رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

العقدة هي الحل

 

ما الحل؟ سؤال يوحد بين المصريين الآن، ويكاد يكون الاتفاق الوحيد وسط خلافات واختلافات موغلة في البقاء وغير واعدة بالانتهاء، وربما كان جديراً بأن يدخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية لأقصر سؤال يحتاج إلى أطول إجابة، وأكثر من مجيب، وأكثر من إجابة. وكل الإجابات ليست أكيدة، ومن ثم فالجو مشبع بالغموض، والخوف، والإرهاق، وكلها تؤدي إلى اليأس وعدم اليقين.

وفي تقديري إننا نحتاج إلى أن نفهم أسباب صعوبة السؤال، واستحالة الإجابة عنه بشكل مباشر وبسيط؛ فمصر تمر بفجوة تاريخية ما بين ماض  لم يرحل، ومستقبل لم يقبل، الهدم فيها سريع والبناء جد بطئ، أو هي قررت "العزال" ولم تحدد المقصد أو العنوان، والمسافرون -على كثرتهم- مختلفون، فقد تداعى الشباب للخروج احتجاجاً على الأوضاع من أجل أن تعدل الدولة سياستها، وانتهى بهم الأمر إلى تغيير الدولة نفسها، كأن تنحي مبارك كان هو محطة الوصول، فلما بلغوها تفرقوا، غير أن الرحلة لم تلبث أن تبدأ بعد، وهنا جزء من المشكلة، فالثورة المصرية عريضة، ولكنها ليست عميقة، بمعنى أننا اتفقنا على قيامها دون أن نتفق على مسارها، ولذا تعددت المسميات التنظيمية للثورة من تنسيقية إلى ائتلاف إلى شباب، ولكن مازالت تنظيمات هشة تتعارض رؤاها وتتفتت قواها، مما حدا بالكاتبة "ماريا جوليا" أن تصف الحال في مصر بعد الثورة "بالعائلة التي تشهد خلافاً على الإرث" وذلك في النسخة الانجليزية من "المصري اليوم" بتاريخ 17/5. ناهيك عن الاتجاهات الموجودة أصلاً من قوميين ويساريين وعلمانيين وسلفيين وإخوان، والمطالبات الفئوية، والفتنة الطائفية، وصعود البلطجية، ليتحول النسيج المصري إلى فسيفساء غير متسقة.

كانت نقطة انطلاق الثورة من صفحات الإنترنت والاتصال التفاعلي، وركزت عليها الفضائيات تأييداً أو تسفيهاً أو تغطيةً أو تحليلاً، إلا أن هذا الاتصال الكثيف لم يكن خيراً كله، فبدا أن هناك إتجاهات ثورية بعدد الثوريين أنفسهم، وصرنا نتكلم أكثر كثيراً مما ننصت، وتكاد تشعر أن مصر باتت تحتل المركز الأول عالمياً في عدد البرامج الحوارية، وأصبح الفيسبوك حلبة للقوى المتصارعة والأفكار المتعارضة، ومعها تجد الشائعات سوقاً رائجة للانتشار، إضافةً إلى التسطيح، وذيوع اللغة التهكمية والهجومية على كل فكر مهما كان عميقاً، وأي شخص مهما كان جاداً أو متخصصاً، ومكمن الخطورة الآخر في شبكات التواصل الاجتماعي أنها تفتقر  في أغلبها إلى سمات الاتصال الشخصي المباشر مثل تعبيرات الوجه، ونبرة الصوت، وسرعة رد الفعل وتعديل الرسالة، ولذا ترتفع درجات العدوانية في الاتصال عبر الإنترنت، خاصة مع إمكانية حجب الهوية وزوال الخجل من إهانة الآخر، والمحصلة أننا نتصل الآن أكثر، ولكن نتباعد وننقسم، مما يضر بنا ويعقد الحال أمامنا.

الخبرة التاريخية لدينا هي جزء آخر من المشكلة، فتاريخ

مصر يتمحور حول حكم مركزي، ودائرة مغلقة للحكم لا يتقاطع الشعب معها، ونادراً ما يثور عليها، وتعمق هذا بعد يوليو 52 وعصر التنظيم السياسي الواحد، ثم التنظيم السياسي النافذ، والتعليم المتردي، ونحن في كل الأحوال متفرجون، والحاكم يصنع لنا وبنا ما يريد، فإذا بنا في صدارة المشهد، نقول رأينا في كل شئ، ولا نخاف السلطة، ومطلوب منا أن نختار، ولكن هل نملك أدوات الاختيار؟ إن التعرض للضوء الشديد بعد المكوث طويلاً في الظلام قد يصيب بالعمى.

ولأننا داخل ظرف تاريخي فريد، فإنه يصعب علينا رؤية الصورة الأعم؛ فنقفز إلى استنتاجات تصيبنا بالإحباط،  في حين أن الثورة فعل تغيير تصحبه الفوضى ويحركه الصراع على مدى زمني قد يمتد لسنوات، ومن ثم لا يمكن أن نتوقع غير ذلك، فالثورة الفرنسية استمرت عشر سنوات، والثورة الأمريكية استمرت تكافح سنوات ولقيت هزائم كثيرة حتى انتصرت وحصلوا على الاستقلال ثم الاتحاد، والثورة الروسية قامت على مرحلتين في فبراير 1917 بإقصاء القيصر وتعيين حكومة مؤقتة، ثم ثورة البلشفيك في أكتوبر من العام نفسه، ليدخلوا في حروب مع "فلول" النظام القيصري، وبعض دول أوروبا حتى 1919 ، بينما أجد في مصر من يطرح أن ما حدث في مصر لم يكن ثورة قياساً على دروس التاريخ، وهو طرح لا علاقة له بالتاريخ.

وبالرغم من أن فكرة الصراع مؤرقة -إن لم تكن مرعبة- إلا أننا لا يمكن أن نصل إلى الحل بدون صراع، والصراع دائر بالفعل، يشارك فيه الكل ماعدا الثوار أنفسهم، وفي تقديري أن هنال فصولاً طويلة من الصراع تنتظرنا، والثورة التي لا تحمي نفسها وتحدد أعداءها وتواجههم سوف تنتهي إلى غير ما أرادت، صحيح أن الموقف متشابك ومعقد، ولكن إدراك العقدة والاستعداد للصراع هو الطريق للحل