عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

التفكير الغرائزي

من الحكم التاريخية التي تنسب الى مصادر متنوعة يونانية ومسيحية وإسلامية؛ حكمة تقول “ إن الله خلق الملاك من عقل بلا شهوة، وخلق الحيوان من شهوةٍ بلا عقل، وخلق الإنسان من الاثنين معاً، فمن انتصر عقله على شهوته أصبح أعظم من الملاك، ومن انتصرت شهوته على عقله صار أحط من الحيوان، ومن وازن بين الاثنين كان إنساناً فاضلاً”.

والانسان في سعي دائم للترقي في سلم الكون ليكون إنساناً فاضلاً يطمح إلي الاقتراب من الملاك، والبعد عن الحيوان، وفي سبيل ذلك يخضع غرائزه لسلطان عقله، لان الغرائز أو الشهوات لا يمكن بأي حال  من الأحوال إلغاؤها أو إنكارها، ولكن غاية جهد الإنسان أن يتحكم فيها من خلال معايير العقل الذي هو من تجليات روح الله في الإنسان التي نفخها في آدم، ومنه سرت إلى بني آدم إلى يوم الدين، والتحكم في الغرائز هو ما يجعل الإنسان إنساناً، وبدون ذلك ينحدر الإنسان إلى مستوى البهائم تقوده غرائزه وشهواته المتنوعة والمتعددة؛ التي تبدأ من شهوات البطن والجنس.. وتصل إلى شهوات السيطرة، والحكم، والغضب، والانتقام، والتشفي.. الخ.
ومن الثابت في التاريخ أن الاستبداد السياسي يضعف طاقات العقل عند الإنسان ويحجمها؛ لأنه يحاصرها ويشكك فيها ويعتبرها العدو الأول له، لذلك فإن المجتمعات التي تعيش في ظل الاستبداد لفترات طويلة تنحدر من مستوى الإنسان إلى مستويات الحيوان، حيث تغلب عليها الشهوات والغرائز، ويضعف فيها سلطان العقل  ويتقزم، وتصير مجتمعات غرائزية وشهوانية، والمجتمع المصري عاش لعدة أجيال في ظل نظم من الاستبداد والقهر، خصوصا منذ أواخر السبعينات من القرن الماضي حتى قيام ثورة يناير ٢٠١١، لذلك ما أن تم التخلص من حالة الاستبداد السياسي حتى انفلت عقال شهوات المصريين وغرائزهم، وأصبح المجتمع المصري تحكمه الغرائز، وينزوي فيه العقل جانبا، حتى يكاد يتهم في عقله من تمسك بعقله.
والمتأمل في حالة مصر يجد أن المشكلة الكبرى فيها هي التفكير الغرائزي الحيواني الذي أصبح هو السمة الغالبة على تصرفات الخاصة والعامة، وفي كل مجالات الحياة، وهو أساس كل الأزمات التي تعاني منها الدولة والمجتمع، ويكفي أن تنظر في صفحة الحوادث لتجد أن أدنى وأحط الشهوات، وهي شهوة الجنس صارت هي الدافع الأساسي لارتكاب أفظع الجرائم، من زنا المحارم، إلى قتل المحارم، والأزواج والأبناء…الخ. كذلك تجد أن شهوة المال وما يتفرع منها من جشع، وطمع واستغلال صارت هي أساس الأزمات الاقتصادية من رغيف الخبز إلى الغاز، والبنزين….الخ، حيث يتجرد الإنسان من آدميته، ويتاجر في آلام مجتمعه من أجل تضخيم أرقام ثروته.
وكارثة الغرائز والشهوات شهوة الغضب والانتقام والتشفي التي لا يمكن إشباعها مثل الغرائز الأخرى، والتي تزداد شرهاً  واشتعالاً كلما أوغل الإنسان في إشباعها، وللاسف صارت هذه الغريزة الحيوانية تتحكم في المجتمع المصري بصورة تراجع معها دور العقل، وقدراته على السيطرة أو التحكم، وصارت العلاقات الاجتماعية والسلوكيات السياسية

تتحكم فيها هذه الغريزة التي لا شفاء منها، ولا علاج لها، فقد انفلت عقال الغرائز، وتوحشت الشهوات، وأصبح لاسبيل للشفاء منها إلا من خلال إفناء الخصم والقضاء عليه قضاء مبرما، لا يبقي منه أثراً  وليذر.
الكل يريد التخلص من الكل، والكل يكره الكل ويعادي الكل، حالة كارثية إذا ما تركت لتتفاقم ستؤدي إلى انتهاء مفهوم المجتمع بالمعنى الذي كانت تعرفه مصر، والتحول إلى نموذج من الصراع الاجتماعي العميق والممتد الذي شهدته دول تنقسم بصورة عميقة وعنيفة بين أديان أو أجناس متنافرة متصارعة، وقد أدى إلى تضخيم هذه الحالة في مصر أن صار أحد أطرافها تنظيما دينيا يعتقد بملكية الحقيقة المطلقة، ويؤمن أن رأي أتباعه إنما هو وحي من السماء، وأنهم لا يخطئون؛ لأنهم ربانيون منزهون عن نقائص البشر، لذلك فالخطأ والنقيصة فيمن يعارضهم؛ حتى لو ارتكبوا افظع الجرائم وأغبى السياسات، دخل هذا التنظيم المغلق فكريا في صراع ممتد مع المجتمع الذي ثار على أخطاء قيادات هذا التنظيم، وحرمها من حلم السلطة، وطموح أستاذية العالم، لذلك اتخذ هذا الصراع طابعا غرائزيا عميقا، تحكمه غريزة الانتقام، والتشفي.
ولا يمكن والحال هكذا الوصول إلى نقطة للمراجعة، والاعتراف بالخطأ، أو الرجوع إلى كلمة سواء، أو البدء من جديد، لان ذلك الفكر الغرائزي المغلق تحكمه عقيدة “لا نجوت إن نجا” ، أي أن وجودي يتوقف على زوال خصمي تماما، ولن أنجو في هذه الحياة إذا نجا هو، أى أننا في معادلة صفرية، أحد الأطراف يكسب كل شىء، والآخر يخسر كل شىء، ولا ثالث بينهما.
هذه الحالة الغرائزية ينبغي أن يتم فتح النقاش العام حولها، لان عوام الناس أصبحوا هم وقودها؛ سواء إذا كانوا أدوات لهذا التنظيم الإجرامي، أو ضحايا له، وفي كلتا الحالتين هم ضحايا هذا الاستلاب الغرائزي الذي قادهم اليه خطاب ثقافي وديني همش دور العقل ، وأطلق الغرائز بدون قيود أو حدود.