رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ميدان التحرير الكوري لم يسقط النظام!

عندما تتجاوز حدودك الجغرافية وتتأمل التجارب الإنسانية في أنحاء المعمورة تجد خيطاً واحداً ينتظمها، وهو خيط الصراع الدائم بين الإرادات، حيث لا تكون القوة وحدها كافية للترجيح، وحيث يكون الجهل والغباء والغشم بمثابة الطريق السريع نحو التردي والهزيمة. صدقوني التوفيق ليس محض صدفة،

والإخفاق ليس مجرد سوء حظ، ولعل في القصة الكورية التي بدأت منذ بضعة أعوام اتفاقاً مع ما طرحته عليك تواً.
تعود بداية القصة إلى عام 2003 عندما اكتشفوا ثلاث أبقار مصابة بمرض جنون البقر في الولايات المتحدة الأمريكية، فقررت حكومة كوريا الجنوبية (الحليف الأكبر لأمريكا في جنوب شرق آسيا) وقف استيراد اللحوم الأمريكية، مما شكل ضرراً بالغاً لهذه الصناعة في أمريكا، إذ أن كوريا هي ثالث أكبر مستورد للحوم من أمريكا. واستمر الحظر الكوري شبه التام حتى أبريل 2008 عندما زار الرئيس الكوري الجنوبي "لي ميونج" الولايات المتحدة لتوقيع اتفاق تجاري مع نظيره الأمريكي الرئيس "بوش،" وكان رفع الحظر الكوري على اللحوم الأمريكية مطلباً لإنفاذ الاتفاقية، وبالفعل وافق " لي" على رفع الحظر، لتتلقف وسائل الإعلام والناشطون في كوريا هذا الخبر وتبدأ حركة احتجاجات واسعة في العاصمة الكورية "سول."
كانت بؤرة الاحتجاجات في حديقة عامة في قلب مدينة "سول" توافد عليها المعارضون لاستيراد اللحوم من أمريكا، ونظموا وقفة إحتجاجية بالشموع، ثم قرروا الاعتصام بالحديقة، وبدأت أعداد المعتصمين في التزايد، وكان اللافت للنظر أن الشباب حديث السن كانوا هم الأكثر حضوراً، خاصة الفتيات اللائي لم يبلغن حتى السن القانونية للتصويت في الانتخابات، ولم يكن لهن أي نشاط سياسي يذكر، فما الذي حدث؟ ربما كانت إجابة فتاة عمرها 13 عاما على سبب اعتصامها كاشفة عما حدث، لقد قالت الفتاة: "أنا موجودة هنا من أجل دونج بانج شن كي" وهي فرقة موسيقية من الشباب الذكور، وليس لها علاقة بالسياسة، ولكنها تناقش الموضوعات الجارية على موقعها الإليكتروني الذي يجذب إليه مئات الآلاف، خاصة المراهقات.
وتجاوبت المحطات التليفزيونية مع الحادث، وبثت تقارير عن خطورة مرض جنون البقر، وبثت لقطات لأبقار في أمريكا مصابة بالمرض (إتضح فما بعد أنها أبقار مصابة بالهزال وليس بمرض جنون البقر)، كما أذاعت تقارير تشير إلى أن الكوريين أكثر عرضة للإصابة بالمرض من غيرهم من الشعوب، وهو ما لم يكن دقيقاً من الناحية العلمية.
إتسع نطاق الاعتصام في قلب العاصمة، وقدر عدد المعتصمين بما يزيد عن النصف مليون في أكبر احتجاجات تشهدها كوريا منذ حركة المطالبة بالديمقراطية عام 1987 كما كان الاعتصام فريداً في نوعه، إذ تحول إلى اعتصام تؤمه العائلات بأطفالها وشيوخها، ودخل الاعتصام في شهره الثاني، لتضيق الحكومة ذرعاً وتقرر استخدام القوة في إنهاء الاعتصام، وتبدأ مشاهد مدافع المياه التي تطلق على المحتجين، والهراوات التي تضرب الرؤوس والضلوع، وتنطلق الدعاية الحكومية قائلة إن المحتجين تحركهم جماعات تريد

إفساد علاقة كوريا بالولايات المتحدة. ولكن كل ذلك لم ينجح مع المعتصمين، وتنتقل مشاهد القمع إلى مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت، وتنتشر مشاهد العزل من الصبية والبنات في مواجهة قوات مكافحة الشغب، ليتصاعد السخط، وينضم محتجون جدد إلى المعتصمين (هل تذكرك هذه الأحداث بشيء؟)، وتنخفض شعبية الرئيس "لي" من 70% في شهر أبريل إلى 20% في شهر يونيو، ويدرك النظام أن سيف المعز ليس هو الحل، فيقيل "لي" الحكومة، ويلقي بياناً يعتذر فيه إلى الشعب، ويعترف فيه بأنه ارتكب خطأ، ويقرر حزمة من الإجراءت لتشديد الرقابة على ورادات اللحوم الأمريكية. وينجح "لي" في الخروج من الأزمة دون أن يضطر إلى إلغاء الاتفاقية مع الولايات المتحدة.
بقى أن تعرف المحطة التليفزيونية التي أذاعت تقارير مغلوطة أثناء الأزمة قد اعتذرت عن تلك الأخطاء علناً، إلا أن ذلك لم يمنع من أن ترفع ضدها دعاوى قضائية، ولكن المحكمة رأت أن ممارسة حرية التعبير يمكن أن تنطوي على أخطاء، وأن حماية حرية التعبير تتعارض مع فرض عقوبات أو ضغوط على الصحفيين تحد من حريتهم في التعبير مخافة الوقوع في أخطاء.
لم يسقط ميدان التحرير الكوري نظام الرئيس "لي" لأن الرئيس له شرعية، ولأن الرأي العام حاضر دائما ولا أحد يزيفه، ولأن هناك صحافة حرة لا تصادر حريتها حتى وإن أخطأت على غير هوى النظام، لم يسقط لأن هناك قضاء مستقلاً لا يتدخل فيه أمن الدولة. لم يسقط "لي" لأنه قال" لقد أخطأت" ووجه اللوم إلى نفسه. لم يسقط "لي" لأنه اعتذر واستجاب للمطالب، ولم يتورط في إسطوانات الأصابع الخارجية والأجندات الكورية الشمالية (عدو كوريا الجنوبية). لم يسقط "لي" لأنه لم يكن عنيداً أو غشيماً أو غبياً. هل أدركت لماذا يجب أن تلوم نفسك -وليس الحظ أو الآخرين- عندما تخفق؟ الحمد لله أن مبارك لم يكن مثل "لي"!