رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الثأر من عائلة الحكومة



في منتصف الثمانينيات، ومع تصاعد المواجهة بين الشرطة والجماعات الإسلامية، وقعت أول حادثة قتل لأحد أعضاء الجماعة في منطقة الإسعاف في وسط القاهرة، وكان القتيل اسمه شعبان من مركز ساقلتة بمحافظة سوهاج، وحينها قام زميلنا الصحفي البارع لطفي عبد اللطيف بعمل أول تحقيق صحفي من قرية القتيل ونشره في جريدة الأحرار، ومازلت أذكر عبارة وردت على لسان ابن عم شعبان في ذلك التحقيق الصحفي، قال فيها “شعبان ده غالي علينا قوي… لو اللي قتله واحد من أي عيله كنت خلصت على العيله دي كلها…. لكن اللي قتله الحكومة… والحكومة دي عيله كبيرة قوي… وما تخلصش”.

ولأنني من طلاب العلم في العلوم السياسية، ومن المهتمين بالثقافة السياسية انشغلت كثيرا بتعبير هذا المواطن المصري الأمي البسيط الذي يرى أن الحكومة هي “عائلة كبيرة”، أي أنها ليست سلطة عليا في المجتمع تخدمه، وتنظم شئونه، وتقوم بدور الحكم بين أفراده وكياناته، وتمثله أمام العالم، أي أنها فوق العائلات، وفوق الطوائف والأعراق والأحزاب لانها تمثل المجتمع وتدير شئونه.
هذا الفهم لم تستطع جميع مؤسسات التعليم والإعلام والتوعية توصيله للمواطن البسيط، فنظر للحكومة بنفس أدوات فهمه، وبنفس مسلماته، ومن خلال ثقافته المتوارثة، أن الكون كله عائلات، وأن الحكومة واحدة من هذه العائلات، غير أنها “كبيرة قوي”، لذلك يصعب التعامل معها صعوبة كمية من حيث العدد، ولكنها في النهاية عائلة.
وبعد ثلاثين عاماً، ومع انتشار التعليم ووسائل الاتصال الجماهيري من صحف وفضائيات، وبعد انتشار الأحزاب السياسية، وتعدد المشاركات في الانتخابات… هل تغيرت نظرة المجتمع للحكومة؟ هل مازالت الحكومة عائلة كبيرة قوي؟ أم أنه استقام الفهم وأصبحت النظرة اليها تتسق مع طبيعتها ودورها؟
للأسف، لقد تمددت هذه الثقافة القبلية التي لا تعرف معنى الدولة أو الحكومة، وتعيش في العصر الجاهلي، ووصلت إلى خريجي الجامعات، والمتعلمين تعليما أعلى من ذلك، من أولئك الذين يرفعون شعارات الثأر لمن قُتل من حزبهم أو جماعتهم، فأصبحوا يتعاملون بمنطق الثأر الجاهلي، ولكن ثأر لنوعية جديدة من القبائل؛ حيث أصبحت الجماعة أو التنظيم قبيلةً، وفي مقابل ذلك أصبحت الدولة أو الحكومة قبيلة معادية، ولذلك يتم الثأر بهذه الطريقة غير المسبوقة، ثأراً لغير صاحب الدم من غير قاتله.
لقد تحولت التنظيمات الإسلامية التي قادت فتنة رابعة والنهضة إلى قبيلة أو تحالف قبلي، ونجحت في إقناع أتباعها بأن الدولة المصرية هي قبيلة معادية، وأن هناك ثأراً قبلياً بين الاثنين، وأن دماء أبناء قبيلتي رابعة والنهضة عند قبيلتي الجيش

والشرطة، لذلك يصبح كل من ينتسب لقبيلتي الجيش والشرطة هدفا للثأر من قبل أبناء قبيلتي رابعة والنهضة، وأصبح طلب الثأر هدف كل فتيان قبيلتي رابعة النهضة، تستحثهم على ذلك أوامر شيوخ القبيلة، وتستثير حميتهم بكائيات نسائهما.
حالة جاهلية كاملة الأركان، لا… بل إن الجاهلية أشرف من ذلك وأكثر منطقية وعقلانية، إذ إن رابعة والنهضة ليستا عائلات ولا قبائل، ولا يجمع من كان فيهما دم ولا قرابة، بل مصالح ومنافع وأوهام، وفي نفس الوقت فإن الجيش والشرطة ليسا قبائل ولا عوائل، وإنما مؤسسات يجمع أفرادها نظام قانوني صارم، ومن ثم ليس كل من كان في رابعة والنهضة يملك حق المطالبة بدم من قُتل، وليس كل منتسب للجيش والشرطة مطالبا بهذا الدم.
حدث كل ذلك السلوك الجاهلي من قتل للجنود والضباط الأبرياء، ومن تفجير لمراكز الجيش والشرطة ومعداتهما، ومن استهداف لمن يحمي الوطن ويدافع عن حدوده بدعاوى جاهلية، جوهرها الثأر لقتلى رابعة والنهضة، حدث كل ذلك من قبل تنظيمات ترفع شعار “الإسلام هو الحل”… و”تطبيق الشريعة الإسلامية”، وجوهر الإسلام، وروح الشريعة حرمة الدماء، وقدسية النفس البشرية، وتجريم المساس بها، واعتبار ذلك من أكبر الكبائر، وتغليظ الجرم بجعل من قتل نفساً بغير نفس مثل الذي يقتل كل الإنسانية، وفوق ذلك رسوخ قاعدة إسلامية في كل السلوكيات وهي قاعدة المسئولية الفردية “ولا تزر وازرة وزر أخرى”.
هذه الحالة الفوضوية من قتل الأبرياء من الجنود والضباط من أبناء البسطاء من أهلنا لا يتصور العقل لها تبريراً أو تسويغاً بأي منطق، أوبأي شرعة أو دين، فما بالك إذا فعلها من يرفع شعار الإسلام ويدعو إلى تطبيق الشريع؟