رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هوا صحيح الرأى العام؟

فى الأنظمة الديمقراطية؛ يتحدث الرأى العام، ويحكمون باسمه، وفى الأنظمة غير الديمقراطية يتحدثون عن الرأى العام، ويتحكمون باسمه، وبالرغم من البساطة التى يبدو عليها المصطلح، إلا أن العلماء اختلفوا فى تعريفه وطرق قياسه؛ هل هو رأى كل الناس، أم معظم الناس؟ وكيف نحدد "معظم" الناس؟ الثلثان؟ أكثر من خمسين فى المائة؟ كلا الأمرين جائز حسب النظام السياسى، لكن كيف نتأكد من أن الرأى الذى حصلنا عليه يمثل الأغلبية؟ وماذا لو اختلف توزيع الآراء بعد الانتخابات؟ ألا يعنى أن الحاكم لن يكون ممثلاً للأغلبية؟ وبالتالى ينتهى الأمر إلى سيادة رأى الأقلية وليس الرأى العام.

الأصل فى قياس الرأى العام هو الحياد فى كل شىء: الجهة التى تقيسه، والأسئلة المستخدمة، وطريقة الوصول إلى الناس، والشرط الأهم فى قياس الرأى العام هو أن يكون رأى البعض معبراً عن رأى الكل، أو ما يسميه أهل الاختصاص: تمثيل العينة لمجتمعها والقدرة على تعميم النتائج، وبدون هذه الشروط والاعتبارات نحصل على آراء، ولكن لا يمكن وصفها بالرأى العام، فهى مجرد أرقام تعبر عن آراء من أجابوا وحسب، ولكنها لا تخبرنا عن حقيقة الرأى العام.

وإليك هذا المثال لنفهم ماذا يعنى حياد الأسئلة: عرض الأستاذ على طلابه السؤال التالى لقياس رأى الناس فى وزير الخارجية: "هل تعتقد أن فلاناً قد فقد كثيراً من مهاراته الدبلوماسية؟" فلم يبد الطلاب اعتراضاً على ضم السؤال إلى الاستفتاء الذى كانوا يعدونه، لكن الأستاذ اعترض على صلاحية السؤال، قائلاً: الإجابة سواء بلا أو بنعم سوف تعتبر رأياً إيجابياً؛ لأن "لا" تعنى أنه محتفظ بمهاراته، و"نعم" تشير إلى موافقتهم الضمنية على أنه كان لديه مهارات من الأساس، فى حين أن هذا قد لا يعبر بدقة عن رأى الناس، فلنبحث عن صياغة أخرى إذن!

ربما تندهش كثيراً من دقة استطلاعات الرأى فى أروبا والولايات المتحدة وإسرائيل، حيث تأتى نتائج الانتخابات تقريباً متطابقة مع نتائج الاستطلاعات، فمثلاً تستخدم مؤسسة "جالوب" الأمريكية عينات من الناخبين قوامها 1500 فرد، ثم تأتى نتائج الانتخابات التى يذهب إليها حوالى 40 مليون ناخب متفقة مع استطلاعات "جالوب"، أى أن العينة ممثلة للمجتمع، ومن المرات النادرة التى أخفق فيها الاستطلاع فى توقع نتائج الانتخابات فى أمريكا ما عرف تاريخياً بخطأ "ريدرز دايجست" عام 1940, إذ أظهر الاستطلاع أن المرشح الجمهورى "ويلكى" سيهزم الديمقراطى "روزافلت" ولكن حدث العكس، لماذا؟ لأن "ريدرز دايجست" أجرت الاستطلاع على مالكى السيارات ومن لديهم خطوط تليفون (ميسورون بمقياس وقتهم) فى المناطق التى تسكنها أغلبية كاثوليكية (ويلكى كان كاثوليكياً)، أى أن العينة كانت متحيزة لصالح ويلكى، لأن المبحوثين كانوا من الميسورين الكاثوليك (من المعروف أن أنصار الحزب الجمهورى فى الغالب من أصحاب الدخول المرتفعة)، فكان الخطأ التاريخى فى الاستطلاع، وهو الخطأ الذى تقع فيه الاستطلاعات التى تستخدم العينات الخطأ.

فى كل مرة أطالع فيها نتائج استطلاعات الرأى على الإنترنت حول المرشحين المحتملين للرئاسة أسأل نفسى: ما قيمة هذه الاستطلاعات؟ هل يمكن

تعميم نتائجها؟ هل هى علمية أصلاً؟ فى الحقيقة تثير تلك الاستطلاعات الملاحظات التالية:

- أصبح الرأى العام فى مصر ناطقاً، وكان من قبل إما مكتوماً، أو مهملاً، أو مصادراً، أو مزوراً، وذلك من تجليات ثورة 25 يناير، بل إن الثورة فى حد ذاتها هى تعبير عنيف عن الرأى العام.

- نتائج هذه الاستطلاعات لا تعبر عن الرأى العام فى مصر، لأنها تغفل من لا يستخدمون الإنترنت، ناهيك عن أنها تستبعد من يعانون من الأمية وانخفاض مستوى التعليم، وهم بالملايين فى بلادى.

- هذه الاستطلاعات تثير الجلبة ولكنها لا تنير الطريق، فالكثيرون يتحدثون عنها، ولكنها لا تخبرنا شيئاً حقيقياً، فهى تشغلنا ولا تبصرنا.

- استطلاعات الرئاسة تعطى تواجداً وشرعية لمن يحتاجون ذلك بشدة من رموز النظام القديم الذين مازالوا يحاولون التسلل إلى المشهد السياسى تحت غطاء الرأى العام.

- طريقة إجراء الاستطلاعات على المواقع يمكن تزييفها بسهولة، فالشخص الواحد يمكن أن يسجل مئة صوت من خلال فتح مائة حساب مجانى، فيكون المصوتون مئة وعدد الأصوات عشرة آلاف.

-     البشر لديهم نزوع فطرى إلى أن يكونوا مع الفائز أو المنتصر، وبالتالى هناك احتمال أن تجعلنا هذه النتائج غير الدقيقة إلى أن نتوحد مع الفائز الخطأ فنتخذ القرار الخطأ عند التصويت.

هل يعنى ذلك ألا نقيس الرأى؟ حاشا وكلا؛ فقد كفانا تجاهلاً واستهتاراً بالرأى العام، وأهم مظاهر احترام الرأى العام هو أن نتبع الشروط الواجبة فى قياسه، وأهمها الحياد، والتعبير عن المجتمع، والدقة فى صياغة الأسئلة وتحليل النتائج، من مشاكلنا أننا "نبغى النجاة ولا نرحل لبغيتها" ولا ندرك "أن السفين لا يمشى على اليبس"، فنحن نريد الديمقراطية ونحصرها فى صندوق الانتخابات، ونريد معرفة الرأى العام ولا نأخذ بشروط هذه المعرفة، ومن غير المعقول أن تظل مصر بغير مؤسسة مستقلة ومتخصصة فى إجراء استطلاعات الرأى وقياسات الجمهور على مستوى الوطن، أما آن للصوت الحقيقى لهذ الشعب أن يسمع وأن يستجاب له؟