عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصر المشطورة

لا أدري كيف تعاملنا مع الثورة في مصر على أنها قطار ضم الأشتات والغرباء، وانطلق من محطة اليأس والغضب، وصهر الأشتات في وحدة رائعة، فلما وصل القطار إلى محطة التنحي غادر الجميع كل إلى وجهته، مولياً ظهره لمن تقاسم معهم الألم والأمل لمدة ١٨ يوماً. عاد الغرباء غرباء، وترجلوا ظناً منهم أنهم وصلوا إلى آخر الخط، بينما كان الخط مازال في أوله!

أنصرف المسافرون إلى مصالحهم، وركب آخرون كانوا مجهولين، أصلحوا المقاعد واستولوا عليها، وشرعوا يوجهون القطار من جديد، ليعاود سيره القديم، واللي مش عاجبه ينزل! يقيناً كان العيب في الركاب، وليس في القطار.
لم تكن الثورة خطأ، بل كان النظام السابق هو الخطأ والخطيئة بعينها، لكن المشكلة أن النظام السابق استطاع أن يتحول إلى لاحق، واتبع استراتيجية واضحة في تعميق الشروخ، فسمح بعودة السلفيين والجهاديين المبعدين خارج مصر، وشطر الاجماع الوطني إلى مؤيد ومعارض للتعديلات الدستورية، وترك الأمن غائباً، والمواطن منهكاً، وعقد التحالفات مع من كانوا أعداء أو محظورين أو مسجونين، ولأن الفوضى تشجع على الفوضى، انساق الناس، وانتشر الإجرام والتعدي على القانون وعلى من يفترض أنهم يمثلون القانون، وانتكس الأقتصاد، وتوقفت مصانع كثيرة، وتأثرت حركة التصدير، حتى انك تذهب إلى ميناء السوق الحرة في الاسكندرية أو بور سعيد لتجدها استحالت من خلية نحل إلى ما يشبه الموات، وتحولت الثورة إلى متهم، وتحول الثوار إلى أشرار!
عندما تتأمل الحال في مصر الآن تشعر أنك ستصاب بالدوخة، وبعدما تفيق يداخلك إحساس اننا في مهرجان للأفلام الهابطة التي تهبط بكل شيئ ماعدا ضغط الدم: بيانات متناقضة، ومواقف غريبة من جماعات الإسلام السياسي، ناهيك عن سيرك الأنتخابات الرئاسية، والوعود التي لا تنزل أبداً، ثم تنزل المرة دي، والمرة الجاية أيضاً حسب الظروف. أين تكمن المشكلة، وكيف يمكن الحل؟
جزء من المشكلة اننا لا نسمي الأشياء بأسمائها، فقد خضعنا لنظام وصفه القضاء بأنه "حكم عصابة" ولكننا سمينا الخضوع صبراً، واصطلحنا على أن ما قمنا به ثورة دون أن نرى تغييراً حقيقياً في نظام الحكم، فلما لم يحدث التغيير اتهمنا الثورة رغم اننا لم نكملها، واتهمنا الثوار رغم أنهم لم يحكموا.
أما المشكلة الأكثر مأساوية فراجعة لتحريك أشياء في غير وقتها، ووضع أشياء في غير موضعها، دخلنا في صراع الديكور قبل أن نؤمن الخبز، فأدخلنا أنفسنا في صراع الليبرالي مع الديني، والسلفي مع السني، والمسلم مع القبطي، مع أن الصراع الحقيقي كان يجب أن يكون بين نظام يريد أن يأتي ضد نظام لا يريد أن يرحل. التحدي الحقيقي كان ذا ثلاثة محاور: الأمن، والاقتصاد، والديمقراطية، ولكننا التهينا بالفروع عن الأصول، وبالجدال عن الانجاز. كان الخطأ الأكبر اننا وضعنا التسامح والثقة في غير موضعهما، وتركنا الفلول يجمعون شتيتهم ويجندون خسيسهم لبث الفوضى والفرقة. لقد بلغت السذاجة بالثوار مبلغها، فابتلعوا فكرة أن رئيسي الوزراء اللذين عينا بعد الثورة كانا من رجال النظام

السابق (سابقاً)!
كبرى المشاكل من وجهة نظري أن أجهزة الدولة الحيوية معادية للثورة وخائفة إما على مصالحها، أو نفوذها، أو على الأقل كبريائها، ومن ثم فإن قدرة الثوار على التغيير ستظل دائماً محدودة وعلى قدر الضغط الشعبي المؤقت الذي تستطيع أن تحركه، وليس أكثر من ذلك. فأنت لا تستطيع أن تغير في ظل وجود هذه الأجهزة، ولا تستطيع أن تغير بدونها.
أما المشكلة الأخطر فمرجعها الى الانشطار الوطني الذي تم بين القوى السياسية، أو داخل هذه القوى، على نحو ما رأينا داخل جماعة الاخوان بعد الإعلان عن ترشح خيرت الشاطر. بدأت الحكاية باتهام جماعات الثورة بالحصول على الدعم المالي من الخارج لتنفيذ أجندة أجنبية، ثم الهجوم على السلفيين نتيجة ممارسات وأفكار تثير الضحك أكثر من اثارتها للجدل، ثم الأشتباك مع جماعة الاخوان نتيجة عدم ثباتهم على الرأي والوعد، ليخرج المجلس العسكري من دائرة الهجوم والنقد، وتنهمك بقية القوى السياسية في احتراب يطرب له أنصار القديم وأعداء الجديد، ثم كان إعلان عمر سليمان عن ترشحه ايذاناً بلغط جديد، مصحوب بغضب من جانب الثوار، وطرب من جانب من اضيروا من الثورة أو ضاقوا بالثوار.
ما الحل إذن؟ الحلول كثيرة، واكثرها لا يصلح، إذ هدد أحد المرشحين المحتملين للرئاسة باللجوء إلى الصراع المسلح إن فاز سليمان في الأنتخابات! إنه حل يقدم الفرصة للنظام القائم لأن يواجه السلاح بالسلاح في مواجهة دامية ستزيد من النقمة على الثوار. الحل عندي أن نعود إلى القطار من جديد، ولا أقصد قطار الثورة قدر ما أقصد قطار الوحدة. يجب أن يجتمع الأشتات من جديد، ويتركوا خارج مقر الأجتماع مصالحهم، ونظرياتهم، ويرسموا طريقاً بسيطاً نحو الحرية، والأمن، والبناء، ليس هذا وقت الليبرالي والعلماني، إنه وقت الرجال الكبار، الذين يتجاوزون تربيطاتهم، ويستصغرون المناصب أمام مصلحة الوطن، ومكانة الوطن، ومستقبل الوطن.
إن ظلت مصر هكذا مشطورة، فمبروك على الفلول، وأهلاً بعمر سليمان قائداً لقطار الثورة.. إلى المخزن.