رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

كشف نضارة مصر

رغم كل مداعبة خيوط الحكايات الممتدة و  ماتقذف به دوائر المفاجآت التى من كثرتها صارت " مألوفة !" تظل أحداث الإنتخابات الرئاسية لاتلهمنى بجديد ، و هكذا لانلتفت كثيرا حين يدخل من بوابة الترشح سعدا منتشيا صغيرا مداعبا و لاعبا ،

لكننا لاننفلت من بعض ألم مباغت فى اللحظة ذاتها حين يخرج من البوابة ذاتها سعد آخر عرفته مصر حرية وديمقراطية وحداثة صامتا حزينا ، غير ذلك لاشئ جديد مهم يمنح متابعة شغف أوشكت أن تكون " قديمة " ، خروج وجه أو جمود وجه أو كمون وتربص وجه او استعداد وجه للمغادرة، كلها لعبة وجوه تتناوب على شريط ثابت صامت لايوحى الا بسكون .
و ساحات السياسة تتحول من جدل التغيير بشأن القادم الى بؤرة خلافات مركزها أرنبة الأنف ، فى الوقت ذاته يتكرر اسم الوطن كلقب تذكارى ثانى لاسم راقص ، و هكذا صار مقتضى الحال فى مصر التى لم تعد من زمان طال  تحدثنا عن نفسها .
يحلو لمن يسعى لأخذ العبر أن يعود الى التاريخ فيأخذ منه حادثة أو أكثر ليدلل بها على شئ كبير ، هكذا تتشكل ذاكرة عدل الحكام و انتصاراتهم فى مخيلة الجموع ، و ننسى أنها مجرد حادثة أو أكثر فى سجل طويل ربما يكون مزدحما بما هو ضد ، ولكن ما العمل فى ذاكرة تحتفى بماتريد ، وهذا ربما يفسر شهرة كوبلية الغناء الشفهى التراثى " اللى بنا مصر كان فى الأصل حلوانى " رغم أن معيشة المصريين تشهد على طول الزمان بمرارة العيش و القهر و احتكار الخيرات ، بينما خفاقا ظل هذا الشعار عن ذلك " الحلوانى " متداولا و مسيطرا .
يمكن جدا القول ان سر عدم التغيير الحقيقى فى مجتمعنا يكمن فى أن اهل بلدنا الطيبين ربما يكرهون السياسة و الساسة كعقدة تاريخية مرتبطة بالحلوانى الذى لم يعرفوه الا حلما وخيالا لم يضحى واقعا و احتمالا ، و لهذا فان ظهورهم فى السياسة كجموع هو مؤقت و سريع وطارئ ، وانهم يميلون لمنح التوكيلات لمن يتوسمون فيه شيئا ما ، ثم و بمنتهى التسرع و السرعة معا يغادرون ربما لحاقا بكاوتشات حلم الإنتاج " ذائع الصيت والعلامة التجارية " او ربما طلبا لاسترخاء او حتى للفرجة .
هى طيبة تجعل منح الأمان و الحنان طبعا غالبا لكل من يسوق شعارا ويلقى سلاما أو حتى يكتفى بأن " يطبطب و يدلع " بالكلام ومن اى اتجاه ومن كل التيارات ، مع إن الست الصبوحة تنبأت مبكرا بفتة الخل المليئة بالثوم  وهى تقول " كلام بس .. مباخدش منك غير كلام " فى اشارة طبعا للمتحلقين حول صينية الفته بعد أن يأكلوها و يحبسوا بكوبين شاى بالنعناع لزوم التخلص من الدهون .
ربما يبدو الحل بسيطا و بديهيا ، أن نعيد تركيب ذاكرة الناس و ونقول بصراحة كلها راحه انه يا أهل بلدنا الطيبيبن اللى عايز وبيقول سأبنى مصر " التى و الذى " لازم فعلا يكون حلوانى بجد .. مش حلوانى اعلانات وبس، ولازم تتصدموا وتعرفوا ان ماحدش كان صنعته حلوانى عدى من هنا من زمان ، طيب حلوانى ازاى عدى علينا و عيشة المصريين كلها طعم مالح ، وقبل أى شئ أى حد يقول أن صنعته حلوانى لازم يورينا شاره و اماره و لو حتى صينية كنافته وهى جوه الفرن .. فرن السياسة و الحياة معا .
غالبا اللى اقرب لدائما كانت تجربة المصريين مع حكامهم الذين احتفى التاريح برسم شاراتهم و حكاياتهم حزينة ، محصلتها فقر و حرمان للمصريين من طعم الخير و الخيرات اللى ماليه بلادهم ولا ازاى ممكن تفسروا لنا أنه فى كل تاريخ مصر ، وقت الامتداد خارج الحدود و وقت الامبراطوريات اللى ورا الجبال و البحار البعيدة .. ظل الترف و الثراء فوق فوق فى العالى ، وظل الأسمر المصرى يزرع و يقلع دون ان يصل ابدا الى الفعل يحصد .
اذا أردنا أن نصنع التغيير الحقيقى فى المجتمع فان نقطة البدء هى توديع الاشارات و الاشادات المجانية سابقة التجهيز لكل من يمارس معنا الفعل " يسوس" ومشتقاته الكثيرة .
تظل حلقة المرشحين منتصبة و عرضها مزدحم ، حيث يدخل مرشح جديد و يغادر مرشح قديم و يطلع عم هذا افريكانو و خال ذاك سوريانو ، وتظل مصر تحدث نفسها عن نفسها ، وننسى انه من بدرى غنى عدوية " حبه فوق وحبه تحت " طبعا قبل أن يتحول لمطرب حداثى يغنى "" للناس الرايقه " ، وكأنه سجل تجربة " نهضة مصر " ، حين ظل المصريون على سلالم التحول واقفين شويه على عتبات بتطلع لفوق و شويه لتحت والمحصلة

الزمان بيدور و المكان ثابت لايتغير .
انتهى عصر ماقبل الثورة ، وظن الجميع آملين مع حشد و همة و عزم واستبشار أننا سنحيا داخل عصر الكهرباء الكونية التى تضئ أسانسير الصعود الجديد من غير ر وائح الجاز والغاز وعفار السلالم القديمة المتآكلة المهشمة بكل مايقف عليها من فئران الأفكار ،ودخلت طلائع المصريين ماظنوه عصر الأسانسير ، أولا باعتباره أسرع و باعتباره تعبيرا عن الرغبه فى الوصول لعلو حضارى و ثقافى أرقى ، لكنهم دخلوا الأسانسير و يمكن نسيوا يدوسوا على الزرار .
و لما دخلوا بدأوا يبصوا لبعض تانى ويكتشفوا انهم كانوا كارهين بعض بس نسيوا ، وهنا تغيرت النظرة للطابق الذى سيصعدون له ، ونظرا لعدم الإتفاق و الخلافات ، كان الحل أن يقف الأسانسير فى مكانه اللى هوا قريب من بسطة السلم القديم بالظبط ، لحد مايقرروا حايروحوا فين .
وبدأت معركة من يقف الى جانب لوحة مفاتيح الأسانسير علشان يدوس الزرار المقصود ، و نسى الجميع أنهم ركبوا معا وكانوا يستهدفون صعودا محددا، وفجأة لاحت فى لوحة الأسانسير أزرار طوابق أخرى سفلية وليست عليا فقط ، و ارتأى البعض أن الهبوط لطابق أسفل ربما يمنح بداية جديدة ، و رأى البعض أن طابقا واحدا علويا يقلل المخاطر ، و رغب حالمون أن يصعد بهم الأسانسير نحو طوابق أعلى كثيرا تطل على فضاء الحياة الأرحب .
بحكمة الكبار " الذين دوما يعرفون أكثر !" تم تهذيب الصغار و ردعهم بأن طاقة الأسانسير محدودة و ضرورة الحفاظ على الصعود المتدرج تتطلب بطئا و احتياطا وحذرا .
وتغلب مع الوقت وبعض الشجار و بعض الردع منطق من عاشوا الزمنين ، زمن السلالم وزمن الأسانسير ، و صمت الحالمون  و انزووا فى ركن قصى ،و لما اطمئن الكبار لصمت الصغار نظروا لبعضهم مسرورين فرحين ، ولما كانت العين دايما تصيب ، بدأوا يتناقشون .. أى طابق ومن يدوس الزر ، ولما كانت أفكار منطق الاشياء و الضرورات لاتجزى فى صراع قهر الإراردت ، اختفت القبل و الاحضان القديمة و عادت كل ريما بكل مافى جعبتها القديمة من مخزون كره و تشفى و اتهام  .
هل كل شئ كان معدا سلفا لتجهيز أسانسير لايتحرك ،سؤال صعب محير مربك.. مؤشرات كثيرة تقول ان الأسانسير ده شكله كان محطوط على الأرض مالهوش موتور رفع ولا حتى ليه حبل سحب ، خناقة الأسانسير شكلها باظت ، وتقريبا الكل حايجرى على بوابة الخروج بعد ما أوكسجين التنفس أوشك أن ينفذ داخل هذا الأسانسير .
هل يمكن أن نستدرك الأخطاء ..؟ الحقيقة ممكن جدا ، بس مع تغيير بسيط اننا نعترف بالحقيقه وهى ان مصر مش محتاجه تدخل أسانسير الأول ، مصر محتاجه كشف نظر جديد ، يحدد الرؤية و المسافات ، ويحدد المعقول و الممكن و الصح والغلط ، الاتفاق و الاختلاف ، وبعدها نعرف نركب أسانسير ايه وليه ، قبل كشف النظر فليركب من يرغب و ليخرج من يشاء ، لان لوحة الزراير  حاتتشاف غلط ، كما أن الأسانسير من الأصل خارج نطاق خدمة الصعود .. واللى بنا مصر .. ! .