رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

يوم فشلت الثورة

اللهم إني أبرأ إليك من أن أكون فلاً من الفلول، أو واحداً من أولئك الآسفين، أو العباسيين المعاصرين، فما أنا إلا واحد من ملايين المصريين الذين عاشوا سنوات من العبث والفساد تحت ذلك النظام، وأدركوا أنه ليس من أمل في الخلاص إلا بمعجزة، فلما حدثت كان الفرح غامراً عارماً، لدرجة أننا تخلينا عن عادتنا المصرية الأصيلة بأن نتمتم في عز الفرحة "اللهم اجعله خير" ويبدو أننا أخطأنا هذه المرة حين لم نفعل، حيث ألهانا -أو بالأحرى أعمانا- حدث التنحي عن أن ندرك أن الثورة مقبلة على الفشل في ذات يوم نجاحها، أو يجوز قبل ذلك بقليل!

أرجو ألا تجد كلامي باعثاً على الإحباط، واصبر على قليلاً؛ فقد توحد كثير من المصريين لمدة 18 يوماً على الهدف، ولكنهم لم يتفقوا على الغاية، نشدوا الرحيل ولم يحددوا المقصد، فلما تحقق ما اجتمعوا عليه تفرقوا، وعاد كل فصيل إلى مقره، ليبدأ الاحتراب سريعاً بين من جمعهم ميدان واحد، وهدف واحد، ليحل الانقسام محل الاتحاد، والتنافر محل التلاحم، والجدل محل الاتفاق، ليزحف الفشل على ما تحقق من نجاح.
بنظرة عامة على تاريخ الثورات نجد أن موقف الجيش كان العامل الحاسم في تحديد مدى نجاح أو فشل أي ثورة، فالثورة الفرنسية نجحت لأن الجيش أعلن عن تعاطفه معها قبل أن يسقط الملك، ثم تم إبعاد الضباط الموالين للملك بعد ذلك، أما الثورة الأمريكية فقد كان عمادها الجيش الذي حارب الاحتلال الإنجليزي وأحرز انتصارات كثيرة بعد سلسلة من الهزائم، أما انتفاضة الديمقراطية في الصين عام 1989 فقد أخفقت لأن الجيش وافق على سحقها، وكذلك كان لموقف الجيش الموالي للحكومة في الجزائر الدور الأكبر في إجهاض الاكتساح الإسلامي للانتخابات عام 1991. فماذا عن موقف الجيش من الثورة المصرية؟ يجب أن نفهم أن تعيين كبار القادة في جيوش العالم الثالث وإبقاءهم في مناصبهم يعتمد على عامل الولاء قبل الكفاءة، ولذا لا نحتاج كثيراً من التفكير لندرك أن ولاء أعضاء المجلس العسكري لنظام مبارك قد تم اختباره والتأكد منه، ومن ثم اصبحوا جزءًا أساسياً في تركيبة وفاعلية ذلك النظام، ليتم تعيين قيادات الجيش في مناصب تنفيذية ما بين محافظين، أو وزراء، وإن كان مبارك أقل توزيراً للعسكريين من سلفيه ناصر والسادات، ومن ثم ليس هناك ما يبرر افتراض أن المجلس العسكري كيان منفصل عن نظام مبارك.
إذا كان ذلك كذلك، فما السر في هذا التحول المفاجئ في ولاء المجلس العسكري لمبارك؟ ببساطة بدا وضحاً أن وجود مبارك يمثل تهديداً لاستمرار النظام، ومن ثم اختار المجلس رحيل مبارك، في مقابل حفظ النظام، ونجح هذا التكتيك في إخلاء ميدان التحرير من المعتصمين، ليغادر الثوار ثغرهم ومصدر قوتهم، دون أن يدركوا أن السلطة السياسية القادمة قد تحددت طبقاً لآخر قرار اتخذه مبارك. كان معنى مغادرة الميدان أن الثورة لن تمضي إلى الأمام، وكما يقول "سايمون شاما" أستاذ التاريخ بجامعة كولومبيا، فإن الثورة مثل سمكة القرش؛ إن لم تتحرك إلى الأمام ماتت.
وانحسرت مظاهر الثورة في نشاط على المواقع الإلكترنية، وتوظيف لقدرات الفيديو والفوتوشوب في السخرية من أعداء الثورة، ومناظرات على الفضائيات، أو مقالات ومدونات، إضافة إلى تجمعات حاشدة أيام الجمعة في ميدان التحرير وبعض المحافظات، وبعض الاعتصامات المحدودة، ثم المواجهات الدامية مع قوات الجيش والأمن.باختصار عادت الثورة إلى الاعتماد على الكيبورد والحناجر، دون أن تجمع بينها استراتجية تحدد مسارها، أو قيادة توفق بين أطيافها،

وهو وضع كفيل بإبعاد الثورة عن النجاح، وتقريبها من الفشل.
وانجلى الموقف عن أطراف كثيرة فاعلة ذات مصالح لا علاقة لها بالثورة، فأصحاب النفوذ لا يرغبون في أي تغيير يهدد مصالحهم، ولديهم الثروة التي تجعل منهم قوة ضغط مؤثرة، وبدؤا بالفعل في تهريب الأموال إلى الخارج، حيث قدر وزير المالية الأردني "محمد أبو حمور" في يونيو 2011 أن حجم الأموال التي تخرج من العالم العربي أسبوعياً يصل إلى 500 مليون دولار، ومعظم الأموال الهاربة يخرج من مصر، مما أثر سلبا على الاقتصاد وأوجد رابطاً لا شعورياً بين الثورة وتردي الأوضاع الاقتصادية. أما الطرف الأكثر تأثيراً وتحكماً في السلطة فهو المجلس العسكري، ولديه من القوة الاقتصادية والعسكرية، والعلاقات الخارجية، والتحالفات الداخلية ما يجعله قادراً على تحديد نوع ومدى التغييرات السياسية التي سيتم تطبيقها بعيداً عن طموحات وأشواق الثورة، بل إن المجلس استطاع الإبقاء على قانون الطوارئ، وتوسع في المحاكمات العسكرية للمدنيين، واستعان بالكثير من رموز النظام السابق في الوزارات، والمحافظات، والجامعات، والبنوك، والمؤسسات الكبرى، ضد رغبة قدر معتبر من القوى الثورية والشعبية.
على الجانب الآخر بدأت حملة تشويه للجهات والجماعات الثورية، من خلال إلقاء تهم العمالة، أو الفساد الأخلاقي، أو الإلحاد، أو البلطجة، أو الحداثة وقلة التجربة (شوية عيال)، مما أحدث انقلاباً في جزء من الرأي العام نحو الثوار، وبالتالي نحو الثورة. وبدلاً من أن تمضي الثورة إلى الأمام وجدت نفسها في موضع الاتهام، وفي حاجة للتبرير والدفاع.
التاريخ يحدثنا عن أن كثيراً من الثورات قامت، وأن القليل منها نجح، وأول أسباب نجاح أي ثورة هو الإتفاق على الهدف والغاية، وتشكيل كيان سياسي يتولى الحكم أو يطالب به، ولا أجد سبباً من ذلك قد توفر للثورة المصرية، ومع مضي الوقت تزداد الأطراف الفاعلة، وتتعقد الحسابات أكثر، مما يزيد من أمد الصراع، أو يعجل بنهاية دامية له، وما لم يدرك كل من ثاروا بكل أطيافهم أن الثوة يجب أن تنجح، من أجل أن ينتقل هذا الوطن إلى مقام يليق به بين الأمم، فإن الفشل سيكون أفدح على الجميع. كيف نرى أسباب الفشل ونأخذ بها؟ ونعرف أسباب النجاح وننبذها؟ هذه اللحظات الكبيرة تحتاج رجالاً كباراً، أكبر من المصالح، والأهواء، والأضواء، ويبدو أن الرجال قليل، ولا أريد أن أقول "مفيش."