رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الوطنية الإسرائيلية

انتقلت عارضة أزياء الشاطئي الإسرائيلية "بار رافاييلي" -٢٤ عاما- من قسم الفنون إلى قسم السياسة في وسائل الإعلام الكبري والصغرى قرب نهاية مارس! بدأت الحكاية عندما قررت وزارة الخارجية الإسرائيلية الاستعانة بفخر الإنتاج البشري في إسرائيل السوبرموديل "بار" - اسمها في حد ذاته تهمة- لتمثيل إعلان عن فخر التكنولوجيا الرقمية الإسرائيلية، فاحتجت وزارة الدفاع على أن تكون "بار" هي الرمز المستخدم في الدعاية لإسرائيل، لأنها تهربت من الخدمة العسكرية الإجبارية عندما بلغت 18 عاما (منذ 6 أعوام)، إذ استغلت القانون الذي يعفي الفتاة المتزوجة من الالتحاق الإجباري بالجيش، وتزوجت من صديق للعائلة، وبعد أن حصلت على الإعفاء من الخدمة طلبت الطلاق.

وبالرغم من أن موقف "بار" كان سليماً في نظر القانون، إلا أنها بدت متلاعبة بالقانون لتهرب من خدمة بلدها، ولذا شن الجيش الإسرائيلي آنذاك (2007) حملة ضدها، ودعا إلى مقاطعة المنتجات التي كانت تروج لها. ورغم مرور السنوات إلا أن الجيش لم يغفر لها، و قال "ياعوف موردخاي" المتحدث باسم الجيش في رسالة احتجاج إلى وزارة الخارجية: "إن استخدام "بار" في إعلان عن إسرائيل يرسل رسالة سلبية للمجتمع." لكن وزارة الخارجية دافعت عن اختيارها قائلة: " إن "بار" من أجمل نساء العالم، وينظر لها دوماً على أنها إسرائيلية، ولذا فليس هناك حاجة إلى استدعاء الماضي عندما نقوم بالدعاية لإسرائيل."
أما "بار" فلم تكترث كثيراً لموقف الجيش، وقالت في تغريدة لها بالعبرية: "سواء استخدمت وزارة الخارجية الإعلان أم لم تستخدمه، فإن عدد قراء حسابي على "إنستاجرام" (موقع اجتماعي للصور) أكثر من عدد قراء أكبر صحيفة بإسرائيل." وقامت بعرض صورة لافتة تدعو الرئيس الأمريكي أوباما إلى الإفراج عن الجاسوس الإسرائيلي المحبوس في أمريكا "جوناثان بولارد." بل إن عدد متابعي " بار" على تويتر يقترب من النصف مليون، بعد أن جذبت انتباه العالم من خلال علاقة الصداقة التي ربطتها بالممثل الأمريكي الشهير "ليوناردو دي كابريو."
ما المعنى من كل هذا؟ في الحقيقة هناك أكثر من معنى:
- رغم أن "بار" لم تخالف القانون، إلا أنها - من وجهة نظر الجيش- قد خالفت الواجب، وبالرغم من العمل التطوعي الذي قامت به في التشجيع على الالتحاق بالخدمة العسكرية، وزياراتها للجنود، وقيامها بمساعدة الجمعيات الأهلية في إسرائيل أثناء الحرب مع حزب الله، إلا أن كل ذلك لم يشفع لها عند الجيش، لأنه يتبنى عقيدة تجييش إسرائيل، أي إن كل  إسرائيلي قادر على الخدمة يجب أن يكون جاهزا دائماً للخدمة، وليس هناك أي استعداد للتهاون في هذه العقيدة من أجل أي أحد مهما كانت شهرته أو جاذبيته.
- في المقابل، أتهم الفنانان تامر حسني وهيثم شاكر بالتزوير للتهرب من التجنيد في مصر، وحكم عليهما عام ٢٠٠٦ بالسجن سنة، وبعد أشهر من الإفراج عنهما دعيا لإحياء احتفالات القوات المسلحة بذكرى حرب أكتوبر بحضور مبارك وكل أركان الدولة!

أثار الأمر بعض الانتقادات الشعبية، لكن وزارة الدفاع كانت في غاية الترحيب وقتها، وغاية الصمت بعدها. لم يكن الأمر مجرد رسالة سلبية من الدولة للمجتمع، بل كان غطاء جديداً سقط وأظهر وجهاً بارداً للنظام لا يبصر حتى مصلحته.
- لم تدع "بار" الوطنية يوماً في تصريحاتها، واستمرت في التأكيد على أنها غير نادمة على التهرب من الخدمة العسكرية، لكن أفعالها تقول إنها في خدمة بلدها، فهي لا تتأخر عن أي محفل لتأييد إسرائيل في أمريكا، وتتبنى الدعوات لإطلاق سراح بولارد الذي يقضي حكماً بالحبس لمدة ٢٨ عاما في أمريكا، ولأنها تعد من أكثر الشخصيات الإسرائيلية شهرة في العالم فإنها تحقق لإسرائيل دعاية بملايين الدولارات مجاناً.
- المجتمعات تحتاج إلى الثروة كي تحيا وتتقدم، لكنها تحتاج إلى الهدف والعقيدة كي توجد وتستمر، ولذا فإن هزيمة أي مجتمع أو فقد ثروته هى كبوة يمكن القيام منها، أما إن فقد الهدف أو العقيدة فإنه ربما فقد وجوده من الأساس، ولذا فإن رد فعل الجيش الإسرائيلي تجاه "بار" ليس مجرد غضب من فتاة هربت من التجنيد، بل هو تدعيم للأساس الذي قامت عليه الدولة.
لا أحب جلد الذات، ولا أميل إلى الانبهار بالآخر، لكن ما نحن فيه خطير، ليس من قلة، وليس من فقر، ولكن من نظر بدون تدبر. من أجيال تريد أن تكون ولا تريد أن تعمل، وإن أرادت لم تقدر، وإن قدرت كلت. من شعوب تسير في كل الأتجاهات ماعدا الأتجاه إلى الأمام. توجد لدينا شرائع ولكن لا يوجد مشروع، و مفكرون ولا أفكار! العدو ليس أكثر وطنية منا، ولكنه أكثر فهما لأسباب بقاء الوطن وتقدمه. لم أر شعوبا تتصارع على الأفكار وتتجاهل التنفيذ مثلنا، بينما تجد "بار" لا فكر لها، ولا ملابس عليها، ولكنها تنفذ الكثير، وينظر إليه على أنه غير كاف. درس آخر ليس بالقليل، حتى وإن أتى من إسرائيل