلمان مشكلة من الحزب المعارض وبالتحديد حزب الاقلية وبمعاونة محكمة المحاسبات التى يجب ان يرأسها قانونا شخصية من شخصيات المعارضة. الأحزاب المعارضة تتمتع اذن بمكنات دستورية تخولها حق إعمال طرائق الرقابة المختلفة على حكومة الأغلبية.

ولذلك نرى انه يجب أن ينص الدستور الجديد على أن النظام الدستوري المصري يقوم على توزيع السلطة وليس تداولها فحسب. فالتداول يعنى مرور سلطة الحكم من حزب إلى أخر من خلال العملية الانتخابية أما التوزيع والتقاسم فيعنى أن الحزب الذي تفرزه الانتخابات لا يحتكر السلطة وحده إنما يقوم بتوزيعها ومقاسمتها خلال فترة الحكم مع الأحزاب الأخرى الحاصلة على نسب اقل منه فى المجلس النيابي وذلك بنسبة تواجدها الفعلي وقدرتها فى المساهمة السياسية وتحديث النظام السياسي. ان الهدف هنا بديهى وهو عدم الاستئثار بالسلطة وعدم الانحراف بها. لان مبدأ الفصل بين السلطات يقوم على فكرة الحد من شطط السلطة بفضل تفعيل سلطة اخرى عليها. و من المخطئ ان نظن ان نجاح حزب فى الانتخابات يسمح له أن يتغول ويركز كل السلطات فى يديه وحده . لان سلطة الأغلبية يجب أن تقابلها سلطة مضادة تحد منها حسب النظريات الدستورية الحديثة. هذا دورها وهذا هو المفهوم الحديث للأنظمة الديمقراطية. أن رفض هذه المفاهيم يعنى ببساطة رفض تبنى النظام الديمقراطي لا أكثر ولا اقل.
ثالثاً :-
الفترة الانتقالية والنظام اللاحق لها يجب أن يعبرا عن تحول سياسي عميق وجذري في واقع وتاريخ الشعب وإلا ما كانت هناك ثورة وما كان هناك إلا تغييرا للأشخاص فحسب دون ادني تغيير موضوعي في حالة الشعب ذاته. مقتضى ذلك هو أن قمع الحريات أو تقييدها في ظل نظام سابق يجب أن يستبدل بحمايتها وتقرير ضمانات قضائية و دستورية لها في النظام الجديد. انه التزام بنتيجة و ليس فقط ببذل عناية. ولا تقبل اى حجة دينية أو عسكرية لتبرير تقييد حريات المواطنين في ظل النظام الدستوري الجديد وإلا كما قلنا لكان الأمر مجرد تغيير في شخص الحاكم فقط مع بقاء ذات الثقافة الحاكمة المعادية لفكرة الحرية الإنسانية ولو كان هذا العداء الجديد مبنيا على أسباب أخرى. لان ألعبره هي بالتغيير الموضوعي لمساحة الحريات التي يتمتع بها الأفراد ونوعية الضمانات الفعالة التي تسمح بحماية الحقوق والحريات والأساسية. وعلى ذلك فمن الضمانات التي يمكن إدراجها فى الدستور الجديد ضمانة تقييد سلطة تعديل الدستور فى مجال الحقوق والحريات العامة. فبعد أن يقرر الدستور الجديد قائمة الحقوق الأساسية ينبغي عدم الارتداد الى الخلف وان نتعظ بتجارب الماضي. فكل تعديل دستوري لاحق ماس بإحدى الحريات الأساسية يجب ان يعرض مشروع التعديل على المحكمة الدستورية العليا فى نطاق الرقابة السابقة على صدور التعديل الدستوري والتي نقترحها فى الدستور الجديد. فإذا رأت المحكمة الدستورية العليا أن مشروع التعديل ينتقص جوهريا من احد الحقوق الأساسية أصدرت قرارها بعدم دستورية التعديل وانتهى الأمر على ذلك. ان الهدف هنا هو وبخاصة فى فترات التحول الدستوري الحرجة هو تجنب العودة للخلف أو الانتكاس.

ان نظرية "التشريع المرتد " من اهم النظريات الدستورية الحديثه الكافلة للحقوق و الحريات الاساسية للمواطنين. و من مقتضاها ان القاضى الدستورى من

حقه ان يعلن عدم دستورية التشريع اللاحق اذا تضمن تعديلات لتشربع سابق مفضية الى الانتقاص من الحقوق او الحريات الاساسية التى تضمنها التسريع السابق او حتى تقليص للضمانات المكفولة بقانون سابق. لان المشرع لا يستطيع ان يتدخل فى حقوق و حريات المواطنين الا من اجل تفعيلها و تزويدها بضمانات اكثر فعالية من الضمانات السابقة و ليس العكس. و فى تقديرى انه من الممكن ان نطبق هذه النظرية على القانون العادى و على التشريع المعدل للدستور و مقتضى ذلك ان نلزم المشرع الدستورى و المشرع العادى باحترام المضمون الاساسى و الحد الادنى من الحقوق و الحريات التى نص عليها سلفا كلما شرع فى تعديل نصوص تشريعية او دستورية ماسة بالحريات العامة.
رابعاً :-
في فترات التحول السياسي والحقب الانتقالية تتشابه التجارب بين الأمم ويمكن أن نستمد منها عظة حسنة. فانفراد حزب بالحكم و لقرار كما كان الحال فى النظام السابق يجب أن يزول وألا يستبدل بانفراد حزب أخر بالسلطة والقرار. وتبعا فالسلطة التأسيسية القائمة باقتراح مشروع الدستور لا يجب أن تنفرد به. فالدستور قانونا وعلميا وسياسيا هو تعبير حكيم عن توازنات سياسية دقيقة ويمثل سيادة الشعب كله وليس أغلبية عددية ولو كانت من المتقين.
وتبعا فاقتراح مشروع للدستور كان يجب ان يعبر عن الإرادة العامة الحقيقية للأمة بجميع مكوناتها والقوى السياسية المختلفة فيها. وليس بدعا من القول أن تشارك جميع القوى السياسية فى وضع الدستور الجديد حتى اخر لحظه فى اعداده. فجميع الدول التي عبرت من نظام قامع إلى نظام حر دعت جميع القوى السياسية أقلية وأغلبية للتفاوض والنقاش حول مشروع الدستور الجديد فهذا هو التحدي الحقيقى الذي تمثله الديمقراطية: الدعوة للحوار والنقاش والتحسين والتجويد بين أطراف متعارضة تتعلم بالتجربة فن النقاش والحوار الديمقراطي لان الحقيقة ليست حكرا على فريق. ألا نعلم أن النظام العنصري لجنوب إفريقيا سقط وعندما شرع الشعب في إقامة نظام حر جديد تم التفاوض بين جميع الأحزاب السياسية سنة 1992 لإعداد وثيقة دستورية تجمع المبادئ الدستورية العليا المتفق عليها بين جميع الأحزاب أغلبية وأقلية وشاركت كافة الأحزاب في التفاوض حول مبادئ الدستور الجديد. بل أكثر من ذلك فعندما لوحظ على المشروع النهائي مخالفته للمبادئ المتفق عليها في الوثيقة الدستورية المبدئية و تمت إحالته للمحكمة الدستورية التي قضت بالفعل بعدم مطابقة بعض المواد في المشروع النهائي للوثيقة الدستورية المتفق عليها بين جميع الأحزاب السياسية المشاركة ولم يصدر الدستور الجديد دون إجراء التعديلات التي اقتضاها القاضي الدستوري في النص النهائي والتي تتفق مع إرادة جميع الأحزاب المشاركة في إعداد المشروع.
خامساً :-
إن القول بان الجمعية التأسيسية التى تتكون فى الفترات الانتقالية حرة حرية مطلقة في وضع ما تشاء من مبادئ في مشروع الدستور الجديد ليعنى ببساطة إمكانية تجاهل المبادئ الدستورية التي قامت الثورة من اجلها والتي وافق عليها الشعب المصري في استفتاء دستوري ملزم فى التاسع عشر من مارس الماضي، ومنها تحديد مدة الرئاسة بأربع سنوات وقصر التجديد على مدة واحدة. ومنها أيضا الأشراف القضائي الكامل على العمليات الانتخابية فضلا عن مبدأ المواطنة وغيرها من المبادئ الدستورية التي ووافق عليها الشعب في الاستفتاء أو طالب بها الثوار طوال فترة الاحتجاجات بميدان التحرير. إن وجود هذه المبادئ الدستورية ملزم للسلطة التأسيسية من وجهة نظر الشرعية السياسية و الدستورية ، والتخلي عنها هو غش نحو الدستور الجديد من الناحية القانونية، بينما يعتبر الالتزام بها من قبيل الاعتراف الضمني بفساد نظرية الحرية المطلقة للجنة القائمة باقتراح الدستور.
سادسا:- 
  من التحليل الفج و الخطا العلمى ان يدعى البعض ان الاراده الشعبيه و حدها تصحح كل عوار يعترى القرارات القانونية التى يتخذها اى جهاز فى الدوله. و انه يكفى الاستفتاء او الانتخاب حتى نضفى الشرعية على الاثم القانونى المرتكب او المخالفة القانونية الواقعه باثر رجعى. القانون علم له قواعده و المخالفة القانونية فى قرار لا تصحح باعتماده و انا بازالته تماما مع كل ما يترتب عليه من اثار.  كذلك فان الادعاء الخاطئ بان الحاكم طالما انتخب من الشعب سيعطى له كارت بلانش و تصريح مطلق بلا قيود لممارسات سياسية مخالفة للقانون و المبادئ الدستورية العامه، لهو هراء و هزل من الناحيه الدستورية و القانونية.  و لئن كنا نعذر الساسه الذين يلتمسون فى ذلك السند اليتيم  للخروج عن القانون و المبادئ الدستورية الا  اننا لا نعفى مطلقا من المسئوليه طره من المتفيقهين من رجال القانون الذين يساندون ذات التوجه لاعتبارات حزبية او شخصية محضه. فاثناء فترة الحكم و الولايه يخضع الحاكم لمجموعة من القواعد و المبادئ التشريعبة و القانونية التى تقيد تصرفاته و الخروج عنها هو خروج عن الشرعية و انتهاك ايضا لمذهب الديمقراطية الدستورية.  فلنكف اذن عن بله الخطاب بان الرجوع الى السعب مصحح للعار و العوار لاننا لا نرجع لصاحي السياده لناطالبه باقرار الخروج على  السياده و انتهاكها. هذا عبث.

- كلية الحقوق و العلوم السياسية- جامعة لاروشيل. فرنسا.