رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

مجتمعات بلا وجهة

لا يستطيع أن يتحرك الإنسان من مكانه إلا إذا كان يعرف إلى أين المسير، وكذلك المجتمع.  ولا يستطيع أن يحقق الإنسان أي شيء في حياته إلا إذا كان يعرف أهدافه بوضوح شديد؛ حتى ولو كانت بسيطة جدا؛ لا تتجاوز شراء وجبة غذاء، وكذلك المجتمع. ولا تقبل صلاة المؤمن إلا إذا توجه صدره، ووجهه إلى قبلته التي يؤمن بها، وكذلك المجتمع. لذلك كانت كلمة القبلة تعبيرا عن الوجهة الجامعة لكل أفئدة المجتمع والأمة، ومن نفس الجذر اشتقت اللغات الأوربية كلمة الوجهة أو الاتجاه من قبلة المسيحيين في الشرق، فكانت كلمة الشرق بالفرنسية Le Orient هي جذر ومصدر كلمة الوجهة والاتجاه والتوجيه في اللغات الأوروبية Orientation.

الوجهة هي بداية الطريق، هي المنطلق نحو هدف محدد…جميع المجتمعات الناجحة تعرف وجهتها، ويعرفها أفرادها، ويسعون جميعا بكل جهد نحو هدف محدد، وقد تكون الوجهة شيئا بسيطا وهدفا محدودا؛ لكنه عندما تلتقي عليه قلوب وعقول الشعب يتحول إلى هدف عظيم، ينهض بالأمة ويرتقي بها لتكون في مقدمة الأمم، فالمهم ليس طبيعة الوجهة أو القبلة أو الهدف، وإنما الأهم هو التقاء القلوب والعقول عليه، وإجماع المجتمع عليه، وتوحد الشعب عليه.
نسمع كثيرا بالحلم الأمريكي The American Dream، يتردد في كتب الاقتصاد والسياسة، وفي الصحافة، وفي الأفلام، كلما جاء ذكر الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهي مجتمع من المهاجرين، من أشتات الأرض، من جميع البقاع، لا يوحدهم إلا الحلم الأمريكي، كل مهاجر يحلم بهذا الحلم، ويعمل على تحقيق هذا الحلم، وجميع المجتمع مُجمع على هذا الحلم…وهو حلم بسيط جدا، لا يكاد يصدقه من هو خارج أمريكا، فهو ليس الثروة ولا السلطة، ولا العلم، ولا أي شيء من تلك الأحلام الكبرى…إنه مجرد امتلاك بيت صغير لسكن الأسرة، وليس بناء عمارة ولا أي شئ أكثر من منزل يؤوي الأسرة الصغيرة، هذا هو الحلم الذي جعل أمريكا أقوى اقتصاد في العالم، الجميع يعمل بمنتهى الجدية والإصرار لامتلاك منزل؛ فتكون محصلة هذا العمل الجماعي أقوى اقتصاد في العالم.
إذا كان هذا حالهم، فما هو حالنا؟.. ما هي وجهتنا وحلمنا؟.. هل عندنا قبلة واحدة؟ أظن ستكون الإجابة نعم!.. والحقيقة لا.. نحن نصلي في اتجاه واحد، ولكن لا تتوجه قلوبنا في نفس الاتجاه، مجتمعاتنا فقدت وجهتها، فقدت قبلتها، فقدت حلمها، أصبح لكل فرد أو جماعة أو حزب، أو شلة أو عصابة وجهتها وقبلتها وحلمها، وأصبحت الوجهات متضاربة متصادمة متصارعة، لذلك جميعنا «محلك سر» نتحرك بقوة شديدة، ولكن لا نبارح المكان،

لا نتحرك خطوة واحدة للأمام، نتصادم بمنتهى العنفوان، لأن لنا وجهات متعاكسة، لا نعرف ما هو الفارق بين اختلاف الأهداف المرحلية واختلاف الوجهة والحلم، ولا نعرف كيف يكون للمجتمع والدولة وجهة وأهداف بعيدة المدى مُجمع عليها، وكيف يكون للأفراد مصالح وأهداف فردية قد تكون متنافسة أو متصارعة، هناك فارق كبير بين الاثنين.
كانت لنا وجهة وأهداف وطنية وقومية، وكان لنا اتجاه نعرفه، يدركه المتعلم والأمي، يفهمه العالم والعامل والموظف والفلاح، الجميع يعرف ماذا نريد، يعرف الأهداف الكبرى والمصالح الكبرى، والجميع يعرف العدو من الصديق، والجميع يعرف من يهدد مصالحنا، أو يهدد وجودنا ممن يشاكسنا ويتحرش بنا، ويعرف الفارق بين الإثنين، كنا أمة لأن مفهوم الأمة مشتق لغويا من الجذر «أم» أي توجه أو اتخذ اتجاها معينا، فيقال إن الماشية تؤم الماء، أو أمت الماء، ولكن الآن لسنا أمة، ولا شعب نحن أقرب إلى أن نكون الأمم المصرية المتحدة، كل جماعة أو حزب أو عصابة هي أمة في ذاتها تعادي الأمم الأخرى المجاورة لها في نفس المجتمع.
فقدنا وجهتنا وقبلتنا، وأصبحنا في حالة تيه وشتات، والسبب يعود إلى تشرذم الثقافة المصرية، وتفككها، ودخول ثقافات غريبة عليها من الغرب والشرق، ومن التاريخ وما قبل التاريخ، وكل يدعي أنه هو مصر، وهو وحده من يمثل مصر، والآخرون ليسوا مصريين، ولا يستحقون العيش على هذه الأرض، ويعود كذلك إلى اختفاء المثقف الحقيقي، والعالم الحقيقي، والواعظ الديني الحقيقي، وظهور أشباه لكل هؤلاء، يشبهونهم في الشكل والمظهر، ولا يعرفونهم في الدور والجوهر، فأصبح أفراد المجتمع كلٌ يُعَلِّمُ نفسه، ويختار مصادرَ تعلمه، ولا يوجد ما يجمع كل هذا الشتات إلا المكان.