رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ما لا شك فيه

قالوا قديماً: من لم يعرف الاختلاف لم يذق طعم الفقه، فكأن معرفة وجهات النظر المتكاملة والمتعارضة تقود إلى فهم أعمق ويقين أصدق، لكن أين اليقين الذي يمكن أن نصل إليه بعد ما مر بنا من نظريات الشك فيما حدث، وفي الدافع وراءه، والقوى المدبرة والمحركة لهذا الزلزال؟ إذا كنا لا نملك أن نؤكد أياً من هذه النظريات وليس لدينا دليل ينفيها، فأين الحقيقة إذن؟ أريد أن أخرج من مناقشة المجهول إلى تحديد المعلوم، وأن اتجاوز ما نحن مختلفون فيه وصولاً إلى ما يمكن أن نتفق عليه، صحيح أنه لدينا ما نشك فيه، ولكننا نحتاج أن نبصر ما لا شك فيه.

لا أحد يختلف على أن مصر كانت في حاجة منطقية للتغيير، وأن التغيير المطلوب كان يجب أن يتم بعيداً عن الخيارات التي وضعها النظام السابق: مبارك، أو نجله، أو عمر سليمان، كان أمراً غريباً أن نرى عملة بثلاثة أوجه! فقد كان ذلك النظام معادياً لسنة الله في الكون: التغيير، اللهم إلا إذا كان تغييراً إلى الأسوأ! وتجلى ذلك في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة المضحكة بمرارة، وشاخت الوجوه في أماكنها، فصرنا نحكم برئيس ثمانيني ونظام سبعيني تكلس واستمرأ السلطة للدرجة التي أصبح يتعالي فيها عليها وعلينا، وشهدت مصر أسوأ الأزمات وأسوأ إدارة للأزمات في وقت معاً، ولما كان النظام غير راغب في التغيير وغير قادر عليه كان على الشعب نفسه أن يتغير، فبدأت الاعتصامات والإضرابات والمظاهرات، وتعددت المواجهات بين النظام وقوى عدة في المجتمع، ولم يكن هناك إلا الحل الأمني لدى الدولة، وتغلغل أمن الدولة في النقابات وأندية القضاة والجامعات، ووصلنا الى حالة أشبه ما تكون بذلك الجو المشبع باليأس والغضب كما كان الحال قبل ثورة يوليو 52 أو احتجاجات يناير 77. كنا قد امتلأنا وكان حتما أن ننفجر، فقط كنا ننتظر شرارة البدء، فلما جاءت حدث الانفجار الكبير.

لا يمكن أن نختلف أيضاً على أنه قد حدث تغيير في مصر؛ فقد صار الرئيس الذي يفيض حكمة وأناة (من النوع الذي يشل) رئيساً مخلوعاً محصورا، وصار حزبه محظورا، وأصبحت أسرته التي كانت تملأ الأبصار والآذان في خبر كان، ليس هذا فحسب، بل بدأ التغيير يأخذ مساره خارجياً، مع حدوث بعض التحسن في العلاقات مع بعض دول حوض النيل، والاتجاه إلى المصالحة بين فتح وحماس، وتخفيف حدة الخطاب تجاه إيران. أما داخلياً فقد بدأ الحلم من جديد، ودب الحراك في جسد المجتمع بعد سبات طويل ظنه الكثيرون موتاً، وسقط الفراعنة والباشوات والحاكمون من أبراجهم العاجية. قد تسمي أنت ذلك فوضى، ويسميه غيرك بعثاً، ولكننا جميعاً نتفق على أنه تغيير لا

شك فيه.

لا شك أيضاً في أنه قد صارت لدينا اختيارات أكثر الآن، ليس من ناحية عدد المرشحين للرئاسة وحسب، ولكن من ناحية السبل التي يمكن أن نقصدها، من تعديلات دستورية، إلى حرية تكوين الأحزاب، والتفكير في تعديل القانون المنظم للجامعات، وتراجع قبضة الأمن عن إنتخابات النقابات، ورفع القيود عن الجماعات الدينية التي واجهتها الأنظمة السابقة بالعنف والحذر القانوني والاستبعاد، وقد نختلف على مدى جدوى أو جدية أي من ذلك، ولكن لا يمكن أن نختلف على أن كل هذا قد حدث ومازال يحدث.

نستطيع أن نتفق أيضاً على أننا دولة كبيرة وذات ثقل مؤثر، وربما شعر المصريون المغتربون بهذا جلياً أثناء الثورة، فتحولت مصر إلى خبر دائم وقصة مستمرة، وأصبح ميدان التحرير أشهر من ميدان السلام السماوي (الذي شهد المظاهرات المنادية بالدمقراطية في الصين عام 1989)، ليس هذا فحسب، بل تأثرت أسواق المال العالمية سلباً بالاضطرابات في مصر، وارتفعت أسعار البنزين في أمريكا وأوروبا. يا إلهي! ألهذا الحد نحن مهمون ومؤثرون؟ لقد أنسانا النظام السابق ذلك، وقد كان ذلك حجمه، لا حجمنا، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم. لقد اكتشفنا أننا أكبر مما كنا نتصور، وأن ذلك النظام كان أصغر مما كنا نتخيل.

في وجود كل نظريات الشك يمكن أن نتيقن من أننا مازلنا في معركة لم يهدأ غبارها، ولا نستطيع الرؤية بوضوح خلاله، ومن ثم ليس سهلاً الوصول إلى استنتاجات، وأننا يجب أن نكون مستعدين لمفاجآت كثيرة ربما أصابتنا بالغثيان،  فلنتفق إذن على أننا  مازلنا في مرحلة البحث والتفكير، وليس التقرير، وأن ما حدث هو مجرد البداية، وأن أمامنا تحديات أهم، ومؤامرات محتملة، وصراعات مع أطراف شتى، وأطماع لأطراف أكثر، وأن أمامنا فرصة ذهبية لأن نكون، لو أضعناها سيكون من الصعب جداً أن نكون، هذا مالا شك فيه.