رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الفوضى الوطنية

كانت الهند هي درة التاج البريطاني لزمن إمتد حوالي ثلاثة قرون، ومن أجل أن تحكم قبضتها على هذا البلد القاري والشعب الكبير لعبت على الفتنة الدينية، فنشأ حزب المؤتمر الهندوسي 1885 في مواجهة المسلمين، ثم حاولت تقسيم ولاية البنغال عام 1905 ما بين الهندوس والمسلمين، فقاوم حزب المؤتمر،

وتكونت الرابطة الإسلامية للحفاظ على حقوق المسلمين في أي تسوية مستقبلية، ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية كانت الصراع الديني على أشده في الهند، وتحول إلى حرب أهلية في كلكتا عام ١٩٤٦ بين المسلمين والهندوس أزهقت فيها ٤٠٠٠ نفس. كان تخلي بريطانيا عن الهند مؤلماً للامبراطورية الآفلة، ليذهب الحاكم البريطاني للهند "ماونتباتن" إلى المهاتما غاندي محذراً إياه من الفوضى التي ستضرب الهند حال انسحب الإنجليز، فيرد عليه غاندي قائلاً: لكنها ستكون فوضانا! والمعنى: ارحلوا باستقراركم وعبوديتنا، ودعوا لنا حريتنا حتى وإن جرت علينا الفوضى، فسوف تكون فوضانا. بقية القصة أن الهند حصلت على الاستقلال عام ١٩٤٧ ولكن انفصل عنها في نفس العام الجزء الشمالي الذي استقل به المسلمون لتنشأ دولة باكستان، بعد صراع ديني وعرقي مرير راح ضحيته ما يقرب من نصف مليون إنسان.
لا توجد تحولات كبرى بدون صراعات كبرى، وخسائر فادحة، ومخاوف، وأحزان، ومشاعر بأن العالم صار فوضى لا أمان لها، لكن المقابل يستحق، فالكرامة والحرية غايتان تستحقان أن يبذل في سبيلهما كل مرتخصٍ وغال، فقد عشنا ثلاثين عاماً في استقرار راكد مع رئيس من علامات الساعة (طبقاً للحديث الشريف "إذا وسد الأمر لغير أهله فانتظروا قيام الساعة")، ومع هذا الاستقرار انتعش الفساد، وساد الإحباط، وأهدرت كرامة الناس، وانكمشت مصر وتقزمت مكانتها، وتحولت إلى ضيعة لمبارك وأولاده وشركائهم، فضاع الحاضر ومات الأمل في أي مستقبل مع الفكر الجديد، ولجنة السياسات، ولوردات الحزب الوطني العجيب. سدت علينا كل المنافذ فلم يكن بد من الانفجار، وكان الانفجار الكبير، وحدثت المعجزة، وسقط رأس النظام، لنبدأ عهد التغيير، بعد استقرار مرير.
لكن الأمر لم يكن سهلاً، ولن يكون، فأعداء التغيير أكثر مما نتصور، وعلى استعداد أن يبيعوا ما لا نتصور من أجل أن يحافظوا على ما اغتصبوه، أو سرقوه، أو منحوه بغير كفاءة أو وجه حق، وأسهل الحلول هي إشاعة الفوضى، وبث الذعر، وإحباط أي أمل في حدوث أي تغيير، والوصول بالناس إلى الندم على مافقدوه من استقرار وحياة آمنة. وليس من شك في أن هذه الوسوسة قد وجدت صدى لها في نفوس أنهكها الخوف، والغلاء، وعدم حدوث تغيير إلى الأفضل حتى الآن، والفوضى التي تكاد تضرب كل شئ. لكن الناس يحتاجون أن يفهموا أنه حقاً توجد

فوضى، لكنها "فوضانا."
يمكن أن ترد قائلاً: وهل كنا محتلين حتى نقيس منطق "غاندي" على حالتنا؟ وردي أن نعم، كان احتلالاً 'وطنيا' أسوأ من أي إحتلال آخر، لم يكن يستطيع أعدي أعداء مصر أن يضرها كما فعل نظام مبارك، كان احتلالاً عائلياً، وخفي علينا أننا لا نقاوم الاحتلال، كنا غرباء في وطننا أكثر من كوننا غرباء خارجه. كانت القرارات تطبخ، والانتخابات تزور، والمناصب توزع أو تمنع ونحن لا ندري كيف وزعت ولماذا سحبت، والأراضي والمطارات توهب لذوي الحظوة في الداخل أو للأثرياء في الخليج، أو أحياناً إلى أعدائنا أصدقاء النظام. كانت البلد مخطوفة وفي فوضى بلا أمل، فإن كنا في فوضى الآن، إلا أنها فوضى يحدوها الأمل، إنها فوضانا نحن من أجل الحرية والكرامة. وهي فوضى يدفعنا إليها من جاء بعد مبارك مضيعاً للوقت، ومصطنعاً للأزمات، ومتجاهلاً للأمن، وفي الأخير رافعاً لعصا الأمن الغليظة وسيف المحاكمات العسكرية التي سادت.
"غاندي" الذي قاد بلاده إلى الاستقلال دفع حياته على يد متعصب سيخي في العام التالي للاستقلال، ودخلت الهند في ثلاثة حروب طاحنة مع جارتها الجديدة باكستان، لكنها الآن أكبر ديمقراطية في العالم، وأكبر مصدر للخدمات في العالم، ومن أسرع الاقتصادات نموا في العالم، ومن أهم الدول في صناعة النسيج في العالم، وتطعم شعبها الذي تجاوز المليار قمحاً محلياً، وتمتلك ثاني أكبر صناعة للبرمجيات والرقائق المعدنية في العالم، وثاني أكبر صناعة سينما في العالم، ناهيك عن أنها دخلت النادي النووي وأطلقت قمرها الصناعي منذ سبعينيات القرن الماضي. هل كان يمكن أن يتحقق أي من ذلك لو فضلوا استقرار المحتل على الفوضى الوطنية؟
لقد كنا في فوضى ظلام دامس، والآن نحن في فوضى تؤذن بفجر جديد، ذلك أنها "فوضانا."