رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

إلى متى يا مصر؟

يكاد يكون تاريخ مصر المعاصر صراعاً بين شعب مغلوب على أمره وحاكم مشكوك في أمره؛ انتقلنا من محتل أجنبي إلى محتل وطني، ومن صراع من أجل الاستقلال إلى صراع من أجل الخبز والعدالة، فلا استقللنا، ولا شبعنا، ولا ارتفع الجور عن ارضنا ذراعاً! فإلى متى يا مصر؟

مصر لم تنم، لكن شعبها العظيم كثيراً ما انهزم. على مدار أكثر من قرن مضى كثيراً ما ثرنا، وانتفضنا، واعتقلنا وانقتلنا، وصرخنا: الاستقلال التام، أو الموت الزؤام،" لكن أخذنا نصف ما اشترطناه، فأعطانا المحتل الإنجليزي في فبراير 1922 استقلالاً منقوصاً: لنا الوزارة، وله الهيمنة على القناة، والقوات الجاهزة للدفاع عن مصالح الإمبراطورية، وبقينا في الحياة دون أن نحياها، وظللنا أمة ضعيفة استغل المحتل مواردها أثناء حروبه، ثم زرع لنا إسرائيل التي انسحقت أمامها قواتنا في حرب 1948. لم يكن الاستقلال تاما، ولم يكن الموت زؤاماً، وظللنا نكافح حكماً متحكماً فينا ومتحكماً فيه، حتى احترقت القاهرة في 1951 وأقامت فيها رائحة الشياط إلى الآن، فإلى متى يا مصر؟

ثار العسكر على الملك وخلعوه، ثم خلعوا من في البداية أعلنوه قائداً لهم، عندها ثرنا قليلاً ثم امتثلنا، ومضت بنا الأحداث من بناء للجيش (صفقة الأسلحة التشيكية)، إلى تأميم، إلى عدوان، إلى هزيمة عسكرية أخرى تحولت إلى نصر سياسي، لنبدأ في حلم كبير بالنهضة والقوة، وبالفعل إرتفع الدخل في مصر، وانخفضت البطالة، فهللنا لقرارات اقتصادية ذات نكهة ثورية، لكنها على المدى البعيد انقلبت كارثية، مثل قرارات التأميم، وتخفيض إيجار المساكن. لكن الحلم امتد، والأمل تدعم مع بناء السد، وانتشار التعليم، وزيادة الرقعة الزراعية، ومشاريع للوحدة العربية زرعت ولم تثمر، فإذا بنا نصحو على هزيمة مرة، قتلت الحلم، وأيقظت شعوراً بالقهر كان قد خدر طويلاً، فيخرج العمال والطلاب في مظاهرات، وينفذون اعتصامات وإضرابات، ويخضع النظام، ويصدر إعلان 30 مارس 1968 الذي مثل إقراراً بحق الشعب في الحرية والعدالة، لكن الإقرار ظل إقراراً وليس أكثر، فإلى متى يا مصر؟

إنهزمنا في 67 ولكن لم نلق السلاح، ورفضنا الهزيمة، لكن ما استطعنا أن نحرر الأرض، ظل الشعب في صراع مع الهزيمة ومع من انهزموا. كان الشباب يدخل الجيش ولا يدري متى يخرج. دفع الشعب ثمن خطأ القيادة، لكنه ما تخلى عن القائد، تظاهروا من أجل أن يعدل عن التنحي، فلما قضى كان الحزن عليه إلى السماء، وبعد عام ثاروا على سلفه لأنه أعلن أن عام 71 هو عام الحسم، فلما نكص خرجت الجماهير تحاسبه وتطلب منه الحرب، كان عليه الإعلان وعلينا القتال والقتل، وبعدها بعامين صدر قرار الحرب، وعبرنا. كان الموت أو الإعاقة من نصيب أبناء الشعب، وكان المجد من نصيب قادة الشعب. خرجنا من الحرب إلى السلام. وسرنا وراء "بطل" كليهما، ثم ثرنا عليه لما توحش غلاء الأسعار وثراء "الأخيار." انتفض المصريون من جديد، وضاقت الشوارع بأجساد المتظاهرين، وعربات الأمن، ثم هدأت الحال، وبعدها بأربعة أعوام إذا بالقائد

يغتال، ويترك لنا أتعس خلف، لتغلق صفحة دامية، وتفتح صفحة داكنة، لا أمل، ولا حلم، ولا مشروع. من أراد الحياة فعليه أن ينافق، أو فليهاجر، فإلى متى يا مصر؟

وظلت مصر ثلاثين عاماً تدور حول نفسها دون أن تخطو للأمام، وتخطط دون أن تنفذ، وتقول دون أن تفعل، وتتحدث العربية بالإنجليزية. ظلت مصر تبني المدارس وتهدم التعليم. كانت الأمراض هي أكثر ما قدمه الحكم للناس، وكان الفساد هو أضخم ما بناه أعوان النظام. عاد الشعب للصراع من جديد، وبقدر الفساد الذى ساد، والحلم الذي مات، كان الانفجار. عاش العفن طويلاً، لكنه سقط سريعاً. كان الشعب هادراً اقتلع أمامه كل شيئ (تقريباً)، لكن تربة مصر خصبة لفصائل الاًستبداد، والفساد، والاستعباط أيضاً، فإلى متى يا مصر.

ذهب الطاغية، وترك نخبة باغية؛ تضرب في الظلام، وتعطي معسول الكلام. فتحت أبواب الرعب، وانتشر السلب والنهب والقتل في النهار دون أن يمسك قاتل أو يحاسب متواطئ، وهبت أمواج الغلاء، وأرهق الشعب أيما إرهاق، دون أن نرى فرجة للأمل، أو بشارة بالفجر، فإلى متى يا مصر؟

لا أدري لحساب من يعمل الحكام في بر مصر! هل كل هدفهم أن يظلوا في الحكم وأن يورثوه؟ إما هذا أو الفوضى والدمار؟ رغم أن العلماء ضعفوا الحديث الذي يقول: "إن أهل مصر في رباط إلى يوم القيامة" إلا أنني أراهم كذلك، في رباط لمقاومة الحاكم، أو الاكتواء بناره. هذا هو ملخص قرن مضى بكل ما فيه، لكن ما يفزعني أن يكون ملخصاً لقرن قادم أطل ببعض ما فيه! إنها حرب مع الجميع: المجلس، والمخابرات، والأمن، وإسرائيل ومن وراءها، وبقايا النظام السابق. وهي حرب أرى الشعب فيها صابراً، لكنني لا أراه على الانتصار قادراً، إلا إذا اتحد، وحدد ما يريد ومضى إليه. لقد أضعنا فرصاً كثيرة، وأهدرنا دماء عزيزة، وصدقنا وعوداً زائفة، وانطلت علينا حيل بالية، وعشنا في صراع لا انتصار فيه ولا فناء، فإلى متى يا مصر؟