رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

استجواب حول المعونة

"في عام 2000 سمحت أمريكا لمصر بإيداع معونتها العسكرية في حساب بالفائدة لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بنيويورك." استوقفتني هذه المعلومة وأنا أقرأ كتاب "الصراع من أجل مصر من ناصر إلى ميدان التحرير" للبروفسور "ستيفن كوك" عام 2012 صفحة ٢٢٣.

ولا أدعي أنني أفهم الكثير عن المعونات الأجنبية، ومن ثم لم تكن لدي القدرة على تكوين رأي مع أو ضد هذه المعلومة، لكنني تتبعت المصدر الذي استند عليه "كوك" فوجدته اعتمد على ما ورد في تقرير الخبير في شؤون الشرق الأوسط "جيرمي شارب" الصادر في عام ٢٠٠٩ بعنوان "مصر: خلفية عن العلاقات مع الولايات المتحدة."
يقول "شارب" في صفحة ٣٤: إن مصر تحظى بمميزات في المعونة لا تتاح إلا لعدد قليل من الدول، إذ تودع المعونة العسكرية في بنك الاحتياطي الفيدرالي بفوائد، وطبقاً للقانون لابد من إبلاغ الكونجرس عند تحصيل هذه الفوائد. حاولت أن أفهم مكمن الميزة في إيداع أموال المعونة العسكرية في حساب يدر فوائد في بنك أمريكي، ربما كان في الفائدة المرتفعة التي يمنحها الأحتياطي الفيدرالي، إلا أن القدر المتوفر من المعلومات يشير إلى أن الفائدة على الودائع طويلة الأجل بلغت ٦٫٥٪ عام ٢٠٠٠، إلا أنها أنخفضت إلى ١٫٥٪ في العام التالي، واستمرت الفائدة في الانخفاض فيما بعد. قلت ربما كانت الميزة في قدر الأمان الذي يمنحه البنك الأمريكي للودائع لديه، لكن هل معنى هذا أن الحكومة المصرية لم تكن تثق في بنوكها الحكومية لتضع فيها أموال المعونة بينما كانت تطلب منا نحن أن نثق فيها؟ يبدو هذا الأستنتاج متسقاً بالفعل مع هذا النظام الذى لم يكن فيه أي نظام!
من المعروف أن المعونة العسكرية الأمريكية لمصر تبلغ ١٫٣ بليون دولار سنويا، وتستخدم في التدريب، وتطوير الأسلحة وصيانتها، بحيث يتم إحلال السلاح الأمريكي محل الروسي في الجيش المصري (مثلما حلت التوربينات الأمريكية محل الروسية في جسم السد العالي عام ١٩٨٣)، ومؤخراً سمحت أمريكا بتخصيص جزء من المعونة العسكرية لحفظ الأمن ومكافحة التهريب في سيناء وعبر الحدود بين مصر وإسرائيل، أما تفاصيل إنفاق المعونة فتظل غير معلومة للعامة أمثالي.
ونظراً لأنني ضد الوصول إلى استنتاجات بدون معلومات، فإنه ليس لدي سوى طرح التساؤلات التي ربما فقدت أهميتها نظراً لمحدودية فهم صاحبها،أو ربما انقلبت إلى استجواب يسعى إلى كشف الحقائق دفاعاً عن مصالح هذه الشعب وحقه في حياة كريمة، خاصة أن المعونات الأمريكية لمصر استمرت على مدى سبعة عقود مضت، وتحولت مؤخراً إلى صراع إرادات مستفز للكبرياء الوطني.
هل تحتفظ مصر فعلاً بالمعونة العسكرية الأمريكية في بنك أمريكي؟ المعلومات المنشورة تقول هذا، ولم يصدر أي تكذيب مصري لها، ويعود تاريخ النشر إلى ما

قبل عهد المجلس العسكري، أي إن نظرية المؤامرة ليس لها محل من التداول، وبالتالي فإن المعلومة مرشحة لأن تكون صحيحة، وإن كان ذلك كذلك فما الداعي؟ هل تفرض الحكومة الأمريكية قيوداً على استثمار أو تحريك المعونة العسكرية ومن ثم فإن أفضل البدائل هو الاحتفاظ بها في بنك يدر فوائد على مصر؟ إن كان ذلك صحيحاً، فأين كان يتم إيداع المعونة العسكرية قبل عام ٢٠٠٠؟ لقد ظل جذب الاستثمارات والنقد الأجنبي تحدياً دائماً للحكومات المصرية على مدى عقود خلت، واليوم تحتاج مصر إلى النقد الأجنبي حاجة الكائن الحي إلى الأوكسجين، وإلا واجهنا خطر التعويم الثاني للجنيه المصري، فكيف نتضور حاجة إلى العملة الصعبة بالداخل ونحتفظ بالبلايين منها في الخارج؟ وهل كان مبلغ المليار دولار الذى "منحه" المجلس العسكري للبنك المركزي إنعاشا للاقتصاد المصري مسحوباً من هذه الوديعة؟ وما مبلغ هذه الوديعة حالياً؟ ولماذا لم نسمع عن هذا الأمر شيئاً من أي مسؤول مصري؟ هل الأمر عورة تدارى؟ أم نعمة تخفى اتقاء شر الأعين؟
إن الجو الملبد بالغموض هو الأمثل لانتشار الشائعات، ولتقديم الشك على التصديق، ليتحول الحاكم إلى خصم نهابه ولا نحبه، ويتحول خرق القانون إلى بطولة تستدعي الفخر، وتلك هي قصة التخلف في كل زمان ومكان، والخاسر في النهاية هم الجميع حكاما ومحكومين، والحاكم الذكي هو الذي يدرك أن حصنه وسنده من شعبه و رعيته وليس من حليف خارجي أو بنك أجنبي. ما أكثر الدروس، وما أقل المتعلمين!
من أهم مؤشرات نجاح أي ثورة كشف الأوراق، وإبطال ما ساد من ظلم، أو سوء تدبير، أو تعمية وتغفيل، وإن لم نبدأ في هذا الآن فلن نبدأ أبداً. يجب أن تضاء كل الأنوار، لأنه ليس من الحكمة أن نحدد اتجاهنا ونحن مازلنا في الظلام.
[email protected]