رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

أمريكا والربيع العربي

يمكنك أن تضع أمريكا في أي جملة في أي مكان في العالم، فهي الدولة العظمى التي تنتشر قواعدها العسكرية في كل الدنيا، وتمتلك الأسطول الأقوى الذي يحرس تجارتها ومصالحها في محيطات وبحار العالم، ويمثل اقتصادها حوالي خمس اقتصاد العالم، ولذا فأميركا هي اللهو الخفي أحيانا والظاهر دائماً،

وهي المشتبه فيه سواء كان الفاعل معلوماً أم مجهولاً. ولكن ذلك لا يعني أن نفكر في أمريكا على طريقة الخير والشر، بل هي المصالح التي تحكم الفكر والفعل، ومن ثم لا نستطيع أن نحدد دور أمريكا في الربيع العربي بناء على الشك أو الأستنتاج، بل يجب أن نحدد ما إذا كان لأمريكا مصلحة فيما حدث.
كثيرة هي النظريات التي تشير إلى أصابع امريكية وراء الثورات العربية، وهو الأمر الذي لا يبدو متسقاً مع المنطق؛ فكيف يمكن لأمريكا أن تتخلى عن حلفائها الذين خدموها بكل إخلاص؟ وكيف تزيح أمريكا حليفاً معلوماً من أجل قادم مجهول؟ طبقاً لنظرية المصالح فإن الحديث عن دور أمريكي في الربيع العربي لا يبدو مقبولاً، أو على الأقل مفهوماً.
لكن سير الأحداث بدا أيضاً متعارضاً مع مبدأ المصالح، حيث ساند اوباما الإطاحة ببن علي، وكذلك كان موقفه من مبارك، بل إن أول تصريح رسمي لاوباما في 1 فبراير خاطب الجيش المصري وتجاهل مبارك تماماً. كذلك كان الموقف الأمريكي من القذافي وصالح  وبشار (زارت هيلاري كلينتون ليبيا في أكتوبر العام الماضي وتم التقاط صور لها مع الثوار وهي ترفع علامة النصر). معنى ذلك أن مصلحة أمريكا اقتضت الانقلاب على الحلفاء. أين المصلحة في هذا؟
عندما أعلن بوش الحرب على الإرهاب عام 2001 قالها بمنتهى الصراحة: الحرب لن تتوقف عند أفغانستان. وقد صدق، فبعدها بعامين غزا العراق لأسباب بدت غامضة، وأعلن أن الحرب على الإرهاب مستمرة من أجل نشر الديمقراطية! ثم أتت تصريحات أخرى على شاكلة "النظام العالمي الجديد" و"الفوضى الخلاقة" وإحنا قاعدين مش فاهمين حاجة! وكان الضغط على الحكام العرب من أجل الإصلاحات الديمقراطية، وخصصت أمريكا ميزانية في عام 2003 من أجل دعم الديمقراطية في الشرق الأوسط، وحدثت جفوة بين بوش ومبارك توقف على اثرها مبارك عن زيارته السنوية للبيت الأبيض، وأثمرت الضغوط الأمريكية، فأعلن مبارك عن تعديل الدستور من أجل جعل الأنتخابات الرئاسية بالتصويت المباشر في 2005. وأعلنت السعودية عن إنتخابات بلدية. إلا أن ذلك كان تغييراً في الشكل وظل القمع هو المضمون.
ماذا تريد أمريكا منا؟ أربعة أشياء: حفظ أمن إسرائيل، واستمرار تدفق البترول، واستمرار فتح قناة السويس، وعدم السماح لأي قوة أخرى بالسيطرة على المنطقة. جميل، ألم يكن الحكام الزائلون في خدمة هذه المصالح؟ بلى كانوا كذلك وأكثر، فلماذا تركتهم أمريكا يذهبون؟ التفسير المباشر هو إدراك أمريكا أن ساعتهم قد اقتربت، وأن دعمهم سيزيد  النقمة على أمريكا دون أن تستطيع ابقاءهم، فتخسر أمريكا الراحل وتستعدي عليها القادم، وليس هناك معنى من الرهان على فرس يتهاوى. إلا أن مراجعة بعض ما كتب قبل الربيع العربي تشير إلى مصالح أخرى لأمريكا في إزالة الطغاة ودعم الديمقراطية في الشرق الأوسط (لا أدري كيف يكون الشرق في الوسط، ولكن هكذا رأت أمريكا!).
ففي تقريرلوكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سي.آي.إيه" عام 2000 بعنوان "الاتجاهات العالمية في 2015" تم التحذير من أن نصيب الغرب من بترول الخليج العربي لن يتجاوز 10% في العام 2015.. وأن ثلاثة أرباع هذا البترول ستكون من نصيب الدول الآسيوية. ومن ثم كان التحرك الأمريكي البريطاني المحموم لاحتلال العراق عام 2003 بدون أي سند أو حتى غطاء من الشرعية الدولية.
الأهم في تقرير "سي.آي.إيه" قوله: "إن التدهور الحاد في مستويات المعيشة في دول مركزية بالشرق الأوسط، وفشل الإسرائيليين والفلسطينيين في الوصول حتى إلى سلام بارد سوف ينتج عنه اضطرابات سياسية عنيفة في كل من مصر والأردن والمملكة السعودية. ثم يتحدث التقرير عن دور تكنولوجيا الاتصال في زعزعة الاستقرار، وتحجيم قدرة الأنظمة على السيطرة على المعلومات وتوجيه الرأي العام، وبالتالي يصل الإسلاميون إلى الحكم في الدول التي فقدت فيها النخب العلمانية بريقها. (مرة ثانية، التقرير بتاريخ 2000!)
وفي كتاب صادر عام 2003 بعنوان "تحطيم

محور الشر الحقيقي: كيف نخلع آخر طغاة العالم قبل أن نصل إلى عام 2025" للدبلوماسي والخبير الإستراتيجي الأمريكي "مارك بالمر" حديث عن أن التهديد الحقيقي للأمن القومي الأمريكي قادم من الأنظمة الدكتاتورية التي تصدر الإرهابيين ومعظم اللاجئين، وأن الحروب في العالم لا تكون إلا بسبب أو ضد أنظمة ديكتاتورية، وأنه لا توجد حروب في العالم بين الأنظمة الديمقراطية، وأن عدد من قتلهم الطغاة من شعوبهم يزيد بأضعاف عدد قتلى الحروب في العالم (ستالين قتل 43 مليون من شعبه)، وبناء على ذلك يجب أن تسعى أمريكا إلى التخلص من الأنظمة القمعية، فلا يأتي العام 2025 إلا وقد تم التخلص من كل الطغاة.
وما السبيل إلى التخلص من الطغاة؟ يقول "بالمر" (2003) إن الشعوب هي التي يجب أن تقوم بذلك، ولذا فإن ترك الطغاة أطول فترة في الحكم سيزيد النقمة عليهم والانفجار في وجوههم، ولذا قرر الأمريكان ترك صدام عام 1991 واكتفوا بفرض عقوبات على العراق، ليعاني الشعب بينما صدام مستمر في السلطة والثروة والفساد، ليكون اسقاطه أسهل ما يكون بعد ذلك، وقد كان! أما خطة التحرك (حسب بالمر) فهي أولاً: خلق كتلة من الرأي العام بين الشعوب تجاه أهمية الديمقراطية، وأن بمقدورهم التخلص من حكامهم الظلمة، وثانياً: إيجاد الروابط والتعاون بين دعاة الديمقراطية داخل وخارج هذه الدول، وثالثاً: تطوير أساليب سياسية واقتصادية للإطاحة السلمية بهؤلاء الطغاة، على غرار نماذج ناجحة قبلا مثل اندفاع أمواج الطلاب إلى الشوارع للإطاحة بسوهارتو في اندونيسيا، وكذلك حركة الطلاب في بولندا والمجر، المهم أن تكون الحركة سلمية، وأن يظل دور العالم الخارجي غير ظاهر في هذه الحركات. ويتساءل "بالمر" مندهشاً: ما الذي يمنعنا إذا توفر لدينا المال والإرادة؟ فالترويج للديمقراطية يجب أن يكون على رأس أولويات الأمن القومي الأمريكي.
إذا صح هذا الكلام، فلا يمكن أن نستبعد تغييرات كبيرة في دول مهمة أخرى مثل السعودية وإيران، بل إن الحرب على إيران يمكن أن تكون في الطريق.
نتحدث كثيراً عما تريده أمريكا، ولكن نظل أقل قدرة على أن نحدد ماذا نريد وإلى أين نسير. الظرف الذين نحن فيه الآن يحتاج من يستطيعون أن ينسوا كل اختلافاتهم ومصالحهم الآنية من أجل وطن حر لا يسير في فلك أحد، ولا يتسول من أحد. إذا كان لأمريكا مصلحة فيما حدث، فأين مصلحتنا نحن؟ أين مستقبلنا نحن؟ كان بوسع أعضاء المجلس العسكري أن يصيروا ابطالاً لو أنهم وفوا بكل ما وعدوا به بعد التنحي، ولكن الفوضى اتسعت والخلافات تعمقت، وصار الكل يشكو، وصار الجميع متهماً.
أنا لا أشك أبدا في أن مصر مهمة لكثير من القوى الخارجية، لكنني أشك كثيراً في أن مصر مهمة عند البعض من  أبنائها وممن يملكون أمرها، وخيرها.