رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

انعدام الوجدان… لا يعني انعدام الوجود

«انعدام الوجدان لا يعني انعدام الوجود»، قاعدة من قواعد الفكر الإسلامي استقرت في وعي المسلمين على مدى أكثر من ألف عام، تقول هذه القاعدة إن كراهية الشىء، وعدم وجود عاطفة إيجابية تجاهه لا يعني، بأي حال من الأحوال، أنه غير موجود، فقد تكره شيئا كرهاً شديداً، ويزعجك إلى حد الانفجار مجرد تخيل أنه موجود، ولكن كل هذه المشاعر السلبية لا تعني أبدا أنه غير موجود في الواقع، فقد يكون موجوداً أمام عينيك، أوفي داخل جسدك.

هذه القاعدة تفترض وجود مجتمع عقلاني سوي، يفكر أفراده بصورة رشيدة، أو على الأقل بصورة واقعية، أو في الحد الأدني أن يكون أفراد المجتمع أسوياء عقلياً ونفسياً، وليسوا من المأزومين نفسيا، أو المغيبين عقليا، وهذه حالة أظن أن المجتمع المصري خاصة، والعربي عامة، ليسوا في هذه الحالة السوية، بل على العكس من ذلك؛ هذه المجتمعات في الغالب أقرب إلى الحالة السلبية المأزومة، حيث إنه ينتشر فيها أفراد مأزومون نفسيا، ومغيبون عقليا نتيجة لحالة الفقر الشديد، وانعدام الأمل في تغيير حقيقي ينقل حياتهم من حال إلى حال أفضل، ناهيك عن انتشار الأمية التعليمية والأمية الثقافية.
لذلك فإن المجتمع المصري، وللأسف الشديد، لا تنطبق فيه قاعدة «انعدام الوجدان لا يعني انعدام الوجود»، بل  على العكس، يسود فيه عكسها، حيث “اعدام الوجدان يعني «انعدام الوجود»، فالشىء الذي لا نحبه غير موجود، وإن وجد فهو سيىء وفاشل، ولا يأتي منه خير أبداً، فيقول المثل الشعبي “حبيبك يبلع لك الزلط…وعدوك يتمنى لك الغلط”..ويقول مثل آخر “ما يجيش من الغرب شيء يسر القلب”..ويقل الشاعر “وعين الرضا عن كل عيب كليلة…وعين السخط تبدي المساويا”.
تاريخ طويل من ثقافة تنفي وجود، أو تنفي قيمة، أو تنفي نجاح أي شيء أو فعل أو إنسان طالما ليس له في القلب مكان، وليس لدينا عاطفة تجاهه، وهنا ندرك عبقرية النص القرآني الرائع الذي جاء ليضع حداً لهذه العقلية العاطفية، التي تتحكم فيها الأمنيات، وتنفي وجود الواقع الذي لا تحبه، حتى وإن كان وجوده سيؤدي إلى إلحاق الضرر بها، أو إنهاء وجودها، جاء القرآن الكريم ليدرب المؤمن به على الإدراك الواقعي السليم، ليس فقط من خلال الاعتراف بوجود ما لا نحبه؛ بل بتقديره حق قدره، والاعتراف بمزاياه، وليس فقط التركيز على عيوبه، فكان الأمر القرآني “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ” المائدة آية(8). أمر إلهي بعدم الاستسلام لمشاعر الكراهية

لمن لا نحب، وترك هذه المشاعر تمنعنا من العدل معه، وإعطائه حقه، لذلك كان الأمر القرآني الحاسم “اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى“.
هذه الحالة السلبية من إنكار وجود ما نكره تجلت في مصر في الفترة الأخيرة؛ خصوصا عند من لا يتوقع منهم أن تكون فيهم، أولئك الذين يرفعون شعار الإسلام، ويدعون أن القرآن دستورهم، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم قدوتهم، أصبحوا للأسف يقدمون النموذج الأسوأ إنسانيا في تطبيق كل ما هو عكس قاعدة “انعدام الوجدان لا يعني انعدام الوجود”، ويصرون على مخالفة الآية الكريمة بصورة كلية ومطلقة ودائمة، الكراهية عندهم مبرر لنفي كل مزايا من يخالفهم، وإنكار حسناته، ونفي الصفة الإنسانية عنده، بل والانزلاق لتكفيره.
وللأسف نرى هذه الحالة يدعو إليها، ويحمل وزرها، ويقود العوام فيها مشايخ يضعون عمامة الأزهر الشريف على رؤوسهم؛ يطلون على جماهيرهم من قنوات فضائية تبث من تركيا ومن قطر، ويحذو حذوهم متعلمون يحملون درجة الدكتوراه، أو تحملهم درجة الدكتوراه، يملؤون مساحات الجزيرة الفضائية تحليلاً، وتوصيفا وتنبؤاً، بكلام لا يوجد فيه إلا أمنيات؛ تبعثها نفوس تنفي الوجود عن كل ما لا تحب، على الرغم من أن الحقائق أمامهم بالصوت والصورة، وبالأرقام، ولكن النفوس المأزومة، والعقول المغيبة، لا ترى إلا ما تحب، وكأن عينوهم لا ترى خارج رؤوسهم بل هي عيون مقلوبة ترى ما في الرأس وليس ما هو خارجها، حتى وإن كان ما هو خارجها سيقضي عليها.
مؤتمر شرم الشيخ لدعم وتنمية الاقتصاد المصري وتغطية الجزيرة القطرية، وقنوات التنظيم من تركيا كان نموذجا صارخا لهذه الحالة، بصورة تدفع للرثاء، وتفقد الأمل في أية مراجعة للذات لاستدراك ما فات، ووقف نزيف التدهور والانهيار. والله غالب على أمره.