رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

وهم الانتخابات

بدون مقدمات تناقش بدهيات، هل تعتقد أن الانتخابات البرلمانية القادمة ستحدث التغيير المأمول في مصر؟ أنا لا أعتقد، وإليك أسبابي:

-الانتخابات فعل يحتاج إلى النظام والقانون قبل إحتياجه إلى الحرية، وفي جو مفعم بالفوضى وخرق القانون لا يمكن أن نتوقع ممارسة ديمقراطية صحية، وعندما تفقد الدولة القدرة (أو ربما الرغبة) على حماية الناس -ناهيك عن حماية نفسها- تصبح الفوضى هي البديل. الفارق بين إنتخابات الأمس والغد أن البلطجة في السابق كانت تعمل تحت إشراف الدولة، أما في اليوم والغد فإن للبلطجة دولتها الخاصة، والمحصلة في النهاية تكاد تكون واحدة: إنتخابات بلا نتيجة مؤثرة لصالح الوطن.
-الانتخابات القادمة زحام معقد التفاصيل، مما يحد من قدرة المواطن على الادراك السليم، ومن ثم الاختيار السليم. إذا حاولنا أن نرسم خريطة الاتجاهات السياسية المتصارعة في هذه الانتخابات سنجد أنفسنا أمام أربعة تيارات رئيسة: التيار الاسلامي رباعي الأبعاد (الإخوان، والسلف، والصوفية، والجماعة الاسلامية)، والتيار الليبرالي (مثل الوفد، والغد، والجبهة الديمقراطية)، واليسار (ما بين التجمع، والكرامة، والناصري وغيرها)، والتجمعات الثورية (حوالي عشرة أحزاب). وتتصارع هذه القوى على ثلثي مقاعد المجلس، أما الثلث الباقي فهو للمستقلين الذين لا يجمعهم تيار فكري واحد، وينظر البعض (وانا منهم) إلى باب المستقلين على أنه يمثل حصان طروادة الذي سيدخل منه فلول الحزب الوطني المنحل (سبحان من له الدوام) إلى المجلس التشريعي من جديد. والخلاصة أن الناخب المصري يواجه حوالي 55 حزباً (انشئ عد كبير منها بعد الثورة)، بالاضافة إلى عدد كبير من المستقلين، وهو زحام معلوماتي يجعل الانسان العادي تائها غير قادر على إستيعابه في هذا الوقت القصير، ولذا فإن الأصوات لن تذهب بالضرورة إلى الأصلح، بل إلى من اعتاده الناس، أو من هو أفضل تنظيميا وخدمياً، بالإضافة الى أن طريقة التصويت متاهة، وسوف ترفع بالتأكيد من نسبة الأصوات الباطلة. وهو ما يحد في الأخير من قدرة المجلس المنتخب في النهاية على أن يكون نقلة حقيقية في السياسة المصرية.
-تخطيط الانتخابات تم بطريقة لا تشعرك بأنها تصب في المصلحة العامة، فانتخابات المجلسين التشريعيين سوف تتم متزامنة وعلى مسافات طويلة، فتظل البلد في حالة انتخابات حوالي شهرين، وهو من ناحية يزيد في التعقيد ويصعب التفكير والاختيار، ومن ناحية أخرى يرهق العباد واقتصاد البلاد المرهق أصلاً، فهل المقصود إعطاء الفرصة للناس من أجل التصويت؟ أم مد زمن الفوضى والتيئيس من جدوى الديمقراطية؟ أم كسب الوقت للبقاء في السلطة أكبر قدر ممكن؟ اياً كانت الأهداف، فإن هذه المقدمات غير المقنعة لا تبشر بنتائج مقنعة، مما يعمق الشعور لدي بأن القائمين على الأمر حريصون على أن تحافظ الانتخابات على الوضع القائم، لا أن تغيره.
-هناك قوى لا يستهان بها

حريصة على إجهاض الحلم بالتغيير في هذا البلد الذي نكب كثيراً بحكامه، وأعيانه، وأحياناً مثقفيه، وهذه القوى تملك من المال، النفوذ، والعلاقات، والأعوان ما يمكنها من أن تشعل الفتن وتثير الفوضى، خاصة في ظل الفراغ الأمني الحالي، الذي يبعث على الريبة أكثر مما يبعث على الدهشة. وكان رفض رقابة المجتمع الدولي والجمعيات الأهلية على سير الانتخابات علامة استفهام أخرى من نوع "ما الذي تبيت له وتخشى أن يطلع العالم عليه؟"
حسناً؛ إذا كان الأمر كذلك، فهل إلغاء الانتخابات أفضل من اجرائها؟ بالطبع لا! عندما نفكر بطريقة "إما هذا أو ذاك" فإننا نضيق واسعاً، ونصيب أنفسنا باليأس والعجز، فنفشل في حل المشكلة نتيجة فشلنا في فهم أصلها، وأصل المشكلة قادم من يوم أن تنحى مبارك، حيث تسلم المجلس العسكري السلطة متعهداً بنقلها إلى سلطة مدنية منتخبة في خلال شهور، لكن كل ما تلى ذلك لم يكن يمهد بأي حال إلى إجراء إنتخابات سليمة، ودخلنا في صراعات لا تجدي بعيداً عن حاجة الظرف الذي نحن فيه، كان هناك أمران أساسيان نوجه لهما كل طاقتنا: الأمن والاقتصاد، وبدونهما لا يمكن أن تحدث حياة ديمقراطية سليمة، حتى إن إحدى نظريات التحول الديمقراطي تطرح أن الشعوب التي يقل متوسط دخل الفرد فيها عن 6000 دولار سنويا تفتقد البنية اللازمة لتحقيق الديمقراطية، لكن الأمن انهار أكثر، ومعه الاقتصاد. مما يجعل المسار الديمقراطي وعراً، أو على الأقل غير ممهد.
ليس هناك من بديل عن الانتخابات الآن، ولكنها سوف تكون مرحلة في الصراع وليست حسماً له، وربما كانت خسائرها أكبر من مغانمها، إلا أننا مدفوعون إلى المضي في هذا الطريق، ولكن علينا أن نؤمن أنه ليس حريراً ولا قصيراً، لكن لا يجب أن نيأس، اليأس في حالتنا هذه رفاهية لا نطيقها.