عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عمرو موسى... رجل بلا ماض

التاريخ يجعلنا نحكم على شخص ما من خلال أعماله، أما الإعلام فيجعلنا نحكم عليه من خلال أقواله، ولذا فإن كثيراً من السياسيين يهتمون بأن يجيدوا القول أمام الأضواء أكثر من اهتمامهم بتجويد الفعل في الظل، أو أن يعملوا قليلاً، وسيجعله الإعلام -إن شاء الله- كثيراً، لأن الإعلام يجعلنا نحكم من خلال آذاننا وعيوننا وقلوبنا، وأخيراً -وليس دائماً- من خلال عقولنا، فنصدق كاذباً، ونحترم مبتذلاً، ونمجد خاملاً، أو نغبن مجتهداً، ولذا تعجب أمير الشعراء أحمد شوقي من الشعب الذي تغيب آلة الدعاية عقله قائلاً: "ياله من ببغاء جعلوا عقله في أذنيه!"

ولذا أتعجب كثيراً عندما أسأل أحدهم عن أسباب تأييده أو حتى إعجابه بإحدى الشخصيات العامة فيأتيني الرد: "لأنه حقيقي راجل محترم" وأجدني غير قادر على "تحليل" العناصر وتحديد الإنجازات التي تجعل السياسي محترماً أو عكس ذلك، لكن مثل تلك الإجابة تدل على أننا انطباعيون يدفعنا المظهر إلى إصدار أحكام دون أن نفكر في مبرراتها، أو نهتم بأسانيدها، إنه الإعلام الذي يصيبنا أحيانا بخداع البصر وتغييب البصيرة، ويوقعنا أسرى لكاريزما الصوت العالي، والفصاحة، والأناقة، والكلام الثوري، والرأس المرفوعة، والنظرات الحادة، والبديهة الحاضرة، وبس!
ويعد السيد عمرو موسى منتجاً مثالياً لإعلام المظهر، فالرجل له معجبون ومؤيدون بالآلاف (أو ربما بالملايين)، وهو إعجاب تطور ونما منذ أن كان وزيراً لخارجية مصر من عام ٩١ إلى ٢٠٠١، كان خلالها وقوراً فصيحاً، قادراً على إثارة غصب إسرائيل بتصريحات جريئة، مثل قوله: "إن مصر سوف تدخل إلى جانب سوريا إذا حدث واعتدت عليها إسرائيل،" وغيرها من التصريحات التي دفعت إسرائيل إلى الاحتجاج ووصف موسى بأنه "عقبة في طريق السلام." والحق أن احتجاجات إسرائيل زادت من الرصيد الشعبي للسيد عمرو موسى، وتغنى البعض بحبه بجانب كره إسرائيل، فكان أن لجأت الإدارة المصرية إلى أسلوب "الركل إلى أعلى" للتخلص من هذا الوزير الذي بدأ يسرق الأضواء من الرئيس، وتم الدفع به في ٢٠٠١ أميناً عاماً خامساً لجامعة الدول العربية، واستمر عشر سنوات شهدت الأمة العربية خلالها نكبات قاسية وأزمات مريرة؛ مثل احتلال العراق، والحرب بين إسرائيل وحزب الله وما صاحبها من تدمير في لبنان، وحرب إسرائيل على غزة، ثم الاتفاق على تقسيم السودان. وحافظ السيد عمرو موسى خلال هذه المآسي على خطابه الناقد للعمل العربي "المهترئ"، والحزين على ما وصل العرب إليه من انقسام، وبس.
لقد أمضى السيد عمرو موسى العشرين عاماً الأخيرة في مناصب دبلوماسية رفيعة، كان خلالها رقماً مهماً في السياسة المصرية ثم العربية، وقبلها شغل مناصب أخرى مهمة، مثل العمل سفيراً لمصر في سويسرا والهند، أو مندوباً دائماً لمصر في الأمم المتحدة، لكنه كان خلال كل هذه الوظائف مجرد موظف، لم يختلف عن سابقيه في أي شيئ سوى في هذه اللمسة الكاريزمية التي وهبته قبولاً شعبياً، لكنك حين تحاول أن تتابع تاريخه ستجد أن إنجازاته كانت في تصريحاته، أو مواجهاته الكلامية مع دبلوماسيين إسرائيليين، أو في انتقاده للبرنامج النووي الإسرائيلي، أو خطاباته العاطفية

في الجامعة العربية، وبس.
من السهل الدفاع عن الرجل بالقول: إنه كان يؤدي دوره في حدود ما كان يسمح به المنصب، وإنه لم يكن هناك مجال لإنجاز أي شيئ خارج إطار وظيفته سواء وزيراً لخارجية مصر أو أمينا للجامعة العربية، إلا أنه من السهل أيضاً تفنيد ذلك المنطق، لأنه أولاً يعني الاعتراف -صراحة وليس ضمناً- أن الرجل لم يحقق سوى إنجازات "لفظية" في مساره السياسي، ولأنه ثانياً يقبل بأن الرجل كان مسيراً طول الوقت ولم يكن لديه خيار الرفض والاستقالة كما فعل وزراء خارجية مصريون سابقون آثروا الابتعاد عن المشاركة فيما رفضوه وعارضوه، ولأن ذلك المنطق يعني ثالثاً أن السيد عمرو موسى لم يكن يوماً صانعاً للقرار السياسي الذي صدر، أو حتى معترضاً عليه، وبالتالي فهو جزء أصيل في كل القرارات والمواقف التي مرت عليه على الأقل عندما كان وزيراً ثم أميناً عاماً.
وبعد أن ترك السيد عمرو موسى السياسة المصرية إلى العربية، تحول من مشارك في السياسة المصرية إلى مشجع لها، وكلنا نذكر تصريحه الذي عبر فيه عن "إعجابه بإدارة الرئيس مبارك للأمور" وعزمه على التصويت لمبارك حال ترشحه في عام ٢٠١١. وبعدما قامت ثورة يناير تحدث السيد موسى عن إكمال مبارك لرئاسته، والحفاظ على قدره ومكانته، ولكن سارت الأحداث مسارها، ليعود السيد موسى إلى مسرح الأحداث مرشحاً رئاسياً، في مشهد أشعر به غريباً، إذ يسعى رجل كان من أفراد النظام، ثم من مؤيدي النظام، إلى رئاسة نظام ما بعد الثورة. يراوده الطموح وهو يكمل عامه السادس والسبعين، ثم تجد له مؤيدين ومعجبين على أساس أنه "راجل فعلاً محترم"!
إنني أتساءل بلغة العصر: ما سعر مهاجم لم يحرز أهدافاً أو يشارك في هجمات قط؟ ما قيمة رسام لم يبتكر يوماً بل كان فقط يلون لوحات تعطى إليه؟ انني أتعجب؛ كيف ننتظر من رجل أن يغير ما أمضى عمره محافظاً عليه ومادحاً له؟ كيف نتوقع من ماض من الكلمات أن يكون مستقبلاً من الإنجازات؟
[email protected]