رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

برلمان «شيخون» في اسطنبول

من أهم خصائص الجماعات الأيديولوجية المغلقة أن لها زمانها، ومكانها الخاصين بها، وهما زمان، ومكان غير زمان باقي البشر، ومكانهم، حيث يحدد أعضاؤها، بمعزل عن العالم أجمع، إيقاع هذا الزمان، وخصائص وطبيعة المكان، فقد يظن البشر جميعاً أنهم يعيشون في ديسمبر 2014، ولكن هذه الجماعة المغلقة تفاجئهم، وبقناعة راسخة رسوخ الجبال انهم مازالوا في يونية 2012، وقد يعتقد البشر جميعاً أن مجلس الشعب المصري يقع في قلب القاهرة، ويصحح لهم أعضاء هذه الجماعة انه في قلب اسنطبول.. وهكذا، تحدد هذه الجماعة المغلقة كل ما يتعلق بالزمان، والمكان، والإنسان، والأحداث، والأحوال...الخ طبقاً لرؤية أعضائها، ومصالحهم، وتصوراتهم الخاصة.

ومن خصائص الجماعات المغلقة أن أعضاءها، لا يصححون أخطاء بعضهم البعض، ولا ينتقدون من أخطأ منهم، ولا يقبلون النقد من الآخرين، حتي وإن كان في صميم مصلحتهم، ولإنقاذ وجودهم من الزوال، لأن أساس وجود تلك الجماعات هو امتلاك الحقيقة المطلقة، والسمو الشخصي، والتميز الإنساني، والاختلاف عن باقي البشر، وكأنهم شعب الله المختار، بل انهم شعب الله المختار طبقاً لقناعاتهم، حتي وإن لم يصرحوا بها، لذلك خاطب القرآن الكريم النموذج المثالي لتلك الجماعات، والذي تمثل في مجموعة معينة من بني إسرائيل قائلاً: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل علي لسان داوود وعيسي ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} (المائدة 78)، وأساس اللعن هذا، والسبب الكامن خلف المعصية والعدوان انهم لا ينهي بعضهم عن الأخطاء التي يرتكبونها، ولا يصحح بعضهم بعضاً، ولا يمارسون النقد الذاتي، لذلك يتمادون في الأخطاء إلي ما لا نهاية، وهذا النموذج ليس مقصوراً علي طائفة من بني إسرائيل، بل انه نموذج سلوكي إنساني عام، ينطبق علي كل من تحققت فيه شروط، ومكونات النموذج في أي زمان، ومن أي عقدة.
عندما أعلن عن إعادة مجلس الشعب الذي قضت المحكمة الدستورية العليا بحله في 14 يونية 2012، ووافق علي ذلك الرئيس محمد مرسي، وقامت السلطة التنفيذية التي كان هو رأسها بتنفيذ الحكم، عندما أعلنت الجماعة عن إعادة هذا المجلس للانعقاد في 20 ديسمبر 2014 في فندق في اسطنبول عاصمة تركيا، تذكرت قصة قديمة حدثت مع أحد أبناء عمومة جدي رحمه الله، كان اسمه «شيخون»، وكان رجلاً بسيط الحال، طيب القلب، يعيش مع نفسه، وفي يوم من الأيام ذهب من قريته إلي السوق في المدينة، ممتطياً حمارته، التي هي أهم ما يملك من

متاع الدنيا، وفي السوق ضاعت الحمارة، وبحث عنها، ولم يجدها، فرجع إلي بيته خائباً مكسوراً، ويائساً حزيناً، لا يستطيع عقله أن يستوعب انه قد فقد رأس ماله، وأهم ما يملك، ولا سبيل لاسترجاعه، أو تعويضه، كابوس مرعب مخيف، لم يكن يخطر علي باله أن يحدث له مثل ذلك في يوم من الأيام، بل لم يكن يتصور، ولو في الأحلام أن تضيع حمارته، ويرجع ماشياً علي رجليه الضعيفتين، وهو الرجل المسن لمسافة خمسة كيلو مترات، وعندما وصل إلي بيته، طرق باب البيت، رغم أن الباب مفتوح، وأخذ ينادي بأعلي صوته.. يا شيخوووون.... يا شيخووووون، نظرت ابنته الوحيدة من سطوح البيت، وقد أدهشها ما رأت، وما سمعت، أبوها الحيرة والاندهاش... سلامتك يا بوي... انت «شيخون» فرد عليها... لا أنا مش «شيخون»، «شيخون» في الداخل عندك، نادي عليه ليخرج لي..... كررت ابنته التأكيد انه هو أبوها، وانه «شيخون»... فقال لها والأسي يخنقه... لو أنا صحيح «شيخون» يبقي مصيبة وصابت أبوكي، يبقي الحمارة ضاعت.
كان أهون علي جدنا «شيخون» أن يكون غير ذاته، ولا تضيع حمارته، أن ينكر وجوده، وينكر الزمان والمكان، ويعيد الأيام إلي الوراء وكأنه لم يذهب إلي السوق، ولا يخسر رأس ماله، وركوبته التي يقضي بها مصالحه، وتحفظ بين الناس سره وكرامته، وكان أهون علي أعضاء الجماعة حين لاح في الأفق مصالحة مصرية- قطرية أن ينكروا الزمان والمكان، ويعيدوا عجلة الزمن إلي ما قبل تولي الرئيس الأسبق محمد مرسي للرئاسة، ويعيدوا مجلس الشعب الذي كان ركوبتهم لتحقيق كل أحلامهم وطموحاتهم، وأصبح كل منهم «شيخوناً» ينادي علي نفسه ليفتح لنفسه باب بيته.