رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حديث الشك (1)

هل هو ربيع العرب أم ربيع التآمر على العرب؟ هل ما نراه حقيقة أم خديعة؟ هل كانت الثورة هدفاً للشعوب المقهورة أم وسيلة للتحكم فيها؟ وسط هذا الركام من الأحداث والمعلومات والفضائيات والشبكات أجدني عاجزاً عن الفهم ومصاباً بحالة من عدم اليقين. مؤمن أنا مثل كثيرين بأن الوطن العربي ابتلي بأنظمة فاسدة وشعوب خامدة، ولأن التغيير السلمي كان ضربا من المحال، ولأن الثورة كانت شيئاً من الخيال، فلم يكن لنا إلا أن نرضي بالحال أو نلوذ بالترحال، ولكن صار الخيال حقيقة، وانتفضت شعوب على من ساموها الظلم، وحدث الزلزال، ولكن كيف؟ هذا الكم الهائل من المعلومات يجعلك تغوص في مكانك ولا يقربك من الحقيقة، فاستدعيت مقولة ديكارت "الشك هو الوسيلة التي تصل بك إلى الصخر وسط الرمال الناعمة والطين." وقررت أن استبعد قناعاتي وأن أتشكك فيها، وأن استمع إلى قناعات الآخرين حتى وإن تشككت فيها، محاولاً الابتعاد عن التفاصيل والاقتراب من الصورة الكلية، وهاأنذا استعرض حديث الشك في هذه السلسلة من المقالات.

قادني البحث إلى محاضرة ألقاها الشيخ "عمران حسين" عام 2003 بعنوان "العالم بعد هجمات 11 سبتمبر." والشيخ يحمل جنسية ترينيداد وأصوله هندية، ودرس في العديد من المعاهد بما فيها جامعة كراتشي، و جامعة جزر الهند الغربية، والأزهر، والمعهد الدولي للدراسات الدولية في جنيف، وعمل بالسلك الدبلوماسي ثم استقال ليتفرغ للدعوة، وعاش في نيويورك لعشر سنوات  رئيسا للدراسات الإسلامية باللجنة المشتركة للمنظمات الإسلامية. توقفت كثيراً عند كلامه قبل ثماني سنوات من "ربيع العرب" خاصة عندما قال: "سوف تخرج الجماهير إلى الشارع، وستكون الأنظمة الأكثر استهدافا في العالم العربي هي الأنظمة الموالية للولايات المتحدة، والهدف هو إسقاط واحد أو أكثر من تلك الأنظمة." هذا التوقع الذي أثبتته الأحداث عمق الشك لدي: لماذا ذهب الشيخ إلى ما ذهب إليه؟  تابعت المحاضرة لأجد الرجل يرسم تفاصيل أكثر فيقول: "سوف تستخدم وسائل الإعلام في العالم -بقيادة سي إن إن- في عرض سيناريو منذر بتأثير الدومينو" وصادفت هذه النبوءة تساؤلاً حائراً لدي أثناء الثورة في مصر، فبحكم تخصصي في الإعلام وعملي بالولايات المتحدة استرعت انتباهي التغطية الكثيفة لأحدث الثورة المصرية في كل وسائل الإعلام المحلية والقومية، وعلى رأسها السي إن إن، وهو ما يتعارض مع السياسة الإخبارية لتلك الوسائل التي لا تولي اهتماما كبيراً بالأحداث الدولية إلا إذا كانت أمريكا طرفاً فيها، فإذا بالسي إن إن الموجهة إلى الداخل الأمريكي تخصص حوالي 40% من بثها الإخباري للثورة في مصر.

الأكثر إثارة في كلام الشيخ أنه توقع صعود الإسلاميين في أعقاب هذه الثورات، وقدم رؤية مختلفة لتفسير هذا الصعود، فقال: "سوف تتم الإطاحة بالحكومات، وستصعد كلمة الإسلام، وستخرج حكومات تمثل الجماهير، ومن ثم ستقطع رقاب اليهود ... أو هكذا سيظهر الإعلام ذلك للعالم، بالتالي ستسود الدعوة إلى فعل شيئ وإلا سيذبحون على يد المسلمين المتطرفين، سوف تكون دراما هوليودية، وسيكون الحل المقبول هو ضربة اجهاضية للدول العربية تستخدم فيها أعتى وأحدث التقنيات الحربية. سوف تكون ضربة في سرعة البرق لتسيطر

بعدها إسرائيل على بترول الشرق الأوسط." تملكني الفزع من أن يصدق النصف الثاني من نبوءة الشيخ كما صدق النصف الأول! هل هذا يفسر السماح بعودة الجهاديين إلى مصر، والظهور المفاجئ للسلفيين على مسرح الأحداث بعد الثورة؟ ولمواجهة الخوف داخلي لجأت إلى الشك مرة أخرى؛ فعلام استند الشيخ في توقعه؟ هل هي مجرد تخمينات أم أن هناك أساساً من التاريخ أو الفكر؟

الشرط الأساسي في أخذ أي توقع في الاعتبار أن يكون من الممكن اختبار صدقه، فعندما اتوقع أمراً غدا ستقول: إن غداً لناظره قريب، أي إنك تستطيع أن تخضع توقعي للاختبار، أما أن أترك توقعي مفتوحاً فمعناه أنني لا أريد أن أعطيك القدرة على اختباري، والشيخ لم يحدد زمنا للنبوءة، كما أنه لم يشرح الأساس الذي استند عليه في توقعاته، ولكن الشك الديكارتي هو ما يدفع للبحث لا للعجب بالرأي، فخمنت أن الشيخ نظر إلى السياسة والتاريخ من منطلق ديني، فطبقاً لنبوءات العهد القديم عن نهاية العالم؛ سوف يجف نهر الفرات، ويقيم اليهود دولتهم في أرض الميعاد، ليبدأ التجهيز لمعركة أرماجدون حيث يعود المسيح ويقيم مملكة السماء، وفسر فقهاء التلمود أن سقوط الخلافة العثمانية هو ما تعنيه نبوءة جفاف الفرات، ومن ثم اقترب موعد أرماجدون ولابد من إعداد المسرح لذلك. وكثيراً ما قرن الإنجيليون الصراع في الشرق الأوسط بالبترول. ربما كان هذا ما استند إليه الشيخ، إلا أن ما يعنيني أكثر هي الإشارات التي تحملها توقعاته؛ فهي تشير أولاً إلى أن إسقاط الحكومات العربية ليس هدفاً داخلياً صرفاً، وتشير ثانياً إلى أن هناك اياد خفية وفاعلة في الأحداث، وتشير ثالثاً إلى أن ما هو قادم ينذر بصراع أكبر، وتشير رابعاً إلى أن ما لا نراه أكثر كثيراً مما نراه. أنا لا أدعوك إلى أن تصدق ذلك، ولكني أدعوك إلى ألا تكون أحادي النظرة، فإن كانت المعلومة صالحةً عملت بها، وإن كانت ضارة كنت متأكداً أنها لن تعمل ضدك، وفي المقال القادم  حديث آخر ذو شكوك.