عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

المصريون.. تلك «الكائنات» المدهشة التي لم نكتشفها بعد!

في رحلات الاكتشاف الجغرافية المبكرة حمل الرواد الأوائل أوراقهم وبدأوا في تدوين ما اعتقدوه مبهرا وجديدا، وهكذا حفظت ذاكرة التاريخ وسجلاته دهشة بدت وقتها طازجة عن تفاصيل الشجر والأرض والنباتات والمناخات وثمار الفاكهة، وفقط بدا لهم الإنسان الآخر الذي التقوه في تلك الأراضي الجديدة غريبا همجيا أو بربريا أو بادئيا ودون مستوي توقعات الحضارة والتمدن كما يرونه من مجرد تقييمهم لكونه مختلفاً عنهم في ظاهر ملامح الوجه وشكل الملبس وبعض الكلام الغريب.

هكذا يحل الغضب وينشأ التمييز وتبدأ المشاعر في التبلور نحو فكره الغريب الذي رويدا يتحول إلي خصم وربما يصبح عدوا أو هدفا تغيب ملامحه الإنسانية وتتصلب في مواجهته الأحاسيس، وسريعا تنشأ فكرة الفسطاطين الذين لا يفصلهما سوي هوة الجحيم ومشاعر البغض والثأر والرغبة المتزايدة في التشويه والاختزال وتحل المبررات سهلة طيعة لتكون وثيقة العقل والقلب لمصالحة الذات الملتهبة والمنتقمة.
ربما يبدو ما أتحدث بشأنه تاريخيا وبعيدا وربما لو تأملنا ما يحدث في أراضي السياسة المصرية وملاعبها من تشرذم وانقسامات بين القوي المختلفة حول قضايا ثانوية غير ذات أولوية تتعلق بهوامش الوطن دون الدخول في جوهر ما هو ملح وأولي، يدرك أن الانشغال بحروب الكلام الكبير وتبادل قذائف الاتهامات من وضع الثبات واليقين الفكري التي لا تقبل الشك هو سيد المشهد وذروته الدرامية، وما يستتبعه ذلك من وصم الآخر المختلف بكليشيهات اتهامات يليق بها وصف: «بضاعة أتلفها الهوي».
هكذا يتضح أننا لم نتعلم من دروس الثورة وربيعها المثمر الطيب شيئا مهما مؤثرا، وفقط تبقت لنا فقط تفاصيل خلافات مروعة وبقايا خريف طويل كئيب أدمنا فيه الاختلاف وتمزيق أردية الفرح الجماعي بنزق وعناد غريبين وبالغين.
تبدأ خلافات القوي والتيارات من مربع الخصومات الأيديولوجية ثم لا تقف عند خلاف فسطاط الدولتين الدينية والمدنية، كشاطر ومشطور وبينهما طازج متجدد من اتهامات التخوين والانقضاض والكراهية بشأن لم الأحداث لتتشكل معالم الصورة قاتمة، وكأن الثورة لم تدشن بدايات جديدة، وكأن بعضنا يصر علي بدائية المكان وبدائية البشر.
وفي كل ذلك المشهد يغيب المصريون المواطنون أصحاب الحلم ومقدمو التضحيات الذين تركوا خلفهم كل شىء وحملوا الروح في اتجاه الحرية والتغيير ونحو مصر أخري غير تلك التي عرفوها محفوظة في علب الجبن «النستو» المغلفة بضحكة بلهاء، يكتفي السياسيون «الحكماء» بمغازلة الأحلام بمعسول الكلام ويقفون عند حاجز اللافعل كأنهم يستجيبون لنداء تاريخي بالركود والسكون فتخيب الآمال ويدخل المصريون في دورة حزن عميق وإحساس مفعم باللاجدوي.
في مشاهد صيد الغزلان وقنص الفرائس يحلو للصياد ورفاقه أن يصفوا تفاصيل الرحلة الممتعة، ويكون إصابة الهدف مشهدا يعبر عن فوز، وبينما تنزف الفريسة لا يري الصياد منها غير أنه نجح في إصابتها ليتم تحييد مشاعر الألم ولتكون صرخات الضحايا مؤشر نصر وعلامة مهارة فائقة يمكن الفخر بها.
هل يصلح هذا الوصف ليعبر عن خلافات وانتقام القوي الساسية من بعضها لمجرد متعة القنص، وابتعادا عن مجتمع صار يحلم بعد أن اكتفى طوال سنوات يصعب حصرها بالبقاء صامتا مشاهدا في خيمة رئيس كان يري أنهم مجرد «شعب بيتناسل اكتر من اللازم».
دعنا نقولها واضحة يستحق المصريون من نخبهم وأحزابهم ومسئوليهم وقياداتهم رحمة أكبر وعدالة أسرع هكذا تبدأ مصالحة المصريين مع أنفسهم وهكذا ندخل المستقبل متجاوزين كل البدايات غير المبشرة، لن

يسعفنا في هذا الصدد حديث خائف أو متهدد عن نكسة اقتصادية وانحدار لمؤشرات بورصة لم نصنع أزماتها ولم نحرز- كتجار الحروب- ثمارها، أستشعر كثيرا أن القوي السياسية المختلفة لم تعرف بعد الناس ولم تستلهم عبقرية البقاء لدي المصريين، ولم تداعب هوسهم بتخليد الأفكار والشخصيات المنجزة في تاريخهم.
تعالوا نتذكر ملمحا بسيطا وعميقا في آن معا.. هو انتظام قوافل المصريين في تنظيف الشوارع والميادين بكل همة ومحبة في الأيام التالية مباشرة لتنحي الرئيس السابق، مازلت أستدعي تعابير الفرح والرغبة في الإنجاز تكسو الوجوه ببشائر أن القادم أجمل، أعيدوا النظر لتدركوا ماذا سيفعل المصريون حينما يصدقون.
لقد عشت أثق أن نظام ما قبل الثورة لم يعرف الشعب الذي يتسلط عليه ولم يحبه كنت أرقب مشاهد القمامة وسوء التنظيم وسوء الإدارة ومحدودية الكفاءة أينما وليت وجهي، وأقول هذه مؤشرات صادقة علي أنهم لا يحبوننا، كنت أمضي ساعات يومي محاصرا في طوابير العربات التي تمتد كعلامة تجارية تؤكد أنك في شوارع مصر، لم يكن أحد يهمه أمرنا فقط كانوا يقومون بدور بالغ الحرص في أن يطمئنوا علي دوام قهرنا وصمتنا عبر التأكد من ربط الأحزمة علي الصدور.
كنت أقرأ عن أطنان القمح آتية كمعونات من كل صوب وتبرعات ومنح وهبات وأقول أن من يستمرئ ذلك ويعايرنا بأننا نبالغ في أكل «العيش الحاف» لا يحبنا، هو لم يكتشف بوعي قارة المصريين التي اخترعت الزراعة وشيدت المعمار الأول في فجر التاريخ، تلك القارة المتألمة الصبورة المتوجهة بالدعاء والمتحلية بتسامح جميل وأمل في رحمة الله.
في استحقاق سياسي جديد نريد مصالحات ومبادرات وقرارات جريئة تنبئ عن تغيير حقيقي يبني جسورا للحب والثقة ويزرع نبتات الأمل، ويمنح الهدوء والاطمئنان علي صحة المسار لشباب أرادها حرة كريمة، أعطي وبذل ولم يأخذ، ولازلت أثق أننا جميعا بكل تسامح يليق بتاريخ مصر وصبر المصريين سننشغل بهمة في إخلاص وبناء وتعمير يعيد اكتشاف المصريين «كائنات» إنسانية نبيلة بناءة مدهشة، وحينها سنكون قادرين علي أن نشد علي أيادي الأمهات اللواتي فقدن الأبناء والأزواج فى مشاهد الثورة وما تلاها بأن تطمئن فمصر التي نحبها والتي نعيد معا اكتشافها تجىء.
د. هشام عطية عبدالمقصود
[email protected]